حالات العته وطرق رعايتها
د. عبدالرحمن محمد العيسوي
العته أو الخبل Dementia حالة مرضية عقلية تصاحب بعض الأمراض العقلية أو العضوية وتصيب في الغالب، المتقدمين في العمر، وقد تحدث في عمر مبكر من جراء التعرض لبعض العمليات الجراحية أو بعض الأمراض التي تصيب الجهاز العصبي في الجسم أو المخ تحديداً. وقد تحدث من تصلب شرايين الدماغ، بحيث يصعب إمداد الدماغ بالدم والأكسجين الكافي، وكذلك نقص تغذية الدماغ بالسكر، ويؤدي هذا النقص في هذه الإمدادات إلى تلف بعض أنسجة الدماغ أو تدهور وظائف الدماغ، كالإدراك الحسي، وفقدان الوعي وفقدان الذاكرة، وبذلك يعجز المريض عن اكتساب خبرات أو معلومات جديدة، مع فقدان القدرة على سيطرة المريض على انفعالاته وعلى حركاته وتضعف قدرته اللغوية أو اللفظية.
الحالات الشديدة من الخبل أو العته تحتاج إلى الإيداع في المستشفيات أو مؤسسات الرعاية النفسية والعقلية والعصبية. والمريض يصاب بالضعف العقلي الشديد والعميق، وهو ضعف شامل يحدث تدريجياً ويصيب الوظائف العقلية، كما يؤثر في السلوك الاجتماعي للمريض. ومعروف أن الوظائف العقلية، العليا في الإنسان تشمل ما يلي:
التفكير، التخيل، التصور، الإدراك، التذكر، التعلم، الإبداع، الاستدلال، الاستنباط، الاستقراء، النقد، الحكم، المقارنة، التحليل، التركيب، التعميم، التمييز، التجريد، الانتباه، التطبيق.
وهناك ما يعرف باسم خبل الشيخوخة، ويظهر في مرحلة الشيخوخة، ويبدو في فقدان ذاكرة المريض بالأحداث القريبة، والتخريف وعدم التمييز الزماني، أو المكاني.
وقديماً كان يطلق على "ذهان فصام الشخصية" وهو مرض عقلي خطير Schizophrenia اصطلاح الخبل أو العته المبكر، أي: الذي يحدث للمريض وهو في سن مبكرة من حياته، ويصيب الحياة العقلية والوجدانية للمريض بالتلف كالتفكير، والتخيل، والانفعال، والعاطفة، أو الحزن، والاكتئاب.
ويرى بعض علماء النفس أن الخبل أو العته عبارة عن إعاقة للوظائف العقلية من جراء عوامل سببية مكتسبة من البيئة وليست وراثية منقولة من الآباء والأمهات والأجداد ويرتبط هذا المرض ببعض الأمراض الدماغية.
أسباب العته:
1- إدمان الخمور والمخدرات.
2- الشلل.
3- الشيخوخة.
4- ذهان الفصام.
وينظر بعض علماء النفس للخبل على أنه حالة وظيفية ناجمة عن ظروف وأزمات وصراعات نفسية واجتماعية، وليست ناجمة عن أسباب عضوية كوجود تلف في خلايا الدماغ.
ولقد كان اصطلاح العته المبكر أو الخبل المبكر يطلقه عالم النفس كريبلين عام 1898 إشارة إلى ما يعرف اليوم باسم ذهان فصام الشخصية، وكان يعتقد أن هذه الحالة تحدث في أواخر مرحلة المراهقة، وتؤثر في الوظائف والعمليات العقلية كما كان يعتقد أن هذه الحالة ترجع إلى مرض يحدث في عملية التمثيل الغذائي ويتخذ ذهان الفصام، أو العته المبكر أشكالاً عدة منها:
1- ذهان المراهقة.
2- ذهان التصلب أو التجمد أو التخشب.
