زائر زائر
| موضوع: ليس لأحد أختيار بعد قضاء الله ورسوله الإثنين أبريل 06, 2009 1:40 am | |
| والحكم لله وحده يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا}.. سورة الأحزاب الآية 36.
تشير هذه الآية وما بعدها من الآيات إلى أمر هام وهو أن الأمر لله ورسوله وأنه لا حق لأحد ولا خيرة له في الاعتراض على ما قضى الله به من شرع وأن من يعص الله ورسوله في قضائهما فأنه يكون قد ضل ضلالا مبينا.
وقد روى أن هذه الآية نزلت في زينب بنت جحش بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم أميمه بنت عبد المطلب حينما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحطم الفوارق الطبقية الموروثة في الجماعة المسلمة حتى يرد الناس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى (وكان الموالي وهم الرقيق المحررون يعتبرهم العرب طبقة أدنى من طبقة السادة).
ومن هؤلاء كان زيد بن الحارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي كان قد تبناه، حتى أبطل الله التبني بالإسلام بقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ}، وبقوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ}.
فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحقق مبدأ المساواة الكاملة بتزويجه من شريفة من بني هاشم وقريبته زينب بنت جحش ليسقط تلك الفوارق الطبقية بنفسه في أسرته وكانت هذه الفوارق من العمق والعنف بحيث لا يحطمها إلا فعل وأقصى من رسول الله صلى الله عليه وسلم لتتخذ منه الجماعة المسلمة أسوة وتسير البشرية كلها على هداه.
وقد روى بن كثير في تفسيره قال: وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنطلق ليخطب على فتاة زيد بن حارثة رضي الله عنه فدخل على زينب بنت جحش الأسدية رضي الله عنها فخطبها فقالت: لست بناكحته. فقال صلى الله عليه وسلم (بلى فأنكحيه) قالت: يا رسول الله هل أوامر في نفسي؟.
فبينما هما يتحدثان أنزل الله هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت قد رضيت يا رسول الله منكحاً؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم قالت: إذن لا أعصي رسول الله قد أنكحته نفسي.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها وكانت أول من هاجر من النساء بعد صلح الحديبية فوهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد قبلت فزوجها زيد بن حارثة رضي الله عنه بعد فراق زينب فسخطت هي وأخوها وقال: إنما أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجنا عبد فنزلت هذه الآية فرضيت بأمر الله ورسوله.
وفي روايه أخرى للإمام أحمد عن أنس قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم على جلبيب امرأة من النصار على أبيها فقال: حتى أستأمر أمها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم فنعم إذن: فأنطلق رجل على امرأته فذكر ذلك لها فقالت إلاها الله إذن ما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا جليبيباً وقد منعناها من فلان وفلان؟ قال والجارية في سترها تسمع.
قال فأنطلق الرجل ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم أمره إن كان قد رضيه لكم فانكحوه، قال فكأنما جلت عند أبوها وقالا: صَدَقت فذهب أبوها إلى رسول الله فقال له: إن كنت قد رضيته فقد رضيناه فقال عليه السلام: فاني قد رضيته قال: فزوجها ثم فزع أهل المدينة فركب جلبيبيب فوجوه قد قتل وحوله ناس من المشركين قد قتلهم قال أنس فلقد رأيتها وأنها لمن أنفق بيت بالمدينة ما ذكي في.
وسواء كان سبب نزول الآية هو هذه الروايات أم أن المسبب هو زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب مطلقة متبناه لكي يبطل بهذا الزواج آثار التبني وإحلال مطلقات الأدعياء وهو أمر كانت له ضجة عانى منها رسول الله صلى الله عليه وسلم لتمكنها من عادات العرب والذي ما يزال يتخذه بعض أعداء الأسلام تكاه للطعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اليوم ويلفقون حوله الأساطير.
سواء كان سبب النزول هذا أو ذاك فأن القاعدة التي تقرها الآية اعم وأشمل وأعمق في نفوس المسلمين وحياتهم وعاداتهم وتصورهم، ولقد وضعت في قلوب المسلمين قاعدة ملخصها أنه ليس لهم في أنفسهم شيء وليس لهم من أمرهم شيء، أنما هم وما ملكت أيديهم لله يصرفهم كيف يشاء ويختار لهم ما يريد وما هم إلا بعض هذا الوجود الذي يسير وفق الناموس العام.
وخالق هذا الوجود ومديره يحركهم مع حركة الوجود العام ويقسم لهم دورهم ويقرر حركاتهم على مسرح الوجود العظيم وليس لهم أن يختاروا الدور الذي يقومون به، وليس لهم أن يختاروا الحركة التي يحبونها لأن ما يحبونه قد لا يستقيم مع الدور الذي خصص لهم.
فما كان منهم إلا أن أسلموا أنفسهم لله، أسلموها بكا ما منها فلم يعد لهم منها شئ، وساروا في فلكهم كما تسير الكواكب والنجوم في أفلاكها لا تحاول أن تخرج عنها ولا أن تسرع أو تبطئ في دورتها المتناسقة مع حركة الوجود كله، وعندئذ رَضيت نفوسهم بكل ما يأتي به الله لشعورهم بأن قدر الله هو الذي يصرف كل شئ وكل أحد وكل حادث وكل حالة، واستقبلوا قدر الله فيهم بالمعرفة المدركة الواثقة المطمئنة.
وقد كان من نتيجة هذا الإيمان وهذا الرضا وهذا التسليم أنهم لم يعودوا يألمون من قدر الله حين يصيبهم أو يحسوا بالجزع الذي يعالج بالصبر، إنما أصبحوا يستقبلون قدر الله استقبال العارف المنتظر لأمر مألوف لا يثير فيهم غرابة ولا فزعا.
وهذا التوازن والاستسلام لقدر الله قد أصبح هو السمة التي طبعت حياة تلك الجماعة وميزتها وأهلتها لحمل أمانة هذه العقيدة والتي جعلتهم خير أمة أخرجت للناس.
والله الهادي سواء السبيل. |
|