برنامج مقترح للتربية العلمية في المؤسسات الإعلامية الفلسطينية
إعداد: د. جمال عبد ربه الزعانين. جامعة الأقصى- غزة
المصدر: مجلة رسالة الخليج العربي العدد (105) ملخص الدراسة :
هدفت هذه الدراسة إلى معرفة الأدوار التي تمارسها بعض المؤسسات الإعلامية الفلسطينية في التربية العلمية للمواطنين مثل المساجد، مراكز التثقيف والتوعية الصحية، ومراكز الإعلام البيئي، واقتراح برنامج للتربية العلمية للمواطنين في هذه المؤسسات، ولتحقيق ذلك طبق الباحث ثلاث استبانات لكل من المؤسسات السابقة بهدف معرفة أدوارهم في التربية العلمية للمواطنين، وبعد جمع البيانات وتحليلها إحصائيا كشفت الدراسة عن تدني مستوى الأدوار التي تمارسها تلك المؤسسات في التربية العلمية، وعليه صمم الباحث برنامجا مقترحا للتربية العلمية يقوم به خطباء المساجد في الخطب ودروس الوعظ، ويعالج هذا البرنامج بعض المفاهيم العلمية من خلال علاقتها بآيات القرآن الكريم، وهي خلق الإنسان، والكون والمجموعة الشمسية، المادة والجزيئات، الضوء والطاقة، والوراثة والهندسة الوراثية، ومهارات البحث العلمي .
مقدمة:
لاشك أن العلم من أهم سمات الحضارة البشرية، وأصبح اليوم الحقيقة الأكثر تجسيدا في واقع المجتمعات البشرية على اختلاف مواقعها الجغرافية، وأصبحت التطورات العلمية والتكنولوجية المتلاحقة من خصائص هذه المجتمعات، كما أصبحت الحاجة لتبني الأنظمة العلمية والتكنولوجية من ضرورات استمرارية حياة البشر وتسهيلها.
وقد تدخلت العلوم الطبيعية وتطبيقاتها التكنولوجية تدريجيا في حياة الإنسان، فمنذ بداية الحضارات الإنسانية على سطح الأرض،ظهرت حاجة الإنسان للأفكار العلمية التي تسفر عن صناعة الأدوات التي تمكنه من تعزيز سيطرته على الطبيعة، ومع تقدم الزمن كثرت المشكلات الاجتماعية المرتبطة بالعلوم والتكنولوجيا، فعمل الإنسان في المصانع الثقيلة بجهود جسدية كبيرة أسهم في اختراع الآلات التي توفر وقت وجهد الإنسان،كذلك الظروف الجوية المزعجة الناجمة عن دخان المصانع والآلات، وتراكم النفايات ارتبطت بأجواء الحياة المدنية، وقد نجمت هذه التغيرات في حياة الإنسان بسبب الثورة الصناعية، كما أن التطورات الهائلة في صناعة السيارات وأجهزة الاتصال السلكية واللاسلكية أحدثت انقلابات هائلة في حياة الإنسان اليومية .
