الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ... وبعد
ففيما يلي عرض جزئي لدراسة الدكتورة نادرة عموري والتي حملت عنوان (دراسة جسدية الشكل ـ السوماتوفورمية) دراسة مقارنة بين الأسوياء ومرضى الضغط الأساسي في سمات الشخصية).
والدعوات للجميع بالتوفيق
مشكلة الدراسة
تشير الدراسات الطبية و السوماتوفورمية إلى أن جميع حالات ارتفاع الضغط الدموي، وخاصة حالات ارتفاع ضغط الدم الأساسي ترجع إلى عوامل نفسية عصابية (غير عضوية)، وهذه العوامل تؤدي إلى ارتفاع عارض أو مزمن لضغط الدم، وقد لاحظ الأطباء أن الغضب الشديد، وحالات القلق قد تؤدي إلى ارتفاع مستمر في ضغط الدم، واستمرار ارتفاع ضغط الدم يتعب الأوعية الدموية وربما يؤدي ذلك إلى نزيف في المخ أو شلل أو إجهاد زائد على القلب، وبالتالي تضخم القلب وإعياء جسدي وفكري، ويصاحب عادة ارتفاع ضغط الدم الأساسي اضطراب في نظم القلب أو ارتفاع في التوتر الشرياني. وتشير الدراسات الشخصية إلى أن المصاب بارتفاع ضغط الدم الأساسي لا يستطيع تجنب الشدائد، وهو شخص شديد الانضباط والمثابرة ودائم التطلع إلى النجاح والإنجاز ويسعى عادة إلى أهداف طويلة الأمد ويميل إلى التنافس والهجوم وكثيرا ما يشعر بإلحاح الزمن عليه، ومن هذا المنطلق كثرت المفاهيم والآراء التي تفسر نوعية وطبيعة المشكلات المحددة للاضطرابات السوماتوفورمية ومن أبرزها الشخصية المحددة للمرض (الزراد، 2000 ص 288).
ومشكلة الاضطرابات السوماتوفورمية تفاقمت خطورتها بازدياد ضغوط الحياة العصرية الحديثة ، وأصبح الإنسان في الوقت الحاضر يواجه أزمات معقدة ترتبط بتوفير متطلبات حياته وحياة أسرته من مأكل ومشرب ومسكن وأمن وعلاج، مما ساعد ذلك على ظهور الكثير من الأمراض النفسية والعقلية على الرغم من التقدم الهائل الذي وصلت إليه العلوم الطبية في مكافحة الأمراض الجسدية، والاضطرابات السوماتوفورمية باتت تشكل خطرا كبيرا على الصحة النفسية والجسدية لأفراد المجتمع (ياسين، 1986 ص 140).
ومن هذا المنطلق فإن مشكلة الاضطرابات السوماتوفورمية هي في الواقع مشكلة منتشرة بكل المجتمعات الإنسانية إلا أن نسبة انتشارها قد تختلف من مجتمع لآخر تبعا لظروف كل مجتمع، ولو ألقينا نظرة على أوضاع المجتمعات العربية نجد أن الأمر قد لا يختلف كثيرا خاصة إذا ما عرفنا أن كافة البلاد العربية قد تعرضت في الخمس عقود الماضية وما زالت تتعرض في الوقت الحاضر لنفس الهموم والأزمات والضغوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتغيرات البيئية ، ففي الدراسات التي أجراها أبو النيل في مصر عن الأمراض السوماتوفورمية، أشار فيها إلى أن بعض كبار الأطباء في مدينة القاهرة يقدرون نسبة انتشار هذه الاضطرابات بنسبة 50% من بين مرضاهم، وهي في التقدير الإحصائي في أوروبا وأمريكا لا تقل عن هذا الرقم إن لم تتجاوزه (أبو النيل، زيور ، 1984 ص 25).
