المراهق بين تمرد الأنا وسلطة الأسرة
--------------------------------------------------------------------------------
في فترة المراهقة الدقيقة تنتاب المراهقين تغيرات أساسية
جسمانية ونفسية..ولعل أولها شعور المراهق بالحاجة إلى الحب والقبول من طرف الآخر أي
أنه يرغب أن يحب الآخرين وأن يجد قبولا لديهم فيحبونه أيضا.
ـ الحاجة إلى تقدير الذات..فيجد قدرا من الاحترام والاستقلال في الرأي والفعل وهنا تبرز
لدى المراهق الرغبة الملحة في إبداء الرأي بكل حرية وعدم الخوف من الفعل وإعطائه الثقة بالنفس
لكي يقرر ويخرج من قيد التبعية.
إن المراهق في أمس الحاجة إلى اكتساب خبرات جديدة وتنمية معلوماته وتأكيد ذاته،
وهي استجابة طبيعية لحاجته إلى تنمية مداركه ونمو عقله..
كما أن المراهق يطمح أن تعامله أسرته معاملة سمحة تحترم آرائه ورغباته كما ينتظر من أصدقائه
ومدرسته احترامه وتحقيق العدالة في معاملته دون تمييز، ويريد من الأسرة ومن المدرسة بالذات
تنمية قدراته ومعلوماته وتشجيع مواهبه وإعطائه فرصا حقيقية للتعلم من خلال الأنشطة الاجتماعية
والثقافية والرياضية وغيرها...
إن المراهق مهما أظهر رغبته في طلب الاستقلالية بذاته عن الآخرين غير أنه
يريد ـ وهذا مهم جدا ـ أن يرى أمامه ً القوة ً... ً النموذج ً...ً المثل ً...الذي يطلع إليه ويقتفي خطواته...
ويقلده ليصبح مثله أو أعظم منه.
أسئلة كثيرة مثيرة للجدل حول قدرة الأسرة على احتواء المراهق وتلبية احتياجاته النفسية ومتطلباته الذاتية؟
هل نجحت الأسرة في القيام بدورها كما يجب وإنشاء جيل من الشباب خال من العقد والانكسارات النفسية؟؟
إن الواقع الاجتماعي المرير يرسم طبيعة العلاقة التي تربط الأسرة بأبنائها، إذ يتبين لنا أن الشباب
المراهق يعاني ضغوطات نفسية عنيفة جراء عدم قدرة الوالدين على تحقيق أدنى
مستوى من التجاوب والانسجام مع أبنائهم لأسباب عدة أهمها:
ـ عدم وعي الأسرة بخصوصيات مرحلة المراهقة وخطورتها.
إن الوالدين غالبا ما يتجاهلان التحولات النفسية التي يمر بها المراهق ويعتبرونها
ضربا من التقليد الأعمى للغرب، إذ يقارنون ماضيهم عندما كانوا مراهقين حيث كانوا يعيشون
في نظام التبعية المطلقة للأب الذي كانت قراراته لا ترد
ومن حاول خرقها عوقب بالجلد واستخدام العنف..
إن هذا التصور الخاطئ للآباء يجعلهم يميلون إلى ممارسة هذا النهج مع أبنائهم
ما يولد الشقاق والعناد والعنف، فيلجأ المراهق إلى أحد الطرق التالية:
ـ إعلان المراهق الحرب ضد والديه الذين يتحولان إلى عدوين لذوذين، حيث يختار
طريق الرفض لكل ما تصدره قرارات الأسرة من أوامر، فيحمل المراهق شعار ً لا ً في كل ما يطلب
منه ويأتي بعكسها وإن كانت هذه الأوامر في صالحه غير أنه يرفض تنفيدها لأن المراهق
يكره أسلوب ممارسة السلطة عليه وإرغامه بالإكراه على القيام بالفعل.