3- ذهان الاضطهاد أو جنون الاضطهاد.
4- ذهان البارفرينيا.
ويرادف الخبل المبكر الذي أصبح يطلق عليها حديثاً "ذهان الفصام" وهو نوع من الهذيان.
ومن أبرز أعراض الخبل: تدهور دائم في وظائف التذكر، وفي إصدار الحكم على الأشياء والأحداث، وقد تكون هذه الحالة ناجمة عن خلل عضوي كضمور الدماغ أو وجود تدمير في بناء اللحاء المخي، أو القشرة الدماغية أو تلف في عضو الدماغ بصورة عامة، وفي حالة الإصابة بزهري الدماغ أو الشلل الدماغي.
أهم أعراض الخبل:
1- الضلالات أو الهذاءات، وهي أفكار خاطئة كتوهم المريض العظمة أو الاظطهاد.
2- الهلاوس وهي مدركات حسية سمعية أو بصرية أو شمية غير موجودة في الواقع، ولكنها موجودة فقط في أوهام المريض؛ حيث يسمع أصواتاً ويرى أشباحاً، وصوراً وزواحف، وهي غير موجودة في الواقع.
فالخبل أو العته ليس حالة واحدة، وإنما هو عدة أمراض أو حالات، ولكل حالاته سمات مشتركة.
وتشير هذه الحالات إلى وجود انخفاض أو هبوط في الوظائف عن وضعها السابق على الإصابة. التخلف العقلي قد يتحول إلى خبل كما هو الحال لدى مرضى متلازمة أعراض داون Down Syndrome قد يصابون بمرض الزهايمر وهو عبارة عن خبل عقلي Alzheimerصs ومن الأعراض البارزة للخبل فقدان الذاكرة Memory أي ضعف الذاكرة أو النسيان Amnesia.
في البداية يلحق العطب: الذكريات الحديثة، وإذا زاد العته، لحق بالذكريات القديمة أيضاً. وفي الحالات الشديدة قد يفشل المريض في التعرف على أقاربه أو أصدقائه القدامى الذين عاش معهم لسنوات طويلة، أو التعرف على أسمائهم.
وإلى جانب هذه الأعراض، هناك أعراض أخرى تتعلق بالقدرة المعرفية أو النقص المعرفي ومن ذلك: ضعف القدرة على الاستمرار في تركيز الانتباه. وهناك أيضاً حالات فقدان القدرة على تمييز الأشياء التي كانت مألوفة أي: فقدان القدرة على فهم دلالات المنبهات الحسية رغم سلامة الحواس، يحدث هذا حتى في ضوء سلامة الحواس لدى المريض. وكذلك فقدان القدرة على التعرف على الكلمات أي: الحبسة، أي: فقدان لوظائف اللغة، وينجم عن إصابة نصف الدماغ الأيسر، وبذلك يصبح المريض غامضاً، وكأنه قد أصيب بالصمم ويحدث هذا العطب في استعمال اللغة في المراحل الأخيرة من المرض.
كذلك يفقد المريض القدرة على القيام ببعض الأعمال الحركية، أي: ما يسمى العمى الحركي، أي: عدم القدرة على القيام بالحركات الطوعية المنسقة، فلا يستطيع أن يعمل بناءً من المكعبات الخشبية، ولا أن ينسخ تصميماً أو شكلاً هندسياً. أما الأشياء التي سبق للمريض أن تعلمها تعلماً قوياً، مثل: استخدام أدوات المائدة: فإنها لا تتأثر إلا في المرحلة الأخيرة من المرض.
من هذه الأعراض كذلك النشاط التنظيمي أو الإداري أو التنفيذي وهي العملية التي ينظم بها الفرد أجزاء من السلوك، ويضمها إلى بعضها بعضاً في شكل سلوك أكثر تعقيداً، ومن ذلك: الحركات المطلوبة في ارتداء الملابس، أو غير ذلك من وجود الرعاية الذاتية.