وستتناول الباحثة مرض ارتفاع ضغط الدم الأساسي ليكون موضوع الدراسة الحالية على نطاق المجتمع الأردني، حيث ثبت من دراسات عديدة أن المصابين بهذا الضغط يعانون من عداء مكبوت من الطفولة، يعتبر مصدرا لقلق لا شعوري مزمن، ونظرا إلى أنهم لا يمارسون أي حيلة لا شعورية للتخلص من نزعات العدوان المكبوت، فإنهم يكبتون تلك النوازع دون أن يعبروا عنها تعبيرا صريحا، ولذلك تظل الأوعية الدموية في حالة من التوتر المستمر وينجم عن ذلك زيادة ضغط الدم نتيجة القلق المزمن (غالي، أبو علام، 1977 ص 509). وترتبط كذلك حالات ضغط الدم الأساسي بحالات الغضب المكتوم دون حل، وبالرغبة في العدوان مع الشعور بالعجز، وحالات الغضب والكراهية قد تستمر وتقلق حياة الفرد بالتوتر والضيق والمعاناة، ويترتب على ذلك في النهاية استمرار تعرض جدران الأوعية الدموية لهذا الضغط، وتصبح كل الأدلة على علامات ضغط الدم واضحة دون أن يكون لها طبيا وتشريحيا ما يبررها، ومع ذلك تعبر عن نفسها تماما في ارتفاع زئبق مقياس ضغط الدم (Harold et al, 1980, p. 1097)، من ناحية أخرى أجريت دراسات لحالات ضغط الدم والسمات الشخصية والانفعالية، ففي دراسة لشبيرو وآخرين (Spiro et al 1995) للسمات الشخصية والثبات الانفعالي وتطور مرض الضغط، ودعمت نتائج الدراسة القول بأن سمات الشخصية تؤخذ كمنبئ لتطور وحدوث مرض الضغط، وفي دراسة عن العدوانية في مرحلة الشباب وفيما إذا كانت تنبئ كعامل مخاطرة لأمراض الشرايين في منتصف الحياة، توصلت الدراسة إلى أن الأشخاص الذين كانت درجاتهم على العدوانية عالية ارتبطت بحدوث الضغط كعامل مخاطرة. وتمت كذلك دراسات عن نمط (أ و ب) السلوكي، منها دراسة باجز (Bages,1995) عن العلاقة بين نمط (أ) السلوكي وردود الفعل القلبية والشريانية في ظروف العمل الطبيعية، وبينت نتائج الدراسة أن 58% من العينة صنفوا تبع نمط (أ) السلوكي، كما أن هناك اختلافا دالا في تاريخ الشخصية وارتفاع ضغط الدم بين نمط (أ) ونمط (ب)، وكون الشخص يتبع نمط (أ) هذا يضعه ضمن مخاطرة عالية. وفي دراسة لميلر وآخرين ( Miller et al., 1979 ) تناولت عوامل (سمات) الشخصية عند مرضى ارتفاع الضغط، والهدف منها وصف أنماط الشخصية الخاصة بمرض الضغط. وحللت نتائج الدراسة إحصائيا من حيث الجنس والعمر والعرق. فمن حيث الجنس، في المجموعة الضابطة أظهرت الدراسة أن هناك فروقا بين الذكور والإناث، حيث وجد أن الذكور أكثر تعاليا وعدوانية وواقعية وجدية، وأكثر تصلبا وثقة بأنفسهم، بالإضافة إلى أنهم عمليون بطبيعتهم ومتحررون في تفكيرهم، وأكثر صراحة من الإناث اللواتي أظهرت الدراسة أنهن أكثر هدوءا وسرورا وتفاؤلا وليونة وحساسية، كما أنهن أيضا أكثر تحفظا وتقليدية في أفكارهن، وأكثر عاطفية ومكرا وتهذيبا، وهذه السمات الشخصية هي المتعارف عليها تقليديا. أما في المجموعة المرضية لقد بينت الدراسة أن السمات المميزة للذكور عن الإناث في العينة الضابطة هي نفسها، مضافا إليها أن تفكير الإناث واقعي وأكثر حساسية وخجولات ورصينات ومتزمتات وضميرهن حي، بينما الذكور تتميز شخصيتهم بالسمات التالية: الطمأنينة، الثقة بالنفس، الاكتفاء الذاتي، رباطة الجأش والاسترخاء، مقارنة بالإناث في العينة الضابطة والمرضية. أما من حيث العمر فقد أظهرت نتائج الدراسة أن المجموعات الصغيرة بالسن تميزت بالسمات الشخصية التالية: أكثر تعالياً وعدوانية وحب المغامرة إلى حد ما وميول شبه ثابتة في تصور الواقع، كما اتسمت أيضا بالتواضع والدهاء والجدية والقهرية، وهذه السمات تتلاشى تدريجيا حتى سن (63) فما فوق وبعد ذلك لا توجد فروق بين العينة الضابطة والمرضية.
