عناوين الصراع وأبعاده السياسية
صحيح أن الصراع بين الحرسين القديم والجديد، في ملامحه العامة، يبدو بلا عناوين واضحة، وكأنه فقط على عملية صنع القرار والنفوذ داخل المؤسسات المختلفة، لكن هذا لا ينفي وجود اختلاف يتجذر حاليا حول السياسات الاقتصادية، بأبعاد ومدلولات سياسية. يمكن التقاط أحد أبرز ملامح الصراع في التفاعلات الأخيرة، التي أعقبت قرار تأجيل رفع أسعار المحروقات، إذ بدأ كل من الديوان الملكي والحكومة بحملة نشطة لضبط أسعار السلع في شهر رمضان، بالضغط على كبار التجار بضبط الأسعار في حدود معينة وفتح الأسواق الشعبية الموازية لمساعدة الطبقات الكادحة، وتشجيع حملات التبرع للطبقات المعدمة.
النشاط الملكي فُسر من قبل الحرس الجديد بأنه محاولة لسد الفجوة الناجمة عن ضعف أداء الحكومة وعدم قدرتها على القيام بالمهمات المطلوبة منها، على أن المشكلة لا تكمن في برنامج الإصلاح الاقتصادي نفسه، وإنما في عجز الحكومة عن خلق آليات لشبكة أمان اجتماعي قوية كفيلة بحماية الطبقة الكادحة والمتوسطة من وحش الغلاء والتضخم.
أما الحكومة ففسرت نشاطها بأنه استدراك على مخرجات برنامج الإصلاح الاقتصادي، السابق على وجودها والذي ترسم مساره النخبة الجديدة، إذ أخل بالمعادلة الاقتصادية الداخلية وأتى بنتائج مدمرة على الطبقة الوسطى والفقيرة، فهنالك ضرورة لانعطافة جوهرية في المسار الاقتصادي تعيد الاعتبار للقطاع العام في موازاة القطاع الخاص.
<TABLE id=captionTable width=120 align=left bgColor=#bad8ff border=0>
<tr><td class=TextCaption align=middle>"
لا يبدو هنالك خلاف حقيقي جوهري بين الحرسين القديم والجديد في مسألة الإصلاح السياسي، بل هنالك اتفاق ضمني على ترحيل استحقاقاتها إلى مراحل متقدمة ربما تختلف فيها البيئة السياسية داخليا وإقليميا
"</TD></TR></TABLE>إذن، على الصعيد الاقتصادي البحت يبدو الخلاف بين مدرستين: الأولى؛ وهي أقرب إلى "الليبرالية الجديدة" تسعى إلى إدماج الاقتصاد الوطني في العالمي، والالتزام ببرنامج الإصلاح الاقتصادي بصورة متشددة تقوم على تخليص الموازنة من جزء كبير من النفقات الجارية (بما فيها دعم السلع المختلفة) والمسارعة في تسليم القطاع الخاص المهمات الكاملة في النشاط الاقتصادي والخدماتي. أما المدرسة الثانية فهي أقرب إلى الليبرالية المعدلة التي تريد وضع فرامل وكوابح لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، بما يتفق مع الوقائع الاجتماعية والاقتصادية.
مصدر قوة رؤية الحرس القديم يكمن في الخلل البنيوي في برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يؤثر على الطبقة الوسطى والعامة ويخلق تداعيات سياسية وأمنية كبيرة، وتؤيده في ذلك أرقام التضخم والفقر والبطالة واستطلاعات الرأي العام التي تُظهر انزعاجا شديدا من الوضع الاقتصادي.
أما مصدر قوة الحرس الجديد فهو في أنه يمتلك رؤية واقعية، تُجنب الاقتصاد الوطني الركود أو التراجع وتدفع به إلى أرقام نمو جيدة، حتى وإن كان هنالك قصور في الجانب الاجتماعي يمكن إصلاحه وتعديله، في حين أن مآل تذمر الحرس القديم من المسار الاقتصادي الحالي سيدفع بالبلاد مرة أخرى، وقريبا، إلى أنياب البنك الدولي تحت وطأة العجز في الموازنة وعدم القدرة على سداد الديون.
على الصعيد السياسي فإن مآلات رؤية الحرس الجديد تؤدي نظريا إلى خلق طبقة سياسية جديدة مختلفة عن المعادلة التقليدية في الحكم، وتعطي دورا أكبر للنخب الجديدة في القطاع الخاص على حساب القطاع العام، إلا أن المؤدى العملي هو إضعاف القطاع العام والحرس القديم دون القدرة على بلورة جيل جديد يشكل رافعة اجتماعية وسياسية للنظام.
ولذلك لجأ عوض الله إلى فكرة تشكيل لجان "كلنا الأردن"، و"شباب كلنا الأردن"، في محاولة لخلق اللوبي الشعبي المطلوب.
أما الحرس القديم، على اختلاف مشاربه وأفكاره السياسية، فينطلق من الحفاظ على المعادلة التقليدية التي يمتلك فيها "الشرق أردنيون" الذين يشكلون العمود الفقري في النظام، الدور الأكبر والملحوظ في مؤسسات الحكم.
والهاجس الرئيس لديه هو أن إضعاف القطاع العام وترهله سينعكس سلبا على الطبقة الوسطى 'الشرق أردنية'.
من جهة أخرى، لا يبدو هنالك خلاف حقيقي جوهري بين الطرفين في مسألة الإصلاح السياسي، فهنالك اتفاق ضمني على ترحيل استحقاقاتها إلى مراحل متقدمة ربما تختلف فيها البيئة السياسية داخليا وإقليميا
</TD></TR></TABLE></TD></TR></TABLE>