الشغف بالمجهول في "معرض الإنسان الاستوائي" الفضول لمعرفة المزيد عن البشر خارج اوربا أو تحديداً سكان المناطق الاستوائية أمر قديم جداً. فبين عامي 1880 و 1940 كانت المعارض ذات العلاقة بالمستعمرات والمعارض البشرية لسكان المستعمرات التي تضم قاطني الغابات والهوتنتوت والهنود من النشاطات التي تستحوذ على اهتمام الجمهور. في عام 2009 بدأ برنامج تلفزيوني هولندي جديد محوره العلاقة بين والأوربيين و"الجماعات البدائية". المعرض الذي يقيمه متحف تايلرز بعنوان "الإنسان الاستوائي" يضع هذا الشغف بالغرائبي والبدائي في سياقه التاريخي وعن هذا الأمر يقول برت سليخرز أمين المتحف:
|
بيرت سليخرز أمين المتحف |
"المجهول هو دائما مثير ومخيف وعجيب. هذا الأمر كان جليا منذ نهاية القرن التاسع عشر حيث كانت المعارض الاستعمارية وتلك التي تخصص للشعوب البدائية تجتذب عشرات الآلاف من الزوار. هذه المعارض البشرية كانت تجول في أوروبا لعرض السكان الأصليين "البدائيين" الذين جـُلبوا من المستعمرات لعرضهم على الجمهور في ما يشبه عروض السيرك. كان يتم إفراغ قرى بكاملها وجلب سكانها إلى أوروبا بهدف تسلية الأوروبيين من خلال تلك المعارض، كما تمت دراستهم علميا من قبل الباحثين العلميين وصدرت دراسات في هذا الشأن."
كان هؤلاء الأشخاص مثار اهتمام بسبب لون بشرتهم وعاداتهم ولباسهم، مثل المرأة ذات اللحية والتوأم السيامي. ويقول أمين المتحف سليخرز إن المعرض يهدف إلى إبراز نظرة الأبيض لغير البيض. سيفاجأ الكثير من البيض بكيفية تعاطينا ولوقت طويل مع الحضارات الأخرى. هذا الميراث لم نتخلص منه بعد. من يشاهد هذا المعرض يعرف كيف حدث ذلك.
الصور النمطية
في المتحف علقت بعض الملصقات الملونة تعلن عن معارض بشرية وكتب عليها: أناس من جاوة في لباس زاهي الألوان ويركبون على الفيل، بدو مع قافلة من العبيد مكبلي الأيدي، وأسكيمو يلبسون جلود الحيوانات. كلما اقتربت الصور من الصور النمطية كلما كان أفضل، إذ يجب أن تتطابق المشاهد المعروضة مع الأحكام المسبقة الراسخة في الأذهان. ويقول سيلخرز لقد كان واقعا متلاعبا به، كون معظم الناس كانوا يعرفون وقتها أن ما يقدم لهم من صور غير مطابقة للواقع.
ويقول سيلخرز عن معرض عن السكان الاستوائيين جرى في أمستردام عام 1883: "في العرض كان هناك الكثير من الأشخاص من جاوة وسومطرة اللتين كانتا من المستعمرات الهولندية منذ وقت طويل ولكن كان هناك 27 شخصا جلبوا من سورينام لأول مرة إلى هولندا وسأقرأ ماذا كتب في حينها:
"احد زنوج الغابة عمره 35 عاما، بنية قوية، ينتمي إلى قبيلة اوكانر، لديه زوجتان وهذا قليل لشخص مثله، ويمتلك روح الفكاهة."
|
صور لأشخاص من السورينام بمعرض عام 1883 |
الفضول لرؤية سكان المستعمرات الهولندية كان واضحاً. وفي المعرض الذي أقيم عام 1883 في أمستردام كانوا الناس يأتون لمشاهدة السبعة وعشرين سوريناميا والذين اجبروا على تشييد أكواخهم واستطاع الناس مشاهدتهم طوال النهار، حياتهم البدائية كانت سببا إضافيا للهولنديين لاعتبار الاستعمار ضرورة للسكان البدائيين، وذلك عن طريق تعليمهم وإدخال عادات جديدة إضافة إلى نشر التعاليم الدينية المسيحية.
بحوث "علمية"
جلب السكان البدائيين إلى أوروبا لم يكن فقط بداعي الترفيه بل كان أيضا من اجل أجراء أبحاث علمية عليهم. لقد اهتم علماء الانثروبولوجيا بإجراء دراسات عليهم، وفي الفترة التي عاش فيها داروين كان هناك بحث محموم لإيجاد الحلقة الضائعة بين الإنسان والقرد. الاختلاف بين الأعراق تم تثبيتها عن طريق الفرق الظاهر في الطول وحجم الرأس وغيرها.
