الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.... وبعد
فقد تناول سعادة الدكتور/ سلطان بن موسى العويضة من جامعة الملك سعود بالرياض موضوعا رائعا تمثل في (العلاقة بين الأفكار العقلانية – اللاعقلانية
ومستويات الصحة النفسية عند عينة من طلبة جامعة عمّان الأهلية).
وفيما يلي عرض جزئي لما جاء في تلك الدراسة...........
ملخـّص
هدفت هذه الدراسة التعرّف إلى كل من نسبة انتشار الأفكار العقلانية – اللاعقلانية، ومستويات الصحة النفسية، وإيجاد العلاقة بينهم لدى عينة متاحة من طلبة جامعة عمّان الأهلية، بلغت (181) طالباً وطالبةً، المسجلين في الفصل الدراسي الثاني من العام الجامعي 2007/2008م.
وللكشف عن الأفكار العقلانية – اللاعقلانية، تم استخدام مقياس الأفكار العقلانية – اللاعقلانية الذي قام بتعريبه وتقنينه للبيئة الأردنية (الريحاني، 1985)، وأما للكشف عن مستويات الصحة النفسية، فقد تم اعتماد مقياس غولدبيرغ وويليام في الصحة العامة (Goldberg & William, 1990) واستخدمته (الجعافرة، 2003).
أظهرت النتائج باستخدام المتوسطات الحسابية، والانحرافات المعيارية وجود ارتفاع في مستوى انتشار الأفكار اللاعقلانية لدى أفراد عينة الدراسة، بلغ أعلى من (5) درجات.
وللكشف عن مستويات الصحة النفسية، أشارت النتائج باستخدام التكرارات، والنسب المئوية إلى سيادة المستوى المتوسط من الصحة النفسية، بلغ (81.2٪)، يليه المستوى المنخفض، بلغ (14.9٪)، وأخيراً المستوى المرتفع، بلغ (3.9٪).
وللكشف عن الفروق في الأفكار اللاعقلانية، تبعاً لمتغيرات الجنس، والجنسية، والتخصص، أظهرت النتائج باستخدام اختبار (ت) عدم وجود فروق دالة إحصائياً في جميع الأفكار اللاعقلانية تعزى لمتغير الجنس، باستثناء الفكرة اللاعقلانية الخامسة، تبين وجود فروق دالة إحصائياً بين الذكور والإناث، بلغت قيمة (ت) (-2.80) عند مستوى الدلالة (α ≤ 0.05 فأقل). كما أشارت النتائج إلى عدم وجود فروق دالة إحصائياً في جميع الأفكار اللاعقلانية تعزى للجنسية، باستثناء الفكرة اللاعقلانية الثانية عشرة، تبين وجود فروق دالة إحصائياً فيها عند مستوى الدلالة (α ≤ 0.05 فأقل) بين الطلبة الأردنيين، وغير الأردنيين. وأظهرت النتائج عدم وجود فروق دالة إحصائياً عند مستوى الدلالة (α ≤ 0.05 فأقل) في جميع الأفكار اللاعقلانية تعزى للتخصص. كما أظهرت النتائج باستخدام اختبار (ت)، عدم وجود فروق دالة إحصائياً في مستويات الصحة النفسية تعزى للجنس، والجنسية، والتخصص.
وأشارت النتائج باستخدام معامل ارتباط بيرسون، وجود علاقة ارتباطية سلبية دالة إحصائياً عند مستوى الدلالة (α ≤ 0.05 فأقل) بين الأفكار اللاعقلانية ومستويات الصحة النفسية، بلغت (-0.38).
وأوصت الدراسة بضرورة العمل على التقليل من نسبة انتشار الأفكار اللاعقلانية لدى الطلبة، وذلك من خلال تفعيل مراكز الإرشاد النفسي في الجامعات، بعقد برامج ودورات تدريبية للوقاية منها وعلاجها.
الكلمات المفتاحية:
• الأفكار العقلانية – اللاعقلانية.
• الصحة النفسية.
مقدمة:
تتكون شخصية الفرد من توليفة متكاملة من المكونات البيولوجية (كالوراثية، والفيسيولوجية)، والنفسية (كالمعرفية، والانفعالية) من ناحية، والمادية – الاجتماعية من ناحية أخرى. وتعد نواتج اقتران هذه المكونات بمثابة محددات للشخصية، تتحكم في طبيعة ومسار تفاعلها مع الوسط المحيط بها، لكي يتم تحقيق مستوى ملائم من التوافق الشخصي والاجتماعي والمهني معاً.