وبالمقارنة من حيث العرق فإن العينة السوداء مقارنة بالعينة الضابطة كانت أكثر جدية وواقعية وتواضعا، وذات طباع سهلة في نمط الشخصية، بالإضافة إلى أنهم أكثر مكرا وتهذيبا وانضباطا. وعند مقارنة العينة المرضية والضابطة بشكل عام، وجد أن سمات الشخصية للمجموعة المرضية تميزت بالتزمت والانقياد والإحباط والإثارة، وأن المفحوصين في مجموعة الضغط المرتفع أظهروا أنماطا ثابتة من السمات التي تقود الشخص إلى أن يستنتج أنهم مشغولون بالتفكير الجامد وسهولة الاستثارة والتواضع والطباع السهلة والواقعية والجدية والضمير الحي، وفي أوقات مختلفة كانوا يشعرون بالتوتر والإحباط. وفي الدراسة التي أجراها سوليفان وآخرون ( Sullivan et al., 1981 ) عن القلق والغضب والمزاج عصبي المنشأ عند الراحة والضغط النفسي عند مرضى الضغط الأولي، كان الهدف منها دراسة العلاقة بين ضغط الدم في وقت الراحة والمزاج عصبي المنشأ عند المرضى الذين يعانون من ضغط أولي، وردة الفعل خلال التوتر الجسدي والذهني ضمن إطار الرسم البياني للصفحة النفسية للغضب والقلق والاكتئاب. ولإجراء المقارنة بين العينة الضابطة والمرضية استخدم اختبار (ت) لدلالة الفروق و كا2. وتوصلت الدراسة إلى أن هناك ملامح لزيادة الضغط الداخلي وسمات القلق والاكتئاب عند العينة المرضية أكثر منها عند العينة الضابطة. كما أجرى ليكيتسوس وآخرون(Lyketsos et al, 1982) دراسة عن الخصائص النفسية على ثلاث مجموعات تضمنت المجموعة الأولى عينة من مرضى الضغط والقرحة، والثانية عينة من مرضى غير سيكوفورماتيين، والمجموعة الثالثة من الأسوياء. وكان الهدف من الدراسة إجراء مقارنة بين المجموعات الثلاث في سمات الشخصية وحالة وسمة القلق والاكتئاب. يتبين من نتائج الدراسة بشكل عام أن مجموعة الضغط والقرحة كانت درجاتها عالية على مقياس القلق مقارنة بدرجات المجموعة المرضية غير السومافورماتية والمجموعة السوية، ولكن تميزت مجموعة الضغط بالاكتئاب أكثر من مجموعة القرحة والمجموعة غير السوماتوفورمية. أما كولهو وآخرون فقد أجروا دراسة ( Coelho et al., 1989 ) عن ارتفاع الضغط الأساسي تناولت العلاقة بين العوامل النفسية وشدة مرض الضغط، وكان الهدف من الدراسة محاولة الإجابة على التساؤلين التاليين:
- هل هناك اختلاف بين مرضى الضغط والأسوياء في سمات الشخصية أو الحالة النفسية؟
- هل أي من هذه الاختلافات يتعلق بشدة المرض؟
وأوضحت نتائج الدراسة أن هناك فروقا ذات دلالة إحصائية بين مرضى الضغط والأسوياء، فكان مرضى الضغط على مستوى عال من العصابية والقلق والاكتئاب، وكذلك كانت نتائجهم على قائمة الأعراض 90 مرتفعة. كما أجرى بيريني وآخرون ( Berini et al., 1991 ) دراسة أخرى عن مدى مساهمة العدوانية المكبوتة في تطور مرض الضغط الأساسي، وكان الهدف منها دراسة العوامل النفسية باستخدام اختبارات نفسية مقننة ومقاييس جسدية (Somatic Majering) . وأظهر التحليل الإحصائي أهمية دور الميكانزمات السوماتوفورمية بالتطور المبكر لارتفاع الضغط، وأكدت الدراسة أيضا أن العدوانية المكبوتة هي أكثر العوامل النفسية مساهمة في تطور مرض الضغط، كما أن العدوان المكبوت وبدرجة أقل القلق ظهرا كمنبئين مستقلين لزيادة ضغط الدم الانقباضي عند الأسوياء الصغار ومرضى الضغط الحدي. وفي الدراسة التي أجراها روستروب واكيبيرج (Rostrup and Ekeberg, 1992) عن المعرفة بارتفاع ضغط الدم ومدى تأثيرها على الاستجابات السوماتوفورمية السمبثاوية، والهدف منها معرفة مدى تأثير الدراية بارتفاع ضغط الدم على العوامل النفسية. وهل هناك ارتباط مع الاستجابات السمبثاوية والنفسية؟ توصلت الدراسة إلى أن المعرفة بارتفاع ضغط الدم يمكن أن يكون لها تأثير على كلا المتغيرات النفسية والفسيولوجية، كما أن المعرفة بارتفاع ضغط الدم تؤثر وبشكل رئيسي على المظاهر السلوكية والاستجابات السمبثاوية، وكذلك على الاختبارات النفسية. أما جونسون وأربور (Johnson and Arbor, 1989) فقد أجريا دراسة تتعلق بدور الخبرة في التعبير عن الغضب والقلق في ارتفاع ضغط الدم عند الشباب السود والبيض، وتهدف هذه الدراسة إلى معرفة الفروق بين الشباب السود والبيض في الخبرة عن التعبير عن الغضب والقلق وعوامل المخاطرة للضغط المرتفع، والعلاقة بين ضغط الدم والقلق والغضب وعوامل المخاطرة التقليدية. وتوصلت نتائج الدراسة إلى أن العوامل الانفعالية والغضب المكبوت على وجه الخصوص مرتبطة بصورة دالة بارتفاع ضغط الدم عند كل من الشباب السود والبيض على حد سواء من الذكور والإناث، وعلى الرغم من أن العوامل الانفعالية تساهم بالتنبؤ بضغط الدم على حد سواء عند البيض والسود، إلا أن عوامل المخاطرة التقليدية كانت أقوى في التنبؤ لضغط الدم عند الشباب البيض. وفي دراسة لوجينج وآخرين (Lijing et al., 2003) التي تناولت العوامل النفسية ومخاطر الضغط الأساسي على عينة من الذكور والإناث من البيض والسود الراشدين تراوحت أعمارهم بين 18- 30 عاما بلغ حجمها 3308، وتمت متابعة العينة على مدى 15 عاما، وبعد تعديل عوامل مخاطر الضغط الأساسي مع العوامل النفسية ( الإلحاح ونفاذ الصبر، إنجازات المثابرة والتنافس، العدوانية والاكتئاب والقلق، توصلت الدراسة إلى أن الدرجات العالية للإلحاح ونفاذ الصبر والعدوانية يصاحبه مخاطر حدوث الضغط الأساسي على مدى سنوات المتابعة الخمس عشرة، أما بالنسبة للعوامل النفسية الأخرى فلم تكن النتائج موحدة لجميع العينة. وفي دراسة لريف وآخرين (Reiff et al., 2001) التي تناولت علاقة أعراض الاكتئاب بالضغط الأساسي على عينة تكونت من 695 من البالغين، كان الهدف منها مقارنة بين بعدين للضغط الأساسي ( التقرير الذاتي، ضغط الدم العالي) في علاقتهما بنمط الحياة المصاحب للاكتئاب ومدى مساهمة عوامل مخاطر الضغط النفسي المصاحبة للاكتئاب والضغط النفسي، توصلت الدراسة إلى أن العلاقة بين الضغط الأساسي وأعراض الاكتئاب فسرت جزئيا بعوامل مخاطر الضغط النفسي وليس بنمط الحياة، كما أن العديد من عوامل الضغط النفسي ومتغيرات نمط الحياة كانت عوامل مخاطرة لارتفاع ضغط الدم مستقلة عن أعراض الاكتئاب.
من ناحية أخرى أجرى أستير وآخرون (Ostir et al., 2006) دراسة تناولت الانفعالات الإيجابية وعلاقتها بالضغط الأساسي، أجريت الدراسة على 2564 من الأمريكيين، وقد بينت نتائج الدراسة أن الأشخاص الذين لم يكونوا تحت العلاج الدوائي لضغط الدم كان ارتفاع درجات الانفعالات الإيجابية لديهم مرتبطاً بشكل كبير بانخفاض ضغط الدم، أما الأشخاص الذين كانوا تحت العلاج الدوائي تبين أن ارتفاع درجات الانفعالات الإيجابية ارتبط بانخفاض الضغط الانقباضي فقط.
أيضا في دراسة ستيرن وآخرين (Stern et al., 2004) عن العلاقة بين أعراض الاكتئاب الفردية والإصابة بالضغط الأساسي، والتي تمت على 240 من الأمريكيين المكسيكيين والأوروبيين، استخدم مقياسا للاكتئاب، وبينت الدراسة أن هناك علاقة وثيقة بين الدرجات الكلية على مقياس الاكتئاب والإصابة بالضغط الأساسي.
ولو تفحصنا مجموعة الدراسات السابقة الآنفة الذكر يلاحظ أن هناك عوامل مكتسبة داخلية تكون متضمنة في الشخصية، والتي تكتسب في المراحل الأولى من الحياة، وتلك العوامل المكتسبة الخارجة عن حياة الشخص مثل التوتر أو الإزعاج أو الصدمات....الخ، وكيفية إدراك المؤثرات الخارجية تعتمد على تكوين الشخصية وعلى نظام الدعم الاجتماعي، وضمن إطار هذه النظرية فإن الأزمة تلعب دورا هاما، ويرجع ذلك إلى أنها تميز حالة اتخاذ القرار في وضع لا يستطيع الفرد فيه أن يتخذ قراره بشكل واقعي، أو محاولة اتخاذ قرار بشكل وهمي، وبهذه الحالة فإن هذا الوضع سينشط الجهاز العصبي المستقل بطريقة غير مخطط لها مع حدوث أعراض ملازمة كالتبول والتقيؤ....الخ، وفي حالة استمرار هذه الأعراض لفترة طويلة من الزمن، فإن المبادلة بين النظامين يمكن أن تنهار، ويبدو أن النظام مشلول نفسيا في بداية التعرض للضغط، وأن الزيادة في نشاط الجهاز العصبي السمبثاوي تظهر كاستجابة تكيفية، وهذا يمكن الفرد من معالجة الوضع، ولكن إذا باءت محاولات التكيف بالفشل المستمر، فإن الضغط يصبح من المستحيل تحمله (Lamprecht, 1994).وهذا ما أكدته بعض الدراسات المشار إليها في الدراسة بأن سمات الشخصية تؤخذ كمنبئ لتطور وحدوث مرض الضغط الأساسي.
من ناحية ثانية هناك بعض الدراسات التي أشارت إلى أن استجابة القلق والتوتر والغضب والسيطرة والعدوانية والكراهية(المكبوتتين)، هي استجابات تميز شخصية المرضى الذين لدى والديهم تاريخ مرضي للضغط، كدراسة هان وآخرون (Hahn et al., 1993) عن الإفصاح عن الذات وأنماط التغلب على المشكلات عند الرجال المصابين بالاستجابة لأمراض القلب والشرايين، وكان الهدف من الدراسة التقصي عن الإفصاح عن الذات، والانفعالات المتمركزة، والمشكلة في أنماط التغلب على الصعوبات عند الرجال المصابين بارتفاع الضغط الحدي، ومجموعتين أخريين الضغط عندهما طبيعي، وميزت المجموعتان عن بعضهما بالتاريخ العائلي لضغط الدم، حيث إن العاديين لا يوجد عندهم تاريخ عائلي للضغط بينما مجموعة الضغط الحدي لديهم تاريخ عائلي للضغط. وتوصلت نتائج الدراسة إلى أن المجموعة التي عندها تاريخ عائلي كان الإفصاح عن الذات بالنسبة لهم قليلا مقارنة بالمجموعة التي ليس لديها تاريخ عائلي للضغط، ولكن الأشخاص الذين عندهم ارتفاع الضغط الحدي كانوا أكثر انشغالا في الإفصاح عن الذات من الذين لديهم تاريخ عائلي، لكن لم تجد الدراسة أي فروق بالنسبة لأنماط التغلب على المصاعب بين المجموعات الثلاثة. وفي الدراسة التي أجراها جونسون (Johnson, 1989) والتي تتعلق بالاستجابات القلبية الوعائية والعوامل الانفعالية وقياس الضغط في البيت عند الذكور السود مع وبدون تاريخ أبوي لارتفاع الضغط، وتهدف الدراسة إلى تقصي العلاقة بين الاستجابات القلبية للسلوك التوتري، وقياس ضغط الدم من قبل أشخاص مقيمين في البيت لمدة 28 يوما لمجموعة من الذكور السود مع وبدون تاريخ أبوي لارتفاع الضغط. ونتائج