في تلك الفترة كان الأمير كركود واليا على أنطاليا. وكان قد تعود على أن يشتري في كل سنة مائة من الأسرى الأتراك من فرسان جزيرة رودس، ويعتقهم في سبيل الله. فأرسل في تلك السنة حاجبه إلى رودس. فقام الرودسيون بفرز المائة أسير تركي، وتسليمهم إليه. كانت الاتفاقية تقضي بأن يحمل الأسرى في سفينة رودسية إلى سواحل أنطاليا. فقدر الله تعالى أن تختار السفينة التي كان أروج مقيدا بها لنقل الأسرى. ونظرا لقيمة أروج فإن الرودسيين لم يجعلوه ضمن المائة أسير الذين سيتم الإفراج عنهم.
كان أروج رئيس رجلا خفيف المزاج، متقنا للكثير من اللغات، لاسيما الرومية التي كان يتكلمها بشكل لا مثيل له. وكثيرا ما كان يتبادل أطراف الحديث مع القباطنة الرودسيين الذين يجيئون إلى سفينته وذات يوم قال القباطنة لأروج:
- "أيها التركي: أنت رجل حلو الحديث، خصوصا بلساننا الذي تعرفه جيدا. ما لذي وجدته في الإسلام ؟ تعال ادخل في ديننا وسوف يكون لك شأن كبير بيننا"!!
فأجابهم أروج قائلا:
- "أيها المجانين: كل شخص يروقه دينه. هل يوجد نبي أفضل من النبي محمد فأؤمن به؟".
- "إذن لتبق على حالك، وننظر كيف يخلصك نبيك من أيدينا. والآن لتستمر في الجذف".
يجب أن تحذروا من أروج
قال قسيس السفينة التي قيِّد فيها أروج للقباطنة محذرًا:
- "يجب أن تحذروا مما يقوله أروج، فلا تتحدثوا معه كثيرا. إنه يبدوا متعلما، ويعرف عن الإسلام أكثر مما أعرف عن المسيحية.. إياكم أن تغفلوا، فهو ملحد قادر على إضلالكم جميعا".
رست السفينة الرودسية في مكان موحش قريب من أنطاليا. حيث أُنزل حاجب الأمير كركود، ومعه المائة أسير، فُتركوا هناك. وفي تلك الليلة كانت تهبُّ ريح معاكسة، قرر الرودسيون بسببها انتظار الصباح. ثم قاموا بإنزال قارب السفينة والمضيِّ لصيد السمك. في هذه الأثناء هبَّت عاصفة شديدة لم يتمكن القارب بسببها من الدنوِّ من السفينة. فرسى في مكان بعيد من الساحل. انتهز أروج هذه الفرصة التي لم يكن فيها أحد يستطيع أن يرى فيها الآخر من شدّة الظلام الذي كان مُخيِّما على المكان. فحلَّ قيوده، وألقى بنفسه في البحر قائلا: "بسم الله الرحمن الرحيم". وراح يسبح حتى وصل إلى الساحل بسلام.
سجد شكرا لله، ثم سار حتى وصل إلى قرية تركية. وبينما هو يلتفت يمينا وشمالا باحثا عن شيء يستدل به على مكان وجوده إذا به يجد أمامه عجوزا تركية تقول له:
- "تبدوا كأنك قد جئت من طريق بعيد يا بنيَّ. تعال انزل عندي ضيفا في هذه الليلة".
أخذت العجوز أروج رئيس إلى بيتها، وأحضرت له الطعام، فأطعمته، وسقته، وغيرت له ملابسه. وأمضى عشرة أيام في تلك القرية التي كان أهلها يختصمون على استضافته في كل ليلة.
وأما الرودسيون فإنهم عندما حلَّ الصباح، وجدوا مكان أروج خاليا. فأدركوا أنه قد فرَّ. وعندما يئسوا من العثور على أروج راحوا يتساءلون في حيرة وقلق: "بأي وجه سنعود إلى رودس؟"
رجعوا إلى رودس والحسرة تأكل قلوبهم.وأما قسيس السفينة فقد أعلمهم بأن: "معرفة أروج بالسحر هي التي مكنته من الفرار".
ودَّع أروج العجوز، وغادر القرية. كان يريد الذهاب إلى ميديللي. فوصل إلى أنطاليا خلال ثلاثة أيام. حيث كان هناك رجل مشهور يدعى علي رئيس، يملك سفينة من نوع "قليون". يشتغل بالتجارة بين الإسكندرية و أنطاليا. وقد بلغته شهرة أروج رئيس.رحب بأروج قائلا:
- "أهلا وسهلا بك يا بني، إن السفينة ليست لي، بل هي سفينتك". وبهذا صار أروج قبطانا ثانيا لسفينة علي رئيس.
في هذه الأثناء، يئست من الانتظار في بودروم، فرجعت إلى ميديللي. وعندما وصل أخي إلى الإسكندرية بعث من هناك رسالة إلى ميديللي شرح فيها مغامرته. سررت كثيرا بنجاة أخي، وخلاصه من الأسر.
الحلقة القادمة: أخي يدخل في خدمة سلطان مصر