ويُعد المكون المعرفي، وبخاصة نواتج الإدراك، من حيث طبيعة الأفكار والمعتقدات المنبثقة عنه والسائدة لدى الفرد، كالأفكار العقلانية والمنطقية والواقعية الحياتية، وغير العقلانية من جهة، ومستوى الصحة النفسية من جهة أخرى، من المؤشرات الدالة على طبيعة الشخصية، هل هي تكيفية أم غير تكيفية.
وفي هذا السياق، يُنظر إلى طلبة الجامعات باعتبارهم الشريحة الفتية والهامة في تقدم المجتمع، فهم كباقي شرائح المجتمع يتعرضون في سير حياتهم الشخصية والأكاديمية إلى سلسلة من الضغوط المختلفة في نوعها وشدّتها، الأمر الذي يؤدي إلى تباين الفروق بينهم في الاستجابة لها والتعامل معها.
ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى أن الأحداث الضاغطة التي يواجهها طلبة الجامعات ليست بحد ذاتها المسببة للضغوط، بل يُعزى ذلك إلى الفروق في إدراكهم لها، باعتبار ذلك هو المسبب الأساس في حدوثها.
وعليه، يمكن النظر إلى الأحداث الضاغطة باعتبارها معرفية المنشأ، أي يعتمد شعور الطالب الجامعي بقدرته على التحكم بالأحداث الضاغطة على كيفية إدراكه لها، والذي بدوره يؤثر في كل من تقييمه المعرفي لها، وأسلوب التعامل معها.
وهذا يقودنا إلى أن طلبة الجامعات يختلفون في إدراكهم للحدث الضاغط الواحد، الأمر الذي يؤدي إلى تباين النواتج الانفعالية، والأنماط السلوكية لديهم، وأن ظهور الضغوط هي نتاج وجود أنماط تفكير خاطئة لديهم حيال إدراكهم للمواقف والأحداث البيئية، فضلاً عن وجود مستويات متدنية من الصحة النفسية (حسين وحسين، 2006).
وانطلاقاً من الأهمية البالغة لمرحلة التعليم الجامعي، باعتبار مخرجاتها غاية التنمية ووسيلتها معاً، أصبح من الضروري إيلاء أهمية إلى بلورة وتطوير شخصية متكاملة للطالب الجامعي، بحيث تتمتع بوجود مستويات ملائمة ومعتدلة من الأفكار والمعتقدات العقلانية، والصحة النفسية، لكي يتسنى لها القيام بأدوارها المجتمعية بثقة واقتدار لمواكبة مستجدات العصر وتحدياته. وخلافاً لذلك، ستبقى فلسفة التعليم العالي قاصرةً عن تحقيق الأهداف المنشودة.
من هنا، جاءت فكرة الدراسة الحالية للكشف عن مدى انتشار الأفكار العقلانية – اللاعقلانية لدى عينة من طلبة جامعة عمّان الأهلية، والتعرّف إلى مستويات الصحة النفسية لديهم، وإيجاد العلاقة بين هذه المتغيرات، باعتبارها - كما يبدو - وجهين لعملة واحدة.
وعليه، فإذا ما تمكنت الدراسة الحالية من الكشف عن هذه المتغيرات، وإيجاد العلاقة بينها، فإن ذلك – بحسب رأي الباحث – يُعطي مؤشراً على تحديد مسار برامج إعداد الطلبة الجامعيين، الأمر الذي يساهم نظرياً وتطبيقياً في خدمة المجتمع عامةً، ومؤسسات التعليم العالي خاصةً، بما ينسجم مع متطلبات العصر، وذلك بهدف إعداد جيل من الشباب الجامعي يتمتع بمستويات معتدلة من الصحة النفسية، ونظام الاعتقادات العقلانية، لكي يتسنى لهم الدخول إلى أسواق العمل لتأدية أدوارهم المجتمعية بفاعلية.
الإطار النظري:
يتناول هذا البند وصفاً لمتغيرات الدراسة وتفسيراً لها، حيث يحاول الباحث وصف مفهوم الأفكار العقلانية واللاعقلانية وتفسيره أولاً، يليه وصف مفهوم الصحة النفسية وتفسيره ثانياً.