الدراسة تطابقت مع الفرضية العامة بأن الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي لضغط الدم معرضون لأن تكون استجاباتهم القلبية أكثر توترا، كما أن الأشخاص الذين أحد أبويهم له تاريخ مرضي لارتفاع الضغط، كان لديهم قياسات بيتية لضغط الدم أعلى من الذين ليس لدى أبويهم تاريخ مرضي، وكانت درجات المفحوصين الذين لديهم تاريخ مرضي أكثر على مقياس سمة القلق والغضب ومقياس السيطرة والخضوع. وكذلك في دراسة بيريني وآخرون (Perini et al., 1990) عن العوامل السيكولوجية للأشخاص الذين يعانون من ارتفاع الضغط الحدي، والأشخاص الذين لوالديهم تاريخ مرضي للضغط، وكان الهدف منها دراسة السمات النفسية والاستجابة للموترات لمجموعات المخاطرة (الذين يعانون من الضغط الحدي وعند والديهم ضغط). وبتحليل نتائج الدراسة توصل الباحثون إلى أن المجموعتين الأولى والثانية (ضغط حدي وأسوياء ولكنهم يعانون من تاريخ أبوي للضغط) ميزت بالعدوان الداخلي والضبط الذاتي، ومستوى عال من القلق وسرعة النبض وارتجاف الأطراف، وكذلك تميزت مجموعة مرضى الضغط الحدي والذين لوالديهم تاريخ مرضي عن الأسوياء بأن العدوانية والكراهية المكبوتتين سمات ثابتة في الشخصية.
وبذلك تؤكد هذه الدراسات على أن العوامل الوراثية قد تورث الاستعداد للإصابة بالمرض من خلال البيئة الأسرية التي يعيش فيها الفرد، والتي قد يكون لها طابعها الخاص من حيث التعامل وطرق التفكير وردود الفعل تجاه الضغوط المختلفة، مما يؤثر بالتالي سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة على الأبناء في المستقبل من حيث تعجيل ظهور المرض لديهم في سن الشباب.
هدف الدراسة:
يعد هدف الدراسة الحالية في البحث عن السمات الشخصية وعلاقتها بمرض ضغط الدم الأساسي هو محاولة لكشف خلفيات هذه العلاقة ومدى أهميتها في التأثير على الصحة النفسية للمواطن الأردني وذلك بإجراء مقارنة بين مجموعة من الأسوياء ومجموعة من مرضى الضغط الأساسي في سمات الشخصية تعتمد على استخدم وتطبيق أدوات ومقاييس شخصية مقننة.
أهمية الدراسة:
تكمن أهمية الدراسة الحالية في أنها تتناول قضية من أكثر القضايا العصرية أهمية، لأنها أصبحت تشكل خطورة على مستوى التوافق والصحة النفسية والجسدية لأفراد المجتمع، بسبب تزايد ضغوط الحياة ومشكلاتها، كما أنها لم تعد قضية تخص فئة محددة من الناس، وإنما كل الفئات والمستويات الاقتصادية والثقافية، ولذا فإنه من الممكن عند إجراء مثل هذا النوع من الدراسات التنبؤ باحتمال الإصابة بالمرض قبل وقوعه، مما يدعم العلاج الوقائي، بحيث يجنب أفراد المجتمع أخطار الإصابة بالأمراض الجسدية بسبب معاناتهم النفسية من ضغوط الحياة المختلفة، والوصول بهم إلى الوضع الأكثر توازنا وتوافقا بين الحالة النفسية والجسدية.
فروض الدراسة:
الفرض الأول: "توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين متوسطات درجات مجموعتي مرضى الضغط الأساسي والأسوياء في سمات الشخصية؛ كما تقاس بالمقاييس الفرعية الإكلينيكية لمقياس مينيسوتا متعدد الأوجه للشخصية".
الفرض الثاني: "توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين متوسطات مجموعتي الذكور والإناث من مرضى الضغط الأساسي في سمات الشخصية؛ كما تقاس بالمقاييس الإكلينيكية لمقياس مينيسوتا متعدد الأوجه للشخصية".
