زائر زائر
| موضوع: مثالية الدولة الاسلامية في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الثلاثاء مارس 02, 2010 2:44 pm | |
| السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ندخل مع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عصر مثالي من عصور الاسلام , في عصر اتضحت فيه معالم نظام الخلافة الذي حدد اطاره العام رسول الله صلى الله عليه و سلم , و نتمعن و نتدبر فيما قام به رضي الله عنه في خلافته فنجده كان بحق المنفذ لها حسب مفهومها الاسلامي المتكامل , و بالفعل فلا يسعنا اذن الا أن نقول أن الخليفة عمر رضي الله عنه كان مثلا أعلى قي تطبيق مبادئ النظام السياسي التي أرادها الله و رسوله لهذه الأمة . لذلك فان المبادئ و الأسس التي جاء بها الاسلام كلها قد نفذت في عهد الخليفة عمر رضي الله عنه , باعتباره أقام على الخلافة مدة طويلة , و هذه هي تلك المبادئ التي تحققت بشكل جلي في عهده رضي الله عنه : أ- مبدأ الشورى : ان من مبادئ النظام السياسي في الدولة الاسلامية حتمية تشاور الحكام مع المحكومين , و النزول على رضاهم و رأيهم , و امضاء نظام الحكم بالشورى . و قد اعتمد عمر بن الخطاب رضي الله عنه على هذا المبدأ بشكل تام و كامل , و كان رضي الله عنه لا يبرم أمرا يتعلق بسياسة الدولة الا بمشورة الأمة , و كان للشورى عنده درجات , فهو يستشير العامة أولا , ثم يجمع كبار الصحابة من قريش و غيرهم , و يستشيرهم ثانيا , فاذا استقر رأيهم على رأي من الآراء أو عمل من الأعمال أخذ بهذا الرأي و نفذه , و قام بهذا العمل و أداه . و نظرا لكثرة المستجدات و الأحداث التي ظهرت نتيجة الفتوحات , فقد احتاج الخليفة عمر رضي الله عنه لحل المشكلات الجديدة ااى جعل نطاق الشورى واسعا و مفتوحا لكل الأمة , فكان كما روي أنه رضي الله عنه اذا نزل الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يقتفي حدة عقولهم , و أنه كان يستشير حتى المرآة فربما أبصر في قولها الرأي الصائب . و أول القرارات الكبرى التي صدرت نتيجة مبدأ التشاور في عهده كانت تتعلق بمنصب الخلافة ( رئاسة الدولة بالمفهوم الحديث ) , و هو هل يقود الجيش بنفسه رضي الله عنه و هو رئيس الدولة لقتال الفرس . و كان هذا العزم الذي أراده الخليفة رضي الله عنه ملحا بعد الهزيمة القاسية التي تعرضت لها الجيوش الاسلامية في تلك الموقعة المعروفة في التاريخ الاسلامي بموقعة الجسر , لكنه كعادته أراد قبل أن يشرع فيما عزم عليه أن يأخذ رأي الأمة , و بالفعل استشار الأمة في هذا الأمر , فأشارت عليه الأغلبية بالبقاء في العاصمة ( المدينة ) , ويكتفي فقط بأمر الامداد و التعبئة و التوجيه , و يترك القيادة العسكرية لرجل تتوفر فيه المؤهلات و الكفاءات لذلك . و لولا هذا المبدأ الاسلامي الذي أخذ به الخليفة عمر رضي الله عنه لما استطاع كما يقول الدكتور سليمان محمد الطماوي أن يسير الجيوش في آسيا و افريقيا في هذا المدى القصير من الزمن و أن يحقق ما حققه من انتصارات تعد من قبيل المعجزات . كما كان رضي الله عنه يستشير في أمور تعتبر من اختصاصاته كرئيس للدولة , من ذلك أمر اختيار الولاة و قادة الجيوش , فقد روي أنه رضي الله عنه لما أراد اختيار أحد الرجال في منصب قيادة الجيش الذي سيرسل الى العراق قال للناس : " أشيروا علي برجل أوله أمر هذه الحرب , و ليكن عراقيا " فقالوا له : " أنت أفضل رأيا , و أحسن مقدرة , و أبصر بجندك , و قد وفج عليك أهل العراق , و جنده فرأيتهم و خبرتهم " , فقال