بطليموس الأول يخطو الخطوة الأولى في إنشاء عبادة البطالمة:
ويبدو أن البطالمة كانوا أسبق من غيرهم في إنشاء عبادة إغريقية رسمية في الدولة. وعلى الرغم مما يكتنف إنشاء هذه العبادة من الغموض، فإننا نستطيع أن نتبين بوضوح الخطوات التي أدت إلى قيام هذه العبادة، أما الخطوة الأولى فقد خطاها بطليموس الأول، عندما جعل عبادة الإسكندر دينًا رسميًا إغريقيًا عامًا في مصر، له كاهن مقدوني أو إغريقي يتمتع بمكانة رفيعة، وبعينه الملك كل عام، وتؤرخ باسمه كافة الوثائق في طول البلاد وعرضها، سواء ما كان منها مكتوبًا باللغة الإغريقية أم المصرية.
ونحن نعزو تأريخ الوثائق المصرية بكاهن عبادة الإسكندر الإغريقية إلى مجرد الرغبة ي توحيد نظام تأريخ كافة الوثائق في الدولة الواحدة، ولا نستطيع أن نرى في ذلك دليلاً على أن هذه العبادة كانت عبادة عامة يشترك فيها الإغريق والمصريون على السواء. فقد كانت هذه العبادة إغريقية ولا يوجد دليل واحد على أن المصريين شاركوا في أية عبادة إغريقية، وهم حين عبدوا الإسكندر والبطالمة قد عبدوهم بوصفهم فراعنة وفقًا للمعتقدات والتقاليد المصرية. ويستوقف النظر أنه لم يحدث على الإطلاق أن قرن اسم الإسكندر المؤله بلقب إله على نحو ما قرنت فيما بعد أسماء البطالمة المؤلهين وإنما كان يكتفي بذكر اسمه مجرد، شأنه في ذلك شأن زيوس وغيره من آلهة أوليمبوس. وفي هذا أبلغ دلالة على أن ألوهية الإسكندر كانت أمرًا بديهيًا في نظر الجميع إلى حد أنها لم تكن في حاجة إلى توكيدها بذكر لقب الألوهية أكثر مما كنت ألوهية زيوس أو أبولو في حاجة إلى ذلك.
وإذا كان البعض يعزو إنشاء هذه العبادة الرسمية العامة إلى رغبة بطليموس الأول في توكيد اشتراكه مع الإسكندر في الانحدار من هرقل ليسمو بذلك على منافسيه انتيجونوس وسلوقس، فإننا نرجح أن يكون بطليموس الأول قد أنشأ هذه العبادة ليبرر سلطته المطلقة في نظر رعاياه الإغريق، لأنه باعتباره خليفة الإسكندر في حكم مصر تصبح سلطته بعد تأليه الإسكندر مستمدة من مصدر إلهي، وبذلك يحق له أن يتمتع بالسلطة الشاملة المطلقة في مملكته، أي أن الإسكندر، الذي كان في حياته القلب النابض للإمبراطورية، أصبح بعد مماته الروح الذي تستلهمه العظمة ويستمد منه خلفاؤه المجد والسيطرة، ولا شك في أن هذه الفكرة كانت تدور بخلد بطليموس الأول، عندما نقل جثمان الإسكندر إلى مصر وأمر بأن تشيد له مقبرة، لا في واحة سيوة التي قيل إن الإسكندر كان يريد أن يدفن فيها، وإنما في عاصمة بطليموس الجديدة، الإسكندرية.
