الملكة نفرتيتى بصحبها زوجها
كان للمرأة فى مصر القديمة تقدير خاص ومكانة مميزة سواء كأم أو زوجة أو حبيبة، فنجد الكثير من الحِكم المنقوشة على جدران الآثار الفرعونية التي تشير إلى وجوب معاملتها باللين والرفق ، وكان لها الكثير من الحقوق القانونية فاقت ما تمتعت به النساء فى الحضارات القديمة في العراق القديم وشبه الجزيرة العربية وبلاد الشام وبلاد اليونان والرومان ، فالمصرية القديمة كانت تتلقى المهر من زوجها عند الزواج وكانت لها ذمتها المالية وممتلكاتها الخاصة كما كان من حقها الطلاق إذا ما فشلت الحياة الزوجية وعندئذ فإنها تسترد مهرها كما تستحق تعويضا من مطلقها .
ومؤخرا حازت الباحثة شيماء عبد المنعم حسانين على درجة الماجستير بتقدير امتياز عن رسالة بعنوان " الملكة فى الحضارة المصرية القديمة في عصر الدولة الحديثة " كشفت فيها عن دور المرأة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً علاوة على كونها سيدة الجمال فى مصر القديمة .
تشير الباحثة للدور السياسى للملكة المصرية التى شاركت فى الشئون السياسية مثل تسيير شئون البلاد السياسية والمشاركة فى الشئون الدبلوماسية فنجد على سبيل المثال والدة الملك رمسيس الثانى "تويا" وزوجته الأثيرة "نفرتارى" يشاركن في معاهدة السلام التى أبرمها الملك مع الحيثيين فى العام الرابع والثلاثين من عهده والتى تعتبر أقدم معاهدة صلح فى التاريخ كما نجد ملكات كن وصيات على عرش مصر مثل: "أحمس نفرتارى" التى كانت وصية على إبنها إمنحتب الأول و"حاتشبسوت" التى كانت وصية على إبن زوجها تحتمس الثالث كذلك هناك ملكتان إعتلتا عرش مصر كحكام هما "حاتشبسوت" في الأسرة الثامنة عشر، و"تاوسرت" فى الأسرة التاسعة عشر وقد حملت ملكات الدولة الحديثة ألقابا عديدة ذات طابع سياسى مثل "سيدة الأرضين" وهو اللقب المناظر للقب الملك "سيد الأرضين" فى إشارة إلى نفوذ الملك الممتد على مصر العليا والسفلى كما صورن أيضا بهيئة أبو الهول الأنثوى الساحق لعدوات مصر وهى أيضا الصورة الأنثوية لتصوير ملك مصر كأبو الهول الساحق لأعداء مصر.
كما تشير الدراسة لارتباط بعض الملكات بمعبودات ككاهنات ومؤديات للطقوس في المعبد وكان أهمهم المعبود " آمون " – حسب الاعتقاد الفرعوني - وقد قدست بعض الملكات مثل "أحمس نفرتارى" التي وضعت في صفوف المعبودات وظل تقديسها حتى العصر المتأخر.
الدور الاجتماعي
توضح الباحثة أن الملكة كانت على رأس الهرم الاجتماعى للمرأة في مصر القديمة حيث قامت بأدوار مميزة فهى تشارك فى تسيير شئون البلاد خلف زوجها وفي أمور الحكم ومنهن من كانت وصية على إبنها القاصر إذا ما اقتضت الضرورة ذلك (مثل والدة الملك بيبى الثانى فى الأسرة السادسة وفى حالة عدم وجود وريث ذكر مناسب للعرش فهى تحكم مصر بمفردها مثل "سوبك نفرو رع" في الأسرة الثانية عشر و "حاتشبسوت" في الأسرة الثامنة عشر، و"تا وسرت" فى نهاية الأسرة التاسعة عشر كما شاركت أحياناً في العقائد الجنزية لوالدها (الملك) أو لزوجها (الملك)
والجدير بالذكر انه لا توجد فى اللغة المصرية كلمة " ملكة " المتعارف عليها الآن كزوجة لملك أو كملكة حاكمة وإنما كان يعبّر عن شخصية الملكة بكلمة "حمت نسو= زوجة الملك"، أو "حمت نسو ورت = زوجة الملك العظيمة".