الخليفة : " أما والله لأولين أمرهم رجلا يكون أول الآسنة اذا لقيها غدا النعمان بن مقرن " , قال الناس : " هو لها " . و تقول الرواية التاريخية أيضا أنه رضي الله عنه قال مرة لأصحابه : " دلوني على رجل أستعمله على أمر قد همني " , قالوا: " فلان , قال : لا حاجة لنا فيه , قالوا : فمن تريد ! , قال : أريد رجلا اذا كان في القوم كان كأنه رجل منهم , قالوا : ما نعرف هذه الصفة الا في الربيع بن زياد الحارثي , قال : صدقتم , فولاه . و ذات يوم يوم في خلافته رضي الله عنه استشار الصحابة رضي الله عنهم جميعا في أمر الأرض المفتوحة , حيث كان رأي الصحابة أن تقسم الأرض التي فتحت عنوة بين الجنود الغانمين , بينما كان رأي الخليفة هو ابقائها قي أيدي أصحابها الأصليين دون أن تقسم , و قد نقل عنه أنه رضي الله عنه قال : "فكيف أقسم لكم و أدع من يأتي بغير قسم...". الى جانب ذلك فقد اهتم الخليفة الراشد كثيرا بنشر الشورى بين الناس , و يظهر ذلك جليا في كتاباته التي كان يبعث بها الى عماله و قواده , فقد لروي أنه رضي الله عنه لمل وجه عمرو بن معد يكرب الى سعد بن وقاص رضي الله عنهما الى القادسية و كان له هناك بلاءا حسنا , كتب عمر الى سعد : " قد وجهت اليك أو امتدتك بألفي رجل عمرو بن معد يكرب و طليحة بن خويلد رضي الله عنهما...فشاورهما في الحرب و لا تولهما شيئا ". ولما وجه رضي الله عنه القائد أبي عبيد بجيشه الى العراق قال : " اسمع من أصحاب رسول لله صلى الله عليه و سلم , و أشركهم في الأمر ....". و ما يبقى لنا بعد هذه النماذج الباهرة الا أن نقول كما قال العقاد في احدى عبقرياته : " ان المشاورة لفن عسير .. و ان الذي ينتفع بمشورة غيره لأقدر ممن يشير عليه , و قد كان عمر عبقري هذا الفن الذي لا يجاري...". ب- مبدأ العدل و المساواة : ان من أهداف الدولة الاسلامية الحرص على اقامة مبادئ النظام التي تساهم في بناء المجتمع المسلم , و من أهم هذه المبادئ : العدل و المساواة بين الناس , و من هذا المنظور يجب أن يكون القانون فوق الكل يخضع له الحاكم و المحكوم , و ينصاع له الراعي و الرعية صغيرا كان أو كبيرا , صديقا أو عدوا , كافرا محاربا أو ذميا . و هذا ما قام به الخليفة عمر رضي الله عنه في الدولة الاسلامية .فقد فتح الأبواب على مصرعيها لوصول الرعية الى حقوقها , و كان رضي الله عنه يقوم بنفسه على الاحاطة بشؤونها مباشرة , و يخشى أن يكون هناك حاجز بين عامله و رعيته . لذلك نجده يقول لمن بعثهم ولاة على الناس : " اني لم استعملكم على أمة محمد صلى الله عليه و سلم على أشعارهم و لا على أبشارهم , و انما استعملتكم عليهم لتقيموا الصلاة و تقضوا بينهم بالحق و تقسموا بينهم بالعدل ". و نجده يقول في الناس : " اني و الله ما أرسل اليكم عمالا ليضربوا أبشاركم و لا يأخذوا أموالكم و لكن أرسلهم ليعلموكم دينكم و سنة نبيكم فمن فعل به شيء سوى ذلك فليرفعه الي فوالذي نفسي بيده لأقصنه" فيقول عمرو بن العاص رضي الله عنه ( حاكم مصر) : " أرأيتك ان كان رجل من أمراء المسلمين على رعية فأدب بعض رعيته انك لتقصنه منه ؟ " فيجيبه الخليفة عمر رضي الله عنه :" اي والله و الذي نفس عمر بيده لأقصنه منه و قد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقص من نفسه ". الى جانب ما سبق فقد جعل رضي الله عنه الحج مؤتمرا عاما للولاة , و حدث ذات مرة أن جمع الناس و استدعى عماله , و بعدها قام فيهم خطيبا : " يا أيها الناس اني بعثت عمالي هؤلاء ولاة بالحق عليكم و لم أستعملهم ليصيبوا من أبشاركم و لا من دمائكم فمن كانت له مظلمة عند أحد منهم فليقم ", فما قام من الناس الا رجل واحد فقال :" يا أمير المؤمنين عاملك ضربني مائة سوط " قال عمر :" أتضربه مائة سوط ؟ قم فاستقد منه " فقام اليه عمرو بن العاص رضي الله عنه فقال : " يا أمير المؤمنين انك ان تفتح هذا على عمالك كبر عليهم و كانت سنة يؤخذ بها من بعدك " , فقال الخليفة عمر رضي الله عنه :" ألا أقيده منك و قد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقيد من نفسه ؟ قم فاستقد منه " فقال عمرو :" دعنا اذن فلنرضه " قال : " دونكم " أرضوه بأن اشتريت منه بمائتي دينار كل سوط بدينارين". و النماذج في هذا الشأن كثيرة يطول ذكرها , وكلها تثبت أنه رضي الله عنه بحق طبق العدل في كل شيء , و مع كل أحد , و بالفعل أقام الدولة على المساواة . ج- مبدأ الحرية في القول و العمل : هذا المبدأ من المبادئ الهامة التي يجب أن يقوم عليه النظام السياسي في الاسلام , فانضباط المجتمع الاسلامي و دولته انما يكون مرهونا بهذا المبدأ أي بيقظة ضمائر الناس و تحرر السنتهم , فالحرية في ابداء الرأي و التعبير هي التي تحول دون انزلاق الحكام الى الخطأ و الانحراف و بالتالي يؤدي ذلك الى فتنة قد تعود بالويلات على الدولة . و طبعا الحرية كانت مصونة و مكفولة للأمة في كل العهد الراشدي , و المتتبع لسيرة الخلفاء الراشدين يجد هذا الأمر في غاية الوضوح , بل يجدهم كانوا يحثون رعيتهم عليها , و هذا الأمر يقرره الجميع فلا داعي للتدليل عليه. لكن هذه الحرية التي أقرها الاسلام يجب أن تكون في مصلحة الأمة و الدولة , فلا يجوز كما قال الدكتور أحمد الريسوني وسيلة للهدم و التغرير و اذاء الناس . و لعل في مبدأ الشورى الذي ذكرته آنفا بعض جوانب هذه الحرية في الرأي , فقد كان الخليفة عمر رضي الله عنه يرى أن لأهل الشورى حقهم الكامل في التعبير عن آرائهم بحرية تامة , و دون أدنى شرط أو قيد , و قد أوضح الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه -في خطبة افتتاحه لمجلس الشورى - سياسة الدولة في هذا الأمر: " اني لم أزعجكم الا لأن تشتركوا في أمانتي فيما حملت من أموركم , فاني واحد كأحدكم و أنتم اليوم تقرون بالحق خالفني من خالفني و وافقني من وافقني , و لست أريد أن تتبعوا هذا الذي هواي ". و قد ترك الخليفة المجال واسعا للمعارضة ان كانت هناك معارضة , و يكفي في ذلك دليلا ما روي عنه أنه رضي الله عنه خطب ذات يوم فقال :" يا معشر المسلمين , ماذا تقولون لو ملت برأسي كذا ( و ميل برأسه) , فقام اليه رجل فقال : " آجل كنا نقول بالسيف كذا ( و أشار الى القطع ) " , فقال الخليفة عمر رضي الله عنه : " رحمك الله , الحمد لله الذي جعل في رعيتي من اذا اعوججت قومني " . أما الحرية في المجال العملي كالعبادة مثلا , فالاسلام لم يكره أحدا على اعتناق الاسلام . ولما كان الأمر كذلك فكيف لا يحترم الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه معتقدات الغير المسلمين الذين أصبحوا جزءا من المجتمع , و هؤلاء هم الذين سموا بالذميين ( أهل الذمة ) . و لنا في ذلك دليلا هو قوله صلى الله عليه و سلم : " انما أعطيناهم العهد على أن نخلي بينهم و بين كنائسهم يقولون فيها ما بدا لهم , و أن لا نحملهم ما لايطيقون , و ان أراد بهم عدو بسوء قاتلنا دونهم , و على أن نخلي بينهم و بين أحكامهم الا أن يأتونا راضين بأحكامنا فنحكم بينهم و ان غيبوا عنا لم نتعرض لهم". و السلام عليكم ورحمة الله و بركاته. |
|