هذا وستتفاقم مشكلات البيئة نتيجة لتدخل الإنسان فيها والعبث بمواردها، وستتزايد مشكلات إنتاج الغذاء نتيجة التزايد السكاني، كما قد تتزايد بعض الأمراض الصحية والنفسية والاجتماعية المرتبطة بهذا التزايد من جانب ووجود الأمية الهجائية من جانب آخر، ونقص الوعي الثقافي والعلمي لدى الكثير من قطاعات المجتمع، وكل هذه الاحتمالات تتطلب مواطنا يتحمل مسئولية في وضع التغيرات الإيجابية وتجنب التغيرات السلبية، ولا شك أن إعداد هذا المواطن يقع على كاهل النظام التربوي بمؤسساته النظامية واللانظامية، فمن ناحية التربية النظامية، هناك العديد من البرامج التربوية التي تسعى إلى تربية هذا المواطن، بما يكفل له التكيف والتعايش مع التطورات العلمية والتكنولوجية، أما التربية اللانظامية فهي ذات انتشار واسع يشمل معظم المؤسسات في المجتمع كالوزارات المختلفة التي يغلب على أنشطتها الطابع العلمي والتكنولوجي والنوادي الرياضية والاجتماعية ودور العبادة من مساجد وكنائس، والمؤسسات الإعلامية كالبرامج الإذاعية والتلفزيونية، والمجلات والجرائد، ولاشك أن هذه المؤسسات تمارس بعض الأنشطة التي تتصل بالتربية العلمية ويختلف مستوى معالجة هذا الجانب من مؤسسة لأخرى حسب أهداف وبرامج هذه المؤسسات، (ويرى نصر، 1997:143)، أن هذه المؤسسات يمكن أن تساهم في التربية العلمية للمواطنين وبهدف توفير مستوى مقبول من الثقافة العلمية لهم من خلال الأنشطة التي يمكن أن تقوم بها هذه المؤسسات ومنها الندوات والمحاضرة، وإصدار الكتيبات العلمية المبسطة، والبرامج الإذاعية والمتلفزة لكبار رجال العلم والتربية العلمية.
من ناحية أخرى يرى (مازن، 200م) أن التربية العلمية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بدق ناقوس الخطر لدى النشء والشباب والمواطنين لتبصيرهم وتوعيتهم وتعريفهم بالثمن الذي يمكن أن يدفعه الإنسان برا وبحرا وجوا من جراء تخريب البيئة بالملوثات المختلفة،ومن جراء سلوكياته الخاطئة، وفي تفاعله غير الناجح مع بيئته.
وفي ضوء هذه الأدوار للتربية النظامية واللانظامية في توفير الحد الأدنى من التربية العلمية للمتعلمين والمواطنين، يرى الباحث أن برامج التربية النظامية تحظى بالكثير من الاهتمام على المستوى التخطيطي والتنفيذي في معظم المجتمعات العالمية وهي مصممة للطلبة على مقاعد الدراسة، أما برامج التربية لللانظامية فهي تختلف من بلد لآخر، ولكن تلاحظ عليها أنها لا تحظى بنفس القدر من الاهتمام مثل برامج التربية النظامية، وهذا لا يمنع من وجود اهتمامات كبيرة في هذا الجانب في بعض الدول، ومثال ذلك فرنسا التي أنشأت مدينة العلوم والتكنولوجيا وتم افتتاحها في آذار مارس (1986)، وهي أكبر مجمع بُني في فرنسا لتسهيل حصول جميع فئات الفرنسيين على العلم والتكنولوجيا،وهي تهدف إلى المساهمة في توفير التربية العلمية للمواطن (جمال الزعانين، 83: 2000م).
في ضوء ما تقدم تنامى إحساس الباحث بموضوع الدراسة الحالية للأسباب التالية:
1- الشعور بأهمية التربية العلمية لجميع المواطنين في العصر الحديث الذي نتعامل منه يوميا بقضايا العلم والتكنولوجيا.
2- توصيات العديد من المؤتمرات المحلية والعالمية حول أهمية التوعية العلمية للجماهير على اختلاف قطاعاتهم، ومنها مؤتمرات الجمعية المصرية للتربية العلمية الأول والثاني والثالث والرابع، ومؤتمر اليونسكو حول العلوم والتكنولوجيا المنعقد في باريس 1985.
3- المعتقدات الاجتماعية الخاطئة عند الجماهير الفلسطينية حول العلم والتكنولوجيا.
4- العادات الغذائية الخاطئة التي يمارسها بعض المواطنين في المجتمع الفلسطيني .
5- حالات الارتباك وعدم السيطرة وسوء التصرف في حالة التعرض للقصف الإسرائيلي الوحشي بسبب عدم اتباع إجراءات السلامة والوقاية.
6- إفراط المزارعين الفلسطينيين في استخدام المبيدات الحشرية والمخصبات الكيميائية المصنعة في إسرائيل دون معرفة مخاطرها (وزارة الزراعة الفلسطينية، 2006).
7- تعامل المواطنين الفلسطينيين اليومي مع البضائع والمنتجات الإسرائيