هروب هذا الطفل من التعامل مع الأشخاص إلى التعامل مع الأشياء والانعزال والوحدة ومن هنا جاء اسم «التوحد».
التشخيص والعلاج
يعد التشخيص الصحيح والمبكر حجر الأساس في عملية علاج التوحد، فهو يوفر لطفل التوحد فرصة أكبر في التدخل للعلاج، وفي أغلب الأحيان يؤدي تجاهل التوحد في المراحل المبكرة من العمر إلى صعوبة التدخل في الأوقات اللاحقة من حياة الطفل.
وهناك عدة اختبارات خاصة بتشخيص التوحد مثل: اختبار كارس () واختبار (-) الاستبيانات الخاصة بالأسرة مثل (-) وهي أسئلة توجه للوالدين، إضافة إلى ضرورة مراقبة الطفل من قبل الاختصاصيين والأطباء. وبعد التشخيص يأتي التقييم الذي يركز على معرفة قدرات الطفل ونقاط القوة والضعف لديه، ومن ثم اختيار أفضل طريقة للعلاج وغالبًا ما يتطلب التقييم عددًا من المتخصصين في علم النفس، والنمو، والعلاج الوظيفي، إضافة إلى اختصاصي في التربية الخاصة والنطق والتأهيل.
أما علاج التوحد فهو يختلف من طفل إلى آخر، لأن أعراضه تخف وتشتد من مصاب إلى آخر، وليس هناك علاج واحد أو دواء بمفرده لعلاج التوحد، ولكن هناك مجموعة من الحلول الفعالة في تقويم وتعديل السلوك وهي ثلاثية الأبعاد: نفسية، واجتماعية، ودوائية.
بالنسبة للعلاج الدوائي يكون على مرحلتين: الأولى: استعمال الفيتامينات والمعادن والمكملات الغذائية والأملاح المعدنية الضرورية للجسم، خاصة أنه لوحظ عند أغلب أطفال التوحد وجود نقص في فيتامين (ب) الذي يساهم في صناعة الإنزيمات التي يحتاجها الدماغ والتي تساعد على تحسين الانتباه والتركيز، كذلك تطبق ضمن المرحلة الأولى من العلاج الدوائي حمية الكازيين (الحليب ومشتقاته)، وحمية الجلوتين (القمح، والشعير، والشوفان)، وأيضًا اختبارات الحساسية للطعام، والغرض من هذه الحميات والاختبارات هو معرفة مدى تأثر الطفل بالحمية الغذائية، فقد يعاني حساسية لبعض أنواع الأطعمة وخاصة الكازيين والجلوتين، وبالتالي فإن استبعادهما من النظام الغذائي يساعد في تعديل بعض السلوكيات.
أما المرحلة الثانية من العلاج الدوائي فتجرى خلالها اختبارات المناعة، واختبارات المعادن، والتخلص من المعادن الضارة والثقيلة مثل الزئبق، وأحيانا قد يضطر الطبيب للجوء إلى بعض العقاقير التي تساعد في تصحيح سلوكيات مرافقة لهذا الاضطراب مثل: فرط الحركة، والقلق، ونقص القدرة على التركيز والصرع.
ويمكن علاج «التوحد» نفسيًا باستخدام طرق عدة أهمها: طريقة لوفان «العلاج السلوكي» التي تقوم على مكافأة الطفل على السلوك الجيد أو على عدم ارتكاب سيئ، كما يتم عقابه بحرمانه من شيء يحبه مثلا على سلوك خاطئ.
وهناك طريقة «التعليم المنظم» التي تهدف إلى تنظيم محيط الطفل، من حيث الزمان والمكان حتى يمكنه التنبؤ بما سيحصل لاحقا ولا يكون سببًا في إرباكه، الأمر الذي يزيد من اعتماد الطفل على نفسه، ولا ننسى في الجانب النفسي أهمية جلسات التخاطب حيث يستعمل اختصاصي التخاطب البطاقات الملونة وسيلة لتعليم الطفل الكلمات والجمل، ما يقوي الجانب اللغوي والتواصل اللفظي عنده.
برنامج تدريبي مصاحب
لا يتوقف علاج التوحد على الجانب الدوائي والنفسي والاجتماعي، بل لا بد من برنامج تدريبي مرن يتغير حسب تطور حالة الطفل وعمره، ويحتاج طفل التوحد- وسطيًا- إلى 40 ساعة تدريب أسبوعيًا إلى جانب طرق العلاج السابقة الذكر، ويهدف البرنامج التدريبي (العلاجي) إلى إكساب الطفل المزيد من الخبرات الإيجابية في الأمور الحياتية المختلفة.
أما الجوانب التي يركز عليها ويتضمنها البرنامج التدريبي فأهمها التدريبات المعرفية التي تركز على معرفة الأشكال والأحجام والألوان والتطابق والتصنيف، ومعرفة أجزاء الجسم والمهارات الاجتماعية، وكذلك التدريب على العناية الذاتية مثل تحضير الطعام، واستخدام أدوات الأكل، وتنظيف الأسنان، والاستحمام، وارتداء وخلع الملابس والأحذية، وهناك التقليد الحركي (الحركات البسيطة والمركبة)، وتقليد الأصوات المختلفة.
ومن الجوانب الأخرى التي تصنف ضمن البرنامج التدريبي لعلاج التوحد: ركوب الخيل، فبما أن طفل التوحد يهرب من العلاقة مع الأشخاص إلى العلاقة مع الأشياء، فإن الحصان يستخدم ليكون وسيطًا بين الطفل والأشخاص مما يعزز من التواصل الاجتماعي، كما أن ركوب الخيل يفيد في تحسين حركة عضلات الحوض، وزيادة التروية الدموية، وهناك أيضًا الرسم والأشغال اليدوية التي تقوي التواصل البصري، وتنمي الإحساس باللون والخطوط والمساحة، وتنمي الوظائف الحركية، أما الرحلات والزيارات الجماعية إلى الأماكن العامة والحدائق ومراكز التسوق، فتساعد الطفل على الاندماج مع الآخرين وتقبل المجتمع.إن التوحد- وإن كان قدرًا- ينبغي ألا يدفعنا إلى الاستسلام له، صحيح أن أسبابه غير معروفة تمامًا، ولكن طرق علاجه متنوعة كي تعطي أملًا أكبر بالشفاء، فطفل التوحد يعاني اضطرابا في النمو يدفعه إلى الوحدة والانعزال وتجاهل البيئة المحيطة وعدم الإبداع، وكل ذلك له علاج يرتكز على جوانب دوائية ونفسية واجتماعية، إلى جانب التدريب والدمج في المجتمع، ولذلك على أهل الطفل تقبل الوضع المؤقت لابنهم، ومن ثم التعاون مع الأطباء والاختصاصيين، وتحقيق شراكة علاجية معهم تضمن إخراج الطفل من حالة الوحدة والانعزال إلى الشراكة والاندماج.