أولاً: وصف مفهوم الأفكار العقلانية – اللاعقلانية وتفسيره:
يُعد هذا المفهوم من المفاهيم التي أثارت جدلاً ونقاشاً مُوسعاً بين جمهور المفكرين، والفلاسفة، وعلماء النفس، حيث يُعد من المفاهيم التي لها عمر طويل جداً، ويعود بجذوره إلى آراء الفلاسفة في الحضارة اليونانية القديمة، لكنه كمفهوم علمي له تاريخ قصير جداً، إذ يُعد ألبرت إليس (Albert Ellis) من أوائل الذين أدخلوه إلى التراث السيكولوجي، وأصبح له معنى ودلالة علمية. وقد وصف إليس هذا المفهوم وفسّره باعتباره أحد المكونات الأساسية للشخصية، حيث ظهر هذا الوصف بجلاء في نظريته التي أسماها "نظرية العلاج العقلاني الانفعالي السلوكي" (Ellis, 1994).
وتعبر هذه النظرية عن طريقة إرشادية، تهدف إلى مساعدة الفرد في تعديل أفكاره اللاعقلانية المسببة للاضطرابات الانفعالية لديه إلى أفكار عقلانية تحقق له مستوىً مناسباً من الصحة النفسية (Ellis, 1994).
وفي هذا السياق حدّد إليس (Ellis) الأساس المعرفي للسلوك في معادلة تدعى (ABC)، حيث يقوم العلاج العقلاني الانفعالي السلوكي على إقناع الفرد بأن النتائج الانفعالية غير المرغوبة (Emotional Consequence) ليست نتيجة حتمية للحدث (ACT)، بل نتاج الأفكار أو الاعتقادات الخاطئة التي يتبناها الفرد (Beliefs)، وتظهر من خلال خبرة أو حدث وتتحول إلى نظام أفكار أو المعتقدات ثم تتحول إلى نتائج انفعالية غير مرغوبة
فالحادث أو الخبرة (A) هو السبب ظاهرياً في الانفعالات (C)، ولكن وفقاً لهذه النظرية فإن نظام الأفكار أو الاعتقادات هو همزة وصل بين (A) و(C)، أي أنه المسؤول عن الانفعالات وليس الحدث أو الخبرة.
ويستطيع الفرد خفض اضطرابه الانفعالي عن طريق توسيع النموذج (ABC) بحيث يصبح (ABCDE)، أي للتخلص من النتيجة الانفعالية غير السارة، يتطلب دحض وتفنيد (D) نظام الاعتقادات اللاعقلانية وصولاً إلى الأثر المرغوب (E) من الانفعالات السارة (Crammer & Kupshik, 1993).
لقد وردت تعريفات عديدة لمفهوم الأفكار العقلانية واللاعقلانية، كان من أبسطها ما أورده كل من إليس وهاربر، بأن العقلانية هي أي شيء يؤدي بالأفراد إلى السعادة والبقاء، بينما اللاعقلانية هي أي شيء يعيق السعادة والبقاء للأفراد (Daly & Others, 1983).
ويُشير إليس إلى أن نسق الاعتقادات لدى الفرد يتكون من جزأين، وهما: الأفكار العقلانية، والأفكار اللاعقلانية. وتتصف الأفكار العقلانية بجملة من الخصائص، من بينها، أنها: أفكار منطقية، وواقعية، وحياتية، أي متسقة مع الواقع، وتساعد الفرد على تحقيق أهدافه والتوافق النفسي، والتحرر من الاضطرابات الانفعالية، وتؤدي بالفرد إلى الإبداع والإيجابية والتفاعل الاجتماعي مع الآخرين، كما أنها ليست أفكاراً مطلقةً، فضلاً عن أنها تزيد من مشاعر المتعة والسعادة، ويصبح تحقيق الأهداف أسهل منالاً. أما النسق الثاني من الاعتقادات، فهو على النقيض في خصائصه من النسق الأول، حيث إن الأفكار اللاعقلانية هي المسؤولة عن إحداث الاضطرابات الانفعالية، والسبب في معظم الأعراض المرتبطة بالضغوط لدى الفرد، كما أنها تسيطر على تفكيره وتوجه سلوكه، فضلاً عن أنها أفكار غير واقعية، وغير منطقية، وغير إمبريقية، وغير مرنة، ودوغماتية في طبيعتها، ومطلقة، وغير ملائمة، وتؤدي إلى نتائج انفعالية غير سارة، ويُعبر عنها الفرد لفظياً في شكل الينبغيات، والوجوبيات (Shoulds, Musts)، مثل (يجب أن، ينبغي أن، من الضروري أن...)، وتؤدي إلى هزيمة الذات، وغالباً ما تكون نتاج الخصائص الفطرية وعملية التعلم (Gillilan, et al., 1984).