إن معلوماتنا طفيفة عن بداية عبادة الإسكندر في مصر، وبينما لا توجد أية إشارة إلى كاهن الإسكندر في أقدم وثيقة وصلت إلينا حتى الآن من عهد البطالمة، وهي ترجع إلى عام 311 ق.م، نجد أن وثيقة بطلمية أخرى من عام 300 ق.م. تشير إلى وجود كاهن تؤرخ الوثائق باسمه، فقد جاء في صدر هذه الوثيقة "في شهر ديوس من السنة الخامسة من عهد بطليموس، عندما كان منلاوس بن لا ما خوس يشغل وظيفة الكاهن"، ولا شك في أن الكاهن المشار إليه في هذه الوثيقة كان كاهن الإسكندر الأكبر، على الرغم من أنه لم يرد لذلك ذكر في الوثيقة، ولعل السبب في ذلك أنه لم توجد هناك عندئذ عبادة أخرى رسمية عامة غير عبادة الإسكندر، ولذلك لم ننشأ الحاجة إلى ذكر اسم المعبود بجانب اسم كاهنة، كما حدث فيما بعد عندما عبد البطالمة أيضًا، ونعرف من وثيقة أخرى أنه كان يوجد في عام 289 ق.م. كاهن تؤرخ الوثائق باسمه، ويجزم المؤرخون بأن الكاهن المذكور في هذه الوثيقة هو كاهن الإسكندر. ونستخلص من هذا إذن أن بطليموس الأول هو الذي أنشأ عبادة الإسكندر في مصر، ويغلب على الظن أن يكون ذلك قد حدث عندما اتخذ بطليموس لقب ملك في عام 305. ويذهب جوجيه إلى أن الإسكندر كان يعبد في مصر إنشاء وظيفة كاهنة، فهو يرى أنه كان يعبد في منف منذ نقل إليها جثمانه في عام 322 إلى أن ثم بناء مقبرته (السيما) في الإسكندرية، وذلك فضلاً عن عبادته في الإسكندرية أيضًا في الوقت نفسه باعتباره مؤسسها. وإذا صح أن الإسكندر كان يعبد في منف قبل إنشاء وظيفة كاهنة، فمن المحتمل أن هذه العبادة كانت الخطوة الأولى في إقامة تلك العبادة الرسمية العامة التي صحب إنشاؤها إقامة كاهن خاص بها. وفي هذه الحالة، يبدو أن منف كانت مقر هذه العبادة الرسمية العامة إلى أن تم بناء السيما في الإسكندرية، ونقل إليها جثمان الإسكندر ومقر عبادته الرسمية العامة، ولا يستبعد أنه عندما نقلت رفات الإسكندر وكاهنه إلى الإسكندرية، أدمجت في بعضهما بعضًا عبادة الإسكندر المحلية باعتباره مؤسس الإسكندرية وعبادته العامة في الدولة، لكنه لا يستبعد أيضًا أن هاتين العبادتين بقيتا منفصلتين، إحداهما خاصة بالإسكندرية والأخرى عامة لكل الإغريق في مصر.
بطليموس الثاني يؤله أباه وأمه بعد مماتهما:
وإذا كان بطليموس الأول يدرك أهمية الديانة في دعم صرح دولته، حتى أنه أنشأ عبادة الإسكندر الأكبر ليستمد منها حق تمتعه بالسلطة الشاملة المطلقة في مملكته، وكذلك أنشأ عبادة الثالوث المقدس، كما سنرى فيما بعد، للتوفيق بين المعتقدات الدينية لدى المصريين والإغريق، فهل فكر هذا الملك في تأليه نفسه وسلالته؟ ليس لدينا ما يثبت أن بطليموس الأول عبد في حياته في مصر عبادة إغريقية رسمية عامة. وتشير كل القرائن إلى أنه لم يفعل أكثر من أنه وضع في مصر سنة تأليه حكامها السابقين بعد مماتهم، فلا عجب أن رفعه بطليموس الثاني إلى مصاف الآلهة، ولا سيما أنه إذا كان الإغريق قد اعتادوا تأليه موتاهم الذين أسسوا المدن الحرة، فإنه لم يوجد ما يحول دون تأليه بطليموس الذي لم يؤسس مدينة فحسب بل مملكة عظيمة، ولم تكن عبادة بطليموس الأول أمرًا مستجدًا، فقد ذكرنا آنفًا أن عصبة الكيكلاد عبدته في حياته عقب الحملة التي قام بها في عام 308 لتحرير تلك العصبة من ربقة أنتيجونوس.وحوالي عام 280 أصدرت تلك العصبة قرارًا فحواء أن أهل العصبة، إزاء فضل بطليموس سوتر عليهم وعلى بقية الإغريق لأنه حرر مدنهم وأعاد إليهم قوانينهم ووطد دعائم دستورهم وخفف عنهم عبء الضرائب، يرون من الحق عليهم، باعتبارهم أول من وضع بطليموس المنقذ في مصاف الآلهة بسبب حسناته العامة ومساعداته الشخصية، أن يشتركوا اشتراكًا قلبيًا في الاحتفال بالعيد الذي أنشيء إذ ذاك في الإسكندرية إجلالا له.