في أحد الأفلام القديمة، تم عرض الطريقة التي سلكها الباحثون والعلماء الهولنديين لاكتشاف غينيا الجديدة، والى جانب الدراسات التي أجروها على النباتات والحيوانات، أقاموا أيضا بحوثا حول الناس من سكان المنطقة وطريقة عيشهم:" عرض الأنف 3.7، وعمقه يصل إلى 1.8 وسمك الشفة الواحدة 3.4... كان هؤلاء أقزاماً لكن عمليون، فالرجال منهم لم يكن طولهم يتجاوز 1.50 مترا، أما النساء منهم فيصل طولهن إلى مالا يزيد عن 1.45 متر."
وكانت مثل تلك البحوث ينظر إليها بنوع من السلبية بسبب أن الأشخاص الذين خضعوا للدراسة بقوا بدون هوية، فيما كان البعض منهم يؤمن باقتناع أن الجنس الأبيض ارقي من بقية الأجناس الأخرى.
وفي متحف تايلرز، حيث عرضت الملصقات والمجسمات الجبسية لأعضاء الجسد المختلفة وقياساتها وأنواع الوجوه البشرية لتلك المناطق، علقت إلى جانب ذلك كثير من الأعمال الفنية لفنانين معاصرين ينحدرون من المستعمرات القديمة والتي تصور "الأبيض الذي يشاهد القردة" كما يصور الفنان الجامايكي ريني كوكس نفسه "بأسلوب بدائي" حيث تم عرضه نظراً لضخامة الأرداف والمؤخرة. ومن خلال تضخيم الثديين والفخذين في الصورة، قلب كوكس النظرة السائدة حول أولئك الأشخاص إلى نظرة ساخرة.
الحياة البدائية
"معرض الإنسان الاستوائي" يجعل الزائر يسترجع تلك الصور التلفزيونية لبرنامج تم بثه حديثا حيث أقام مجموعة من الهولنديين لبضعة أيام في ضيافة مجموعة من السكان المصنفين- حسب تقييم 2009- بأنهم يعيشون حياة بدائية. تلك القبائل في أفريقيا وإندونيسيا فتحت المجال كي يتم التعرف على بعض جوانب حياتهم كيف يعيشون، وفي زيارة مماثلة يحدث نفس الشيء لكن بشكل معكوس: "في الحقيقة نفس الشيء، في السابق كنا ننظر إليهم بوصفهم متوحشين، ومخيفين وبربريين، ونفس الشيء يتكرر، حيث لم نتخلص بعد من تلك النظرة."
في كلا الطرفين هناك فضول قوي لمعرفة الآخر واكتشافه، ويبدو كل من البيض وذوي البشرة السمراء يشتركان في أن كلا منهما يمكن أن يكون "استوائيا" أي مثيرا للفضول. وحتى في نهاية القرن التاسع عشر، كان المرء ينظر بعين النقد إلى العروض المتعلقة بالشعوب الأخرى، وهذا مقتطف مما ورد في مقال نشر في مجلة "ناسيونال" في السابع من يوليو تموز 1897. وهذا النص يوجد في من ضمن معروضات المتحف.
"على الرغم من أن هؤلاء الذين عرضت صورهم في المعرض، تم اختيارهم كأحسن وأجمل الأمثلة النموذجية من بين الكثيرين، لكن السؤال المطروح: كيف هي هيئة الآخرين وأشكالهم؟ ربما يثيرون الإشمئزاز، أو يعيشون مثل الحيوانات هناك، أو يستغلون ليتمتع السواح البيض برؤيتهم، وإشباع فضولهم حول هيئتهم وطريقة عيشهم."
أما السوريناميون الذين تم عرضهم في أمستردام عام 1883، فاكتفى العارضون بصورهم ونبذات عن منشئهم ويستمر معرض "الإنسان الاستوائي" حتى العاشر من شهر مايو/ آيار القادم في متحف تايلرز في مدينة هارلم، غرب أمستردام، وقد افتتح كاتب الدولة للتعاون الدولي هذا المعرض يوم السابع عشر من الشهر الجاري. وفي هذا المعرض تظهر لأول مرة الطبعة الهولندية حول هذا الموضوع: الإنسان الاستوائي، الثقافات الأخرى كوسيلة للترفيه.
var gaJsHost = (("https:" == document.location.protocol) ? "https://ssl." : "http://www.");
document.write(unescape("%3Cscript src='" + gaJsHost + "google-analytics.com/ga.js' type='text/javascript'%3E%3C/script%3E"));
var pageTracker = _gat._getTracker("UA-4031970-3");
pageTracker._initData();
pageTracker._trackPageview();