ويشير باترسون (Patterson) إلى أن نظرية إليس تقوم على مجموعة من الافتراضات، وهي:
1- العقلانية – اللاعقلانية لها أساس ولادي، أي أن الفرد يُولد ولديه استعداد لأن يكون عقلانياً ممثلاً لذاته، أو لاعقلانياً في سلوكه وهازماً لذاته. فالفرد عندما يفكر ويسلك بطريقة عقلانية، فإنه يصبح ذا فاعلية ويشعر بالسعادة والكفاءة.
2- وجود علاقة تكاملية بين الإدراك والتفكير والانفعال والسلوك، ولكي نفهم السلوك المدمر للذات، يتطلب فهم كيفية إدراك الفرد وتفكيره، وانفعاله، وسلوكه، فما الاضطرابات النفسية إلا نتاج التفكير اللاعقلاني.
3- التفكير اللاعقلاني من حيث المنشأ يعود بجذوره إلى التعلم المبكر غير المنطقي، والذي يكتسبه الفرد من أطراف عملية التنشئة الاجتماعية.
4- الإنسان هو كائن عاقل، ومدرك، ومفكر، ومنفعل، وناطق. فالتفكير واللغة متلازمان، حيث يتم التفكير من خلال استخدام الرموز اللفظية، وطالما أن التفكير يصاحب الانفعال والاضطراب الانفعالي، لذا يستمر الاضطراب الانفعالي لاستمرار التفكير اللاعقلاني. وهذا ما يُميز الشخص المضطرب بأنه يحتفظ بسلوكه غير المنطقي بسبب الحديث الداخلي أو الذاتي الذي يتكون عادةً من تفكير لاعقلاني.
5- استمرار الاضطراب الانفعالي الناتج عن الألفاظ الذاتية لا تتقرر فقط بالظروف والأحداث الخارجية فحسب، بل ويتأثر بإدراكات الفرد وتفكيره واتجاهاته نحو هذه الأحداث المسببة لهذا الاضطراب.
6- ينبغي مهاجمة الأفكار والانفعالات السلبية المدمرة للذات عن طريق إعادة تنظيم المعتقدات والاتجاهات التي يتبناها الفرد نحو تلك الأحداث بدرجة يصبح معها الفرد منطقياً وعقلانياً (Patterson, 1980).
ومن خلال الدراسات التي قام بها إليس للأفكار اللاعقلانية، فقد تمكن من تمثيلها في إحدى عشرة فكرةً أو قيمةً ليست ذات معنى اعتُبرت حسب نظريته أفكاراً لاعقلانيةً، وخرافية، وشائعة الانتشار في الثقافة الغربية، وتؤدي إلى الاضطراب النفسي، وهذه الأفكار هي:
1- الفكرة الأولى: (من الضروري أن يكون الشخص محبوباً ومقبولاً اجتماعياً من المحيطين به).
هذه الفكرة لاعقلانية لأنها:
أ- هدف لا يمكن تحقيقه، وذلك لأن إرضاء الناس غاية لا تدرك.
ب- إذا سعى الفرد لتحقيق هذه الغاية، فإنه سيفقد استقلاله الذاتي، ويصبح أكثر عرضةً للإحباط وأقل شعوراً بالأمن.
من الطبيعي وجود رغبة لدى الفرد لأن يكون محبوباً، ولكن الفرد العاقل لا يضحي باهتماماته ورغباته بهدف تحقيق هذه الغاية.
2- الفكرة الثانية: (يجب أن يكون الفرد على درجة كبيرة من الكفاية والمنافسة والإنجاز لدرجة الكمال حتى يكون ذا أهمية وقيمة).
هذه الفكرة لاعقلانية لأنها:
أ- صعبة التحقيق، واندفاع الفرد لتحقيقها، يؤدي إلى إجهاده وظهور الاضطرابات السيكوسوماتية لديه.