وعندما يتأثر هذا السلوك فإن المريض يجد صعوبة في تفسير المعلومات الجديدة ويعجز عن التكيف للمواقف الجديدة.
وبالطبع ليس من الضروري أن يعاني مريض الخبل من كل هذه الأعراض، وإنما يكفي لتشخيصه كذلك بالمعاناة من بعضها، وإنما على القليل أحد هذا الأعراض المعرفية أو العقلية.
الإعاقة تحدث في عملية التفكير والتذكر، ولكنها لا بد وأن تكون شديدة أو حادة حتى يمكن وصف المريض بالخبل أو العتة؛ بحيث يؤثر هذا العطل في حياة الفرد العملية، أو المهنية، والاجتماعية. أما الأعراض البسيطة فلا تدخل ضمن أعراض الخبل.
ويبدأ المريض بفقدان الاهتمام بعمله أو الأنشطة الترفيهية مع وجود تغيير في سمات شخصية المريض. وقد يتفوه المريض بالنكات الوقحة، ويفقد الاهتمام بصحته وهندامه ومظهره، وتضعف القدرة عنده على تحليل الأحداث، والمواقف، أو على فهم هذه الأحداث، أو تذكر أحداث الماضي، كما يعجز عن تطبيق المعلومات القديمة على المواقف الجديدة.
ويتعرض للشعور بالضغوط الاجتماعية والنفسية. فالأحداث التي كانت تعد بسيطة منذ عدة سنوات قبل الإصابة بالمرض تبدو الآن أحداثاً كبيرة جداً.
قد يشعر المريض بالاضطهاد أو يشعر بالتهيج، والبعض الآخر قد يسرق من المحلات دون وعي. وقد يحاول المريض التغلب على ضعف الذاكرة بكتابة مذكرات يومية، وقد تعتري المريض هذاءات الشعور بالخيانة الزوجية، وقد يؤدي هذا إلى قيام المريض بالسلوك العدواني أو الهجومي.
بعض المرضى قد يبدو عليهم الهدوء والبلادة؛ مما يؤدي إلى تقليل نشاط المريض. وقد ينفجر المريض في ثورة عارمة ولا يستطيع أن يشعر بالراحة، وبعد ذلك قد يهجر المريض منزله، ويهيم على وجهه، وقد يظل مفقوداً لمدة ساعات أو أيام. وفي المراحل الأخيرة من الخبل يفقد المريض القدرة على الكلام، والقدرة على العناية بنفسه، وينام في فراشه غير مدرك بمن يزوره أو بأعضاء أسرته.
العته في الغالب لا يحدث إلا في السن المتقدمة، ولكن هناك بعض الحالات التي يحدث فيها في سن مبكرة جداً.
ولكن الاكتشاف المبكر للحالة يساعد في شفائها، ويتطلب الأمر إجراء فحص طبي وعصبي لتحديد السبب الذي أدى إلى الإصابة وبالتالي رسم برنامج العلاج أو التدخل الطبي، وفي الغالب ما يوجد وراء هذا الخبل سبب بيولوجي أو عضوي كوجود أمراض في الجهاز العصبي المركزي، كمرض هننتجتون، ومرض باركنسون أو تصلب الأنسجة المزدوج، أو أي من الأمراض المعدية كالزهري، أو أية إصابة في الجهاز المناعي مثل مرض الإيدز أو نقص بعض الفيتامينات Acquired Immune Deficiency Syndrome أو التعرض للأورام والصدمات وعدد آخر من الأمراض التي تصيب الكبد، أو الرئة، والجهاز القلبي الدوري، وبعض اضطرابات الغدد الصماء.
فالعته حالة عقلية قد تصاحب العديد من الأمراض العقلية، وينجم عن أسباب عضوية في معظمها، ويستوجب التدخل الطبي، والعلاج النفسي للمريض.