الفرض الثالث:"توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين تكرارات مجموعتي مرضى الضغط الأساسي والأسوياء في مستوى التوافق الانفعالي؛ كما تقاس بالأبعاد المختلفة لمقياس ساكس لتكملة الجمل".
الفرض الرابع: "توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين تكرارات مجموعتي الذكور والإناث من مرضى الضغط الأساسي في مستوى التوافق الانفعالي؛ كما تقاس بالأبعاد المختلفة لمقياس ساكس لتكملة الجمل".
أدوات الدراسة:
1- المقابلة ودراسة الحالة: من أجل تهيئة الأفراد في عينة الدراسة المرضية وإعطائهم فكرة عن أهمية وهدف الدراسة، والحصول على معلومات متكاملة عن أوضاعهم تشمل جوانب مختلفة من خلال تطبيق نموذج دراسة حالة معد خصيصا من قبل الباحثة بهدف توظيف تلك المعلومات في تفسير نتائج الدراسة.
2- مقياس كورنل للاضطرابات السوماتوفورمية: اعتمدت الباحثة على الصورة المصرية من المقياس من قبل إسماعيل ومرسي، بعد إجراء التعديلات اللازمة لتلائم البيئة الأردنية، ويتكون المقياس من (101) عبارة تقيس: الخوف وعدم الكفاية، الاكتئاب، العصبية والقلق، أمراض التنفس والدورة الدموية، الفزع، الأعراض السوماتوفورمية، الخوف على الصحة، أعراض الجهاز المعدي المعوي، الحساسية والشم، والسلوك السيكوباتي.
وقد قامت الباحثة بتعديل صياغة البنود لغويا بما يتناسب مع تطبيقها على البيئة الأردنية، ويستخدم المقياس في الدراسة الحالية كمؤشر لتحديد العينة السوية والتأكد من بعدها عن المرض النفسي، ويستخدم أيضا كأداة نفسية أولية لتشخيص الحالات المرضية من الناحية النفسية.
ثبات وصدق المقياس:
استخدمت الباحثة في حساب ثبات المقياس على اختبارات المقياس ككل طريقة التجزئة النصفية، وبلغ معامل ثبات الاختبار الكلي (91 و.)، أما بالنسبة للصدق فقد قامت الباحثة بحساب الصدق التمييزي للمقياس وذلك باستخدام المجموعات المتعارضة (المجموعات المرضية والمجموعات السوية)وتم حساب الفروق بين المجموعتين باستخدام اختبار (ت)، والجدول رقم (1) يوضح دلالة الفروق بين المرضى والأسوياء على مقياس كورنل باستخدام اختبار (ت) .
جدول رقم (1)
قيمة (ت) ودلالتها للفروق بين مجموعتي الأسوياء والمرضى في مقياس كورنل
المجموعة حجم العينة المتوسط الانحراف المعياري قيمة "ت" مستوى الدلالة
الأسوياء 100 10.04 4.90 11.15 0.01
المرضى 70 44.68 13.94
3- اختبار مينيسوتا متعدد الأوجه للشخصية.
يتكون الاختبار من (566) فقرة وهي الصورة المعربة من قبل (مليكة وإسماعيل وهنا 1995 (وتغطي فقرات الاختبار مدى واسعا من الموضوعات تتناول الجوانب المختلفة للشخصية، وقد جمعت عبارات الاختبار في (4) مقاييس صدق و (10) مقاييس إكلينيكية. وتستخدم الباحثة في الدراسة الحالية الصورة المقننة على البيئة الأردنية من قبل (الأخرس،1996) وقام بتطبيق هذا الاختبار وإعداد معايير له على البيئة الأردنية، وتم حساب ثبات الاختبار على عينة من المرضى والأسوياء تشمل الذكور والإناث باستخدام طريقتي (التنصيف ومعادلة كودر- ريتشاردسون) وعلى كل المقاييس الفرعية للاختبار على المجموعتين المرضية والسوية، كما قام بحساب الصدق التمييزي لكل المقاييس الفرعية باستخدام المجموعات المتعارضة(المرضية والسوية) لكلا الجنسين ومن ثم حساب الفروق بين المجموعتين باستخدام اختبار "ت"، وتستخدم الباحثة هذا الاختبار في الدراسة الحالية من أجل التمكن من إجراء عملية المقارنة بين مجموعتي المرضى والأسوياء في سمات الشخصية.