ب- تؤدي إلى فقدان الثقة بالنفس، والشعور بكل من العجز والنقص لدى الفرد، والشعور بالخوف الدائم من الفشل، والذي يترتب عليه حرمانه من التمتع بحياته.
أما الشخص العقلاني، فهو يحاول الإنجاز في حدود إمكاناته، ويستمتع بنشاطه وحياته.
3- الفكرة الثالثة: (بعض الناس يتصفون بالشر والنذالة والخسة والجبن، لذا يجب تأنيبهم ولومهم ومعاقبتهم).
هذه الفكرة لاعقلانية لأن:
أ- الإنسان غير معصوم من الخطأ.
ب- عدم وجود معيار مطلق للصواب والخطأ.
ج- الإنسان عرضة لارتكاب الخطأ نتيجة لغبائه أو جهله بهذا الخطأ، أو لكونه مضطرباً نفسياً.
د- ليس بالضرورة أن يؤدي اللوم والعقاب والعنف إلى التحسن، بل قد يؤدي إلى سلوك أسوأ أو إلى اضطراب انفعالي.
فالشخص العقلاني لا يكون همه لوم نفسه ولوم الآخرين، فإذا أخطأ اعترف بخطئه وعمل على تصويبه، وإذا أخطأ الآخرون عمل على إفهامهم وتوجيههم، كما لا يعد خطؤه أو أخطاء الآخرين كارثة، ولا ضرورة لمواجهتها بالعقاب الصارم أو اللوم.
4- الفكرة الرابعة: (إنه لمصيبة فادحة أن تسير الأمور على عكس ما يريد الفرد).
هذه فكرة لاعقلانية، وذلك لأن:
أ- ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
ب- لا ولن يغير الحزن والهم من الموقف الحاصل شيئاً، بل قد يزيده سوءاً أحياناً.
ج- الأحداث لا ولن تختلف عما هي عليه في واقع أمرها.
د- إذا لم يتمكن الفرد من تغيير الموقف، فإنه يتطلب منه تقبله.
هـ- قد يُثير الحدث اضطراب الفرد، لكنه يجب أن لا يصل إلى حد الكارثة، إلا إذا نظر إليه وفسّره على هذا النحو.
إن الشخص العقلاني لا يبالغ في تفسير نتائج الأحداث غير السارة، بل يسعى لتحسينها والتقليل من أضرارها بقدر استطاعته، وإذا لم يتمكن من ذلك فإنه يتقبلها.
5- الفكرة الخامسة: (تظهر التعاسة عند الفرد بفعل العوامل الخارجية، والتي ليس بمقدوره السيطرة عليها).
هذه الفكرة لاعقلانية، وذلك لأن:
أ- النظر إلى العوامل الخارجية باعتبارها ضارةً ومدمرةً، قد لا يكون كذلك، نظراً لأن ذلك يعتمد على تأثر الفرد بها وتفسيره لها، واتجاهاته نحوها، الأمر الذي يسبب له الاضطراب الانفعالي ويجعله يعمل على تهويل وتضخيم نتائج الأحداث الخارجية.
فالشخص العقلاني يدرك تماما بأن التعاسة أو السعادة ذاتية أو داخلية المنشأ، فقد تضايقه الأحداث الخارجية، لكنه يدرك أن بإمكانه تغيير نظرته واتجاهاته نحوها.
6- الفكرة السادسة: (تستدعي الأشياء الخطيرة أو المخيفة ظهور الهم الكبير والانشغال الدائم في التفكير، وينبغي أن يتوقع الفرد احتمال حدوثها دائماً، وأن يكون على أهبة الاستعداد لمواجهتها والتعامل معها).
هذه الفكرة لاعقلانية؛ لأن توقع حدوث الكوارث يسبب الهم، وانشغال البال، والقلق، وبالتالي يؤدي إلى أنه:
أ- يحول دون التقويم الموضوعي لاحتمال وقوع الأحداث الخطيرة.
ب- يجعل التعامل مع الأحداث ومواجهتها إذا وقعت غير فاعل.
ج- قد يؤدي هذا الأسلوب في التفكير إلى وقوع الحادث.
د- لا يحول التفكير اللاعقلاني دون وقوع الأحداث إذا كان لا بد من حدوثها.