ـ العناد يولد العنف : إن إشعار المراهق بالدونية والتبعية للوالدين في كل صغيرة وكبيرة
يجعله يتمرد عليهما ويعبر عن ذلك بنهج أسلوب العناد في التعامل معهما، فتجده دائم الشجار
مع المحيطين به كإخوته مثلا، يفضل الانطواء على نفسه ويهمل دروسه وواجباته،
ما يشعر الوالدين بالقلق الشديد مخافة ضياع مستقبله، فيتخذون الضرب مسلكا لتأديبه
لكن العنف يؤدي إلى تصعيد وتيرة العناد لدى المراهق الذي يبدأ بممارسة العنف
أيضا تقليدا لوالديه، فيكسر أثاث المنزل ويتشاجر مع الجميع.
ـ النوع الثالث من المراهقين برأيي هم أكثرالشباب تضررا من غيرهم لأن ردود
أفعالهم اتجاه أسلوب الأمر والنهي لا يبدون عليه اعتراضا، بل يظهرون الطاعة للأسرة
ويبطنون في أنفسهم بركانا من السخط والغضب وعدم الرضا، ويكون شعارهم
الانتقام البطيء من الأسرة والمجتمع، ويسهل على هذه الفئة الانفلات من قبضة
الرقابة الأسرية عليهم لأنهم يمنحونها الثقة العمياء في حسن تصرفاتهم وطاعتهم،
لذلك نجد الآباء يصعقون عندما يتم إخبارهم بأن ابنهم المطيع ثم القبض عليه متلبسا
باالسرقة أو مدمنا على المخدرات...!!
لعل من ضمن أسباب انفلات المراهق وتصدع العلاقة بينه وبين أسرته أمر
لفت انتباهي وحز في نفسي لما يشكل من خطورة على حياة المراهق وتوازنه النفسي،
حيث يعتقد الوالدان أن توفير حاجيات الأبناء من ملبس ومشرب هو غاية الكمال والتمام،
متناسين تماما حاجة المراهق إلى الحب والحنان والإحساس بدفءالأبوة وحنان الأمومة،
إن برود العلاقة العاطفية بين المراهق وأسرته تدمر بداخله الشعور بالأمان
وعدم حب الآخرين له وتولد في نفسه مشاعر الكره والنفور فينفصل كليا
عن أسرته ويتخذ المنزل مجرد فندق يقضي فيه حاجياته الضرورية
ليبدأ في البحث عن مسلك آخر بعيدا
عن أسرته لسد شعوره بالوحدة والبحث عن حب بديل.
ـ طلاق الوالدين: لا شك أن انفصال الوالدين أقوى ضربة تكسر وجدان المراهق
وتقضي عليه، فيصبح عرضة للانحراف والضياع تعبيرا منه عن رفضه لأسرة لا تستحق
أن يكون فردا منها حسب رأيه إن طلاق الوالدين بالنسبة للمراهق قرار أناني
صادر عن طرفين لا يهتمان بمصيره ولا يبديان أدنى اهتمام لإشراكه في هذا القرار
لذلك لا يبدي المراهقون انشغالهم بانفصال والديهما وما ينجم عن ذلك من تشتت
الأسرة، بل يفضلون إرجاء ذلك إلى ما بعد الانفصال
فيتمردون وينتقمون بنهج شتى الطرق الممكنة لعقاب الوالدين.
إن الأسرة هي المسؤولة الأولى عن مستقبل أبنائها وتربيتهم تربية حسنة تشملهم فيها بالحب
والمودة القائمين على الاحترام المتبادل بين جميع أفراد الأسرة، وبدون نهج المرونة
مسلكا واتخاذ الحوار طريقا لمخاطبة المراهق وإشعاره بحبنا له وبأنه
يشغل محور حياتنا ستخسر الأسرة الكثير، فالمراهق يسكن بداخله طفل صغير
يحتاج إلى لمسة حنان ولفتة تقديرواهتمام لا غير