الملكة تى بجوار زوجها الملك
كذلك فان المصريين لم يتقبلوا فكرة أن تحكمهم امرأة لأن من يحكم مصر طبقا للنظام الكوني " الماعت " هو "حورس" لذا فلابد أن يحكم البلاد ملك ذكر لذا لا تظهر ملكات حاكمات في الحضارة المصرية إلا فى أوقات الأزمات أو فى حالة عدم وجود وريث ذكر.
مع ذلك فقد كان المصريون يحترمون المرأة ويقدرونها في ظل دورها الأساسى كزوجة وأم وكان لابد لملك مصر أن يختار من تشاركه العرش حتى تستقيم "ماعت" بوجود ذكر وأنثى معا وهناك العديد من الألقاب ذات الدلالات الاجتماعية كما نجد العديد من الملكات يصُورن مع أزواجهن وأبنائهن في مشاهد تشير إلى مشاعر الحب والمودة بين الزوجين الملكيين ويبدو ذلك واضحا تحديدا في عصر العمارنة كما وجُدت بعض الدلالات على وجود مكتبات في القصر الملكى مما يشير إلى أن الملكات سواء كن من أميرات البيت المالك أو من الطبقات العليا من الشعب كن أغلب الظن متعلمات.
الدور الاقتصادى
عثر الباحثون على ممتلكات خاصة للملكات المصريات تنوعت بين قصور وضياع ومخازن للحبوب والغلال و مزارع تحوى قطعان ماشية لذا فيبدو أنه كان للملكة ذمة مالية خاصة بها وتستطيع التصرف كيفما تشاء فى أملاكها وبما أنه كان للملكة ممتلكاتها الخاصة فقد كان من الطبيعى أن نجد موظفين للإشراف على هذه الأملاك فنجد وظائف مثل "المشرف على مخازن غلال الملكة" "مدير بيت الملكة" "المشرف على أملاك الملكة" كما وجد عدد كبير من المرضعات لعدد من الملكات فقد وصل عدد مرضعات الملكة "حاتشبسوت" إلى أربعة مرضعات كما وجدت وظيفة "كبير أطباء الملكة" الذى كان غالبا يختص بشئون الحمل والولادة والرعاية الصحية للملكة.
سيدة الجمال
الملكة مريت امون ابنة وزوجة
كان للمرأة فى مصر القديمة العديد من الوظائف مثل: النادبة، المُرضع، المربية، المغنية، وكذلك الكاتبة ويعد عصر الدولة الحديثة هو العصر الذهبى لملكات مصر القديمة حيث برزت ملكات مثل "أحمس نفرتارى"، "أحمس"، "حاتشـبسوت"، "تى عا"، "تي"، "نفرتيتي"، "نفرتاري"، "تاوسرت" وغيرهن.
ويرجع ذلك إلى للاستقرار الكبير الذى خضعت له مصر خلال الدولة الحديثة والذى سمح بظهور تلك الشخصيات الأنثوية البارزة حيث نعمت مصر باستقرار سياسى واقتصادى واجتماعى عظيم بعد تحريرها من الهكسوس كما أن السلطة لم تعد مركزية كما كانت في الدولة القديمة كذلك فإنه مع تحول مصر فى الدولة الحديثة إلى إمبراطورية والانفتاح المصرى على العالم وجدت الملكة المصرية فرصتها للظهور على الساحة المصرية فى جميع الجوانب
وقد أوضحت الدراسة أن ملكات الدولة الحديثة عددهن 60ملكة، (34) ملكة فى الأسرة الثامنة عشر منهن تسعة أجنبيات، 17ملكة فى الأسرة التاسعة عشر منهن ثلاثة أجنبيات، 9 ملكات فى الأسرة العشرين منهن ملكة واحدة أجنبية وقد حملت ملكات الدولة عدد 172 لقب حيث نجد منهن من حملت ألقاب تشير إلى علاقة القرابة بالملك مثل "زوجة الملك"، "أم الملك"، وغيرها ومنهن من حملت ألقاب تشير إلى وظائف معينة تقوم بها الملكة مثل: "زوجة المعبود آمون"، "طاهرة اليدين"، "لاعبة السستروم"، "مغنية آمون"، ومنهن من حملن نعوتا شرفية ووصفية مثل "العظيمة في القصر"، "سيدة الحب"، "سيدة الجمال"، "عظيمة البهجة". وقد استأثرت ملكات الأسرة الثامنة عشر بالنصيب الأكبر من هذه الألقاب، إذ حملن قرابة 80% منها.