هـ- يجعل الأحداث ونتائجها تبدو أكبر من حجمها الحقيقي أو أنها أكثر خطورةً مما هي عليه في الواقع.
إن الشخص العقلاني يدرك أن الهم والقلق لا يمنع وقوع الأحداث الخطيرة، بل قد يزيد من شدة وقعها على نفسه، مما يجعل القلق أكثر تأثيراً من الأحداث نفسها، ويدرك أن عليه تشجيع نفسه وتدريبها على مواجهة الأحداث التي يعتقد أنها مخيفة.
7- الفكرة السابعة: (من الأسهل أن نتجنب بعض الصعوبات والمسؤوليات بدلاً من أن نواجهها).
هذه فكرة لاعقلانية، وذلك لما يلي:
أ- الهروب من المشكلات وعدم حلها قد يؤدي إلى تراكمها أو إلى نتائج غير مرغوبة.
ب- الهروب من تحمّل المسؤوليات أكثر إيلاماً للنفس من إنجازها.
ج- الهروب من تحمّل المسؤوليات يُشعر الفرد بعدم الرضا ويفقده ثقته بنفسه.
د- تجنب إنجاز المسؤوليات يؤدي إلى ظهور مشكلات عديدة.
هـ- الحياة السعيدة ليست بالضرورة أن تكون سهلة.
إن الشخص العقلاني يؤدي مسؤولياته دون تذمر، ويتجنب الأشياء المؤلمة غير الضرورية، وإذا أهمل القيام ببعض مسؤولياته، فإنه يقوم بتحليل الأسباب موضوعياً، ويعمل على تنبيه نفسه وتوجيهها، ويجد متعة الحياة في تحمّل مسؤولياتها وحل مشكلاتها.
8- الفكرة الثامنة: (يجب أن يعتمد الشخص على الآخرين، ويجب أن يكون هناك من هو أقوى منه لكي يعتمد عليه).
هذه فكرة لاعقلانية، لأنه بينما نحن جميعاً نعتمد على بعضنا البعض، إلا أنه ليس سبباً للمبالغة في الاعتمادية، لأنها تؤدي إلى الأضرار الآتية:
أ- مزيد من الاعتمادية.
ب- الفشل في التعلم.
ج- فقدان الحرية والاستقلال.
د- فقدان تحقيق الذات.
هـ- فقدان الأمان، وذلك لأن الفرد يصبح تحت رحمة من يعتمد عليه.
فالشخص العقلاني يعمل لكي يكون مستقلاً ومحققاً لذاته، كما أنه لا يرفض المساعدة إذا احتاج إليها، ويطلبها إذا اضطر لذلك، ويعلم نفسه المجازفة في بعض الأمور إذا كانت تستحق ذلك.
9- الفكرة التاسعة: (تقرر الخبرات والأحداث الماضية السلوك الحاضر، ولا يمكن تجاهل أو محو تأثير الماضي).
هذه الفكرة لاعقلانية؛ لأنه:
أ- ليست العبرة في الأحداث الماضية، بل العبرة في فهم وإدراك الفرد لها.
ب- حلول الماضي قد لا تصلح للوقت الحاضر وتناسبه، وذلك لأنها انطلقت من حيثيات قد لا تكون موجودة حالياً.
ج- السلوك الذي كان يعد ضرورياً في الماضي تحت ظروف معينة، قد لا يكون ضرورياً في الحاضر.
د- يمكن للفرد أن يتعلم من تجاربه في الماضي، ولكن ليس بالضرورة الانقياد وراءها قسرياً.
هـ- قد يصعب ما تعلمه الفرد في الماضي، لكنه ليس مستحيلاً. إنّ الشخص العقلاني يدرك بأن الماضي مهم، وأن الحاضر يمكن تغييره عن طريق تحليل ما اكتسبه من الماضي من أفكار لاعقلانية والتي تجعل سلوكه الحالي على هذا النحو.
10- الفكرة العاشرة: (ينبغي أن يحزن الفرد لما يصيب الآخرين من اضطرابات ومشكلات).
هذه الفكرة لاعقلانية؛ لما يلي:
أ- قد يؤدي اهتمام الفرد بمشكلات الآخرين بدرجة كبيرة إلى إهمال مشكلاته، لذلك ليس بالضرورة أن تكون مشكلات الآخرين مصدراً للهم الدائم لدى الفرد، ولو كان سلوك الآخرين يؤثر فيه فإن تفسيره لهذا التأثير هو الذي يقلقه ويحزنه.