4- مقياس ساكس الإسقاطي لتكملة الجمل:
تم استخدام هذا المقياس للكشف من خلاله عن المشاعر والاهتمامات اللاشعورية لأفراد الدراسة وميولهم الشخصية الدفينة واتجاهاتهم ومستويات طموحاتهم التي لا يمكن التعبير عنها مباشرة، بحيث تكون هذه الاستجابات أقل عرضة للتزييف والمقاومة. ويهدف الاختبار إلى دراسة أربعة مجالات من مجالات التوافق هي: الأسرة، والجنس، والعلاقات الإنسانية المتبادلة، وفكرة المرء عن نفسه، ويتضمن كل مجال عددا من الاتجاهات وكل اتجاه يعبر عنه بعدد من العبارات.
خاتمة الدراسة
بما أن المحافظة على صحة المواطن النفسية والجسدية والعقلية مطلب هام وضروري تسعى الدولة إلى تحقيقه ليكون المواطن قادرا على الإسهام في تحقيق أهداف التنمية والاستثمار، إذن هو مطلب استثماري وإنساني معا، ولا يكون ذلك إلا إذا خلا المجتمع من الصراعات الفردية والجماعية وكافة أنواع الاضطرابات التي تعد أساسا لتكوين المجتمع السوي. ومن هذا المنطلق تبدو أهمية الجهود التي تبذلها الباحثة كتدعيم للعلاج الوقائي وإعداد البرامج اللازمة كوسيلة هامة لحماية الفرد من الإصابة بالمرض، حيث يتم من خلالها رفع وعي المرضى حتى يستطيعوا التعرف على المضاعفات في مراحلها الأولى والسيطرة عليها باتباع إرشادات الفريق الطبي.
من ناحية ثانية يعد هذا الجهد البحثي إسهاما في تنشيط حركة التطور العلمي في مجال علم النفس من خلال دراستنا لظاهرة هامة (الاضطرابات السوماتوفورمية) دراسة علمية موضوعية منظمة، وإدخال منهجية جديدة على التفكير الطبي التقليدي، لأنه على الرغم من البراهين والأبحاث العديدة التي تؤكد على أهمية العلاقة بين نفس الإنسان وجسده، إلا أن هذه الفكرة لا تزال غير مقبولة من البعض، كما أن هذه الفكرة لا تتقدم إلا ببطء شديد في أذهان العاملين في مجال الطب الذين ما زالوا لا يهتمون بالأسس النفسية، وهذا بالطبع ينعكس على حالة المريض ويؤدي إلى تدهور صحته وفشل المحاولات في علاجه إلى حد كبير، كما يلاحظ أن معظم الأطباء يتجنبون الدخول في الحياة النفسية لمرضاهم ولو بدرجة خفيفة ، وكثيرا ما يعتبرون مشاعر المريض ومشكلاته النفسية أمورا تخرج عن نطاق مسؤولياتهم المهنية.
وفي ضوء النتائج التي تم التوصل إليها في الدراسة الحالية تقدم الباحثة المقترحات والتوصيات التالية:
- يجب أن يشتمل الفريق العلاجي داخل المستشفيات المختلفة على أخصائي نفسي إكلينيكي مؤهل للاهتمام بالجوانب النفسية كجزء هام من الخطة العلاجية لكل مريض.
- إجراء مزيد من البحوث والدراسات في هذا المجال، وتوظيف مقترحاتها لخدمة المجتمع وتوفير الحماية والوقاية للمواطن والحد من انتشار مثل هذه الأمراض قدر الإمكان.
- أن تتولى وسائل الإعلام المختلفة المرئية والمسموعة والمقروءة مهام عملية التوعية لأفراد المجتمع وذلك بعقد الندوات واللقاءات والمناقشات، كما يمكن تقديم هذه الخدمات عن طريق المؤسسات التعليمية (المدارس والجامعات) وكذلك المستشفيات والمراكز الصحية المنتشرة بمختلف مناطق المملكة، بالإضافة إلى ضرورة الاهتمام بالإرشاد الأسري المجتمعي(الاهتمام بالأسرة في إطار المجتمع).