بعض القضايا الخلافية في علم نفس النمو
توجد في ميدان سيكولوجية النمو مجموعة من القضايا الخلافية نعرض لها , لأهميتها في توجيه كل من النظرية والممارسة في هذا الفرع من فروع علم النفس :
1- الفطرة والخبرة في النمو الإنساني:
يرتبط مفهوم الفطرة ارتباطا وثيقا بالوراثة , كما يرتبط مفهوم الخبرة بالبيئة , والوراثة مفهوم له دلالته البيولوجية المباشرة ويرتبط بالخصائص البنائية العضوية أو الجسمية .
توصل العلماء من دراسة السلوك إلى أن الخصائص البنائية العضوية لها أهميتها في النمو الإنساني لأنها تضع لنا ال إطار الذي يمكن أن ننمى فيه السلوك . كما أن لأى نمط من أنماط السلوك بعض الأعضاء والعضلات والمراكز العصبية التي تعد شروطا أساسية لحدوث السلوك .
ومن هنا يمكن القول أن خصائص بنائية عضوية معينة تعد شرطا ضروريا إلا إنها ليست شرطا كافيا لنمو أحد أنماط السلوك .وبعبارة أخرى فإن توافر جميع المتطلبات البنائية العضوية السابقة لا يعنى في ذاته ظهور سلوك معين أو نموه , كما أن ذلك لا يعنى أن عدم وجود نمط معين من السلوك يدل على نقص البنية العضوية . وبالمثل فإن التغيرات السلوكية لا تعنى بالضرورة وجود تغيرات بنائية عضوية . ويستثنى من ذلك حالات المرض العضوي والنفسي . وهكذا يمكن القول بصفة عامة أن الخصائص البنائية لمعظم الأشخاص الأسوياء تسمح بالتغير والاختلاف في نمو السلوك وتنميته .
ومعظم الخلط والغموض واختلاف وجهات النظر الذي شاع في الحوار الذي يدور في مختلف الأروقة حول دور الوراثة ( الفطرة) في السلوك الإنساني أن هو إلا نتيجة للفشل وعدم القدرة على التمييز بين الخصائص السلوكية ( وهى خصائص وظيفية ) والخصائص البنائية العضوية ومعنى هذا أن العوامل الوراثية لا يمكن أن تؤثر في السلوك بصورة مباشرة . وانما يكون أثرها بطريقة غير مباشرة من خلال الأجهزة العضوية في الإنسان . وهنا نصل إلى سؤال هام هو : كيف تؤثر الخصائص البنائية في نمو السلوك ؟ وتتطلب الإجابة على هذا السؤال فحص مدى الارتباط بين خصائص السلوك وشروط البني الجسمية مثل الإضطرابات الغددية والخلل الذي يصيب المخ والتركيب الكيمائي للدم .
وحين تؤكد نتائج البحوث أن شرطا بنائيا معينا يرتبط بخاصية سلوكية معينة ما , فإن السؤال الجوهري هنا هو مدى تأثير الوراثة في هذه الخاصية ؟ ويمكن تتبع الشرط البنائى حتى يتأكد الباحث من وجود أو عدم وجود أحد الجينات أو المورثات . كما أن هذا الشرط البنائى ذاته يمكن أن ينشأ من خصائص فيزيائية أو من المورثات . كما أن هذا الشرط البنائى ذاته يمكن أن ينشأ من خصائص فيزيائية أو كيمائية في رحم الأم ( البيئة الرحمية) أو من الإصابات التي تحدث أثناء الولادة أو غيرها من العوامل "البيئية " . وإذا كان مفهوم الوراثة يسهل تحديده – بيولوجيا على الأقل- فإن مفهوم البيئة يصعب تعريفه بالرغم من شيوعه , فالمعنى الشائع للبيئة يشير إلى الإستخدام الجغرافي أو ما يتصل بالمكان . إلا أن هذا الإستخدام ليس كافيا من الوجهة السيكولوجية . فلا يعنى وجود شخصين في " مكان " واحد أن بيئتهما " النفسية" واحدة , حتى لو كانا طفلين شقيقين ربيا معا في نفس البيت . بل الأكثر من ذلك حتى لو كانا توأما متطابقا ناهيك عن التوأم غير المتطابقة .
ويمكن تعريف البيئة النفسية بأنها مجموع الاستثارات التي يتلقاها الفرد منذ لحظة إخصاب البويضة في رحم الأم حتى وفاته , مع ملاحظة أن مجرد الوجود الفيزيائي للأشياء لا يؤلف في ذاته البيئة , وإنما لابد أن تقوم هذه الأشياء بدور " المثيرات" للفرد . ويتسع التعريف ليشمل ما هو أكثر من البيئة بمعناها الشائع . متضمنا كل صور الاستثارة , كما يمتد إلى دورة الحياة كلها . وبهذا المعنى يصنف علماء نفس النمو البيئة إلى قسمين أساسيين هما :
البيئة الرحمية وتشمل تغذية الأم وعلاجها وتناولها المواد الضارة ( كالسجائر والكحول) وإفرازاتها الغدية , والأمراض التي تصاب بها وغير ذلك من الشروط الجسمية التي تؤثر في الجنين , كما أن الإحساس النفسي للام الحامل بالقلق والضيق والحزن والأسى والغضب يؤثر في جنينها تأثيرا ضارا وينشأ هذا الإحساس عند الأم عادة نتيجة العلاقات الإجتماعية وبذلك يكون الجنين غير معزول عن بيئة أمه الإجتماعية .
بعد ميلاد الطفل يواجه الطفل بيئة ما بعد الولادة التي تتألف من مواقف أو سلاسل من المثيرات سواء فيزيائية أم اجتماعية , ولعل أهم هذه البيئات على التوالي بيئة المنزل لطفل ما قبل المدرسة , وبيئة المدرسة للطفل في سن المدرسة , وبيئة الدراسة والعمل للمراهقين والراشدين .
وقد يلجأ الباحثون إلى طرق عديدة لدراسة اثر الوراثة والبيئة في السلوك الإنساني عن طريق دراسة شجرة الأنساب والسلالات والتوائم وأطفال المؤسسات .
يتبع