وقد ذكرنا أيضًا أن جزيرة رودس عبدت بطليموس ـ بعد فشل ديمتريوس في الاستيلاء عليها وعقد الصلح معها في عام 304، بسبب ما قدمه لها ملك مصر من المعونة ـ وأقامت له سياجًا مقدسًا مستطيل الشكل يحيط به بهو أعمدة ويعرف باسم البطوليمايون (Ptolerraion). ويحدثنا باوسانياس بأنه في هذه المناسبة خلعت رودس على بطلميوس لقب "المنقذ" الذي عرف به في التاريخ. وهكذا يبين أنه إذا كانت عصبة الكيكلاد أول من رفع بطليموس الأول إلى مصاف الآلهة، فإن رودس هي التي خلعت عليه لقب سوتر، ويحدثنا نقش بأن ثلاثة أغريق وقد نجو من المخاطر التي دهمتهم يعربون عن إجلالهم للملك بطليموس والملكة برينيكي بوصفهما "الإلهين المنقذين".
لقد كان الجديد إذن في أمر عبادة بطليموس هو إنشاؤها رسميًا في مصر عقب وفاته، في عهد بطليموس الثاني، الذي أنشأ كذلك في الإسكندرية حفلاً إغريقيًا يقام كل أربعة أعوام ويعرف باسم البطلوليمايا، إجلالاً لذكرى أبيه المؤله بطليموس المنقذ (سوتر) .
وقد حفظ لنا أثينايوس ما كتبه كاليكسينوس في وصف ذلك الحفل الذي يحتمل أنه أنشيء للمرة الأولى في يونيه أو يوليه عام 279 بمناسبة الذكرى الرابعة لوفاته، ومعنى ذلك أن بطليموس الأول رفع إلى مصاف الآلهة في مصر عقب وفاته مباشرة. ويرى البعض أن المهرجان الذي وصفه كاليكسينوس يرجع إلى عام 275/ 174 أي إلى ثاني مرة أقيم فيها الحفل، بينما يرى أوتو أنه يرجع إلى عام 271 / 270 بمناسبة النصر البطلمي في الحرب السورية. ويميل تارن إلى قرنه بأول مرة أقيم فيها الحفل أي إلى عام 279/278. ويؤيد رأيى تارن النقش الذي عثر عليه منذ عهد قريب في فينيقيا.
وقد أشرك بطليموس الثاني أمه برينيكي مع أبيه المؤله، إذ يحدثنا ثيوكريتوس بأن هذا الملك أقام هياكل عبد فيها بطليموس الأول وبرينيكي، اللذان أصحبا يعرفان باسم الإلهين سوترس، ويحتمل أن هذه الهياكل كانت تتصل بمدفنهما على مقربة من قبر الإسكندر، لكننا لا نعرف متى توفيت برينيسكي، ولا متى أشركت مع زوجها في العبادة، غير أنه إذا كان حفل البطلويمايا قد أنشيء إجلالاً لبطليموس المؤله وحده، فإن هذا ينهض دليلاً على أن برينيسكي كانت لا تزال على قيد الحياة عندما أله بطليموس الأول وأنشيء الحفل.ومن ناحية أخرى تشير عبادة بطليموس وبرينيسكي سويا في المعابد التي أنشئت لهما إلى أنها لا بد من أن تكون قد أشركت مع زوجها في العبادة بمجرد وفاتها.