ب- مهما كان حزن الفرد لما يصيب الآخرين من مشكلات، فإنه قد لا يُخفف من معاناتهم.
فالشخص العقلاني يدرك تماماً متى يساعد الآخرين، وكيف يساعدهم، وإذا لم يتمكن من ذلك، فإنه يعرف كيف يتقبل الموقف وكيف يقلل من نتائجه السلبية.
11- الفكرة الحادية عشرة: (هناك دائماً حل كامل وصحيح يجب التوصل إليه لكل مشكلة، وإلا ستكون النتائج خطيرة).
هذه الفكرة لاعقلانية؛ وذلك لما يلي:
أ- عدم وجود حل كامل وصحيح ووحيد لكل مشكلة.
ب- الإصرار على التوصل إلى هذا الحل الكامل والصحيح قد يؤدي إلى الإخفاق أو الوصول إلى حلول أضعف مما يمكن.
ج- البحث عن مثل هذه الحلول قد يسبب القلق والخوف لدى الفرد إذا لم يصل إليها.
أما الشخص العقلاني فيسعى إلى إيجاد حلول كثيرة ومتنوعة للمشكلة، ثم يختار الأنسب والأفضل والأكثر قابلية للتطبيق، كما يدرك تماماً بعدم وجود حلول كاملة وصحيحة مطلقة (Ellis, 1994; Guez & Allen, 1999).
وقد تمكن الريحاني (1985) إلى التوصل في دراسته لتطوير اختبار الأفكار العقلانية – اللاعقلانية إلى إضافة فكرتين إلى أفكار إليس المذكورة آنفاً، وشائعة في المجتمع الأردني، وهما:
1- ينبغي أن يتسم الشخص بالرسمية والجدية في التعامل مع الآخرين حتى يكون له قيمة أو مكانة محترمة بين الناس.
2- لا شك في أن مكانة الرجل هي الأهم فيما يتعلق بعلاقته مع المرأة.
وقد أورد إليس تصنيفاً آخر للأفكار اللاعقلانية، تضمن أربعة محاور رئيسة، وهي:
1- طلب شيء ما غير واقعي من العالم، أو الآخرين، أو من نفسك.
2- المبالغة والتهويل في الأشياء التي تكرهها.
3- عدم القدرة على تحمل الأشياء التي تكرهها.
4- إدانة العالم والآخرين ونفسك (Guez & Allen, 1999).
كما أورد والين وآخرون (Wallen & Others, 1992) تصنيفاً شبيهاً لتصنيف إليس للأفكار اللاعقلانية، صنّفها إلى أربعة مجالات رئيسة هي:
1- المطالب غير الواقعية.
2- المبالغة في البغض.
3- التحمل المنخفض للإحباط.
4- التقدير المنخفض للعالم وللذات.
أما برنارد وكرونان (Bernard & Cronan, 1999)، فقد صنّفا الأفكار اللاعقلانية إلى أربعة مجالات رئيسة هي:
1- تحقير الذات.
2- عدم التسامح تجاه القوانين المحبطة.
3- عدم التسامح مع إحباطات العمل.
4- المطالبة بالعدالة.
وقد وردت فكرة ثانية عشرة في بعض المراجع مثل (إبراهيم، 1994)، وهذه الفكرة تنص على أن: (السعادة البشرية والنجاح أشياء يمكن الوصول إليها دون جهد).
وتفيد الأفكار اللاعقلانية في تفسير اضطرابات الشخصية، وبهذا الصدد يقول إليس: "إنك لست أسير تجاربك الماضية، وتستطيع هنا، والآن أن تغير ما تفكر به، ولهذا فإن ما تشعر به أنت هو ما تفكر به" (Ellis, 1988).
وبعد هذا الاستعراض الموجز في وصف مفهوم الأفكار العقلانية – اللاعقلانية وتفسيرها، يمكن القول بأنها دالة لعدد من متغيرات شخصية الفرد، منها: مستويات الصحة النفسية، حيث يبدو أن هذه المتغيرات تعبّر عن بعضها بعضاً، وفيما يأتي استعراض موجز لوصف مفهوم الصحة النفسية وتفسيره.