الجيش المختبئ وراء أسوار العدو
الطابور الخامس
لا يساورني شك بأن الأغلبية الساحقة ممكن يطالعون هذه الكلمات الآن ، يدركون جيدا تعبير ( الطابور الخامس ) ودلالته ، ولزيادة الدقة في تعريف المصطلح نقوله بأنه :
جماعة سرية متعاطفة أو مؤيدة لعدو ، تشترك في التجسس أو التخريب ضمن الخطوط الدفاعية أو على الحدود القومية "
والآن علينا أن نستجلى معا
كيف ظهر الطابور الخامس ؟ ومتى استخدم على نطاق واسع ؟ وكيف ينظر إليه الأن ؟
والآن لنقرأ السطور القليلة القادمة علها تكون
إجابة وافية لتلك الأسئلة
عندما حوصرت مدريد
الاعتقاد الشائع عن هذا المصطلح هو ظهوره أثناء الحرب العالمية الثانية ، لكنه في واقع الأمر ظهر قبلها بقليل ، تحديدا خلال فترة الحرب الأهلية الإسبانية خلال أعوام 1936-1939
في انتخابات فبراير 1936 فازت الجبهة الشعبية والتي تضم معظم التيارات اليسارية بأغلبية مقاعد البرلمان ، ومع اشتعال الأوضاع قام اليمين العسكري بالانقلاب على الشرعية الجمهورية بقيادة الجنرال " فرانشيسكو فرانكون " وكلا الجبهتين وجدا النصرة والدعم من دول مختلفة، إذ ناصرت الحركات الشيوعية والاتحاد السوفيتي الجمهوريين ، بينما أيدت ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية والبرتغال الانقلابيين أو الوطنيين ، وهكذا تحولت إسبانيا إلي ساحة مستعرة بين مصالح دولية متنازعة ما يعنينا من كل هذه الحرب هو أن أحد جنرالات " فرانكو " ويدعو " إيميليو مولا " أثناء حصار العاصمة مدريد خطب عبر الراديو لمقاتليه يحمسهم بأن أربعة جيوش تحاصر الجمهوريين فى العاصمة ، وأن هناك " طابورا خامسا " من أنصار الانقلاب عازمون على تقويض الحكومة الجمهورية من الداخل
ومن هنا كانت نشأة المصطلح أثناء الحرب العالمية الثانية عانت آنذاك بولندا وتشيكوسلوفاكيا الأمرين من الأقلية الألمانية الموجودة بهما ، إذ قامت بتنظيم مجموعات مسلحة أركعت هاتين الدولتين للرايخ الثالث بعد أن قامت بفظائع مهولة من تخريب وتدمير .. كان ينظر عامة وقتها إلى مواطني دول العدو المقيمين في دولة ما على أنهم جواسيس محتملون ويتصرفون معهم على هذا الأساس ، بل في بعض الأحيان يتم اعتقالهم كتدابير احترازية ، كما حدث في الولايات المتحدة مع الأمريكيين ذوي الأصل الياباني
فقد اصدر الرئيس " فرانكلين روزفلت " القرار التنفيذي رقم (9066) ، وعلى أثره تم ترحيل كل ياباني أو مواطن أمريكي من أصل ياباني من الساحل الغربي لا سيما كاليفورنيا إلي مخيمات تهجير في أركنساس وأريزونا ، وعلى مدار الأعوام (1942- 1945) تم تهجير أكثر من (110) ألف من المدنيين ذوى العرق الياباني وقامت المحكمة الدستورية العليا عام 1944 بالتصديق الدستوري على هذا القرار ، مبررة أعمال الإقصاء والترحيل والاحتجاز بأنه يمكن تقليص الحريات المدنية لمجموعة عرقية لصالح الضرورات الوطنية العاجلة وبعد سنوات عديدة خلال حكم الرئيس " رونالد ريجان " تم تقديم اعتذار رسمي لكل المحتجزين وقتها نيابة عن الحكومة الأمريكية ، ووصف الاعتذار قرار الاحتجاز بأنه تحامل عرقي بفعل هستيريا الحرب وفشل القيادة السياسية . يذكر أن الحكومة الكندية وقت الحرب قامت بنفس التصرف - الذي انتهجته نظيرتها الأمريكية - تجاه مواطنيها ذوي الأصل الياباني قد يحدث كذلك أن تستغل دولة محاربة بعض المتعاطفين معها أو تقوم بتجنيد بعض العملاء ليكونوا بمثابة الرادع بين الشعوب التي تحتلها تلك الدولة وبين قواتها وخير مثال على ذلك السياسي النرويجي " فيدكن كويسلنج " ذو التوجه الفاشي والذي أنشأ حزب التجمع الوطني ، حيث أن الحزب كان مؤيدا لسياسات إيطاليا وألمانيا في الثلاثينات ولم تتجاوز قاعدة شعبيته (2.5%) قبل الحرب لكن في عام (1945) وبعد الاحتلال النازي للنرويج صار عدد أعضاء الحزب ما يقرب من (45) ألف عضو من بينهم رئيس الوزراء آنذاك " جينس هاندسيد " على كل حال ، فدول المحور لم تتوقف قط عن الاستعانة بالأحزاب الموالية لسياساتها في البلدان المحتلة لنشر مبادئها وسط السكان عن طريق المواليين لسياساتها ولكي يكونوا حائلا قويا بينهم وبين الغضب الشعبي ولضمان الاستقرار للتفرغ للعمل على الجبهات المشتعلة لا سيما السوفيتية والإنجليزية ولم يتوان الحلفاء كذلك عن غرس شبكات التجسس في الدول الأوروبية بل وداخل ألمانيا أيضا وتمويل حركات المقاومة السرية خصوصا الفرنسية وهناك جدلا مثارا جول اعتبار المقاومة السرية - بكل ما تحمل الكلمة من معان ايجابية - جزءا من مصطلح ( الطابور الخامس ) - بدلالاته السلبية - مع تقاربهما في نقاط مشتركة كثيرة
كيف ينظر للطابور الخامس الآن ؟ بالطبع لم يتوقف استخدام المصطلح سياسيا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية - وإن خف�` استخدامه - ومن أشهر تطبيقاته على المستوى السياسي ذعر الوحدويين الانجليز من الكاثوليك الايرلنديين المقيمين في المملكة المتحدة وذلك أثناء اضطرابات أيرلندا منذ الستينيات وحتى التسعينيات وكذلك حادثة الرئيس " السادات " الشهيرة عند طرد الخبراء السوفييت(1972) نتيجة الخوف من تسريب أسرار عسكرية إلى إسرائيل
على كل حال ، فإن قلة أهمية المصطلح على المدار السياسي والعسكري وتركيزه على الجانب الاستخباراتي المتعلق بعالم الجاسوسية وتجنيد العملاء وغرس العيون خارج الدولة أو حتى في شئونها الداخلية ، رغم كل ذلك إلا أن أهميته السياسية لا تزال قائمة وضرورية لا سيما في الدول المشتعلة طائفيا حيث تسعى كل قوة إقليمية إلى دعم جماعة داخل الدولة المضطربة والقيام بتنفيذ مصالحها داخل أراضيها ، وبعد المحللين الاستراتيجيين يرون أن الجماعات الطائفية تنفذ الدور المنوط بالطابور الخامس لصالح قوة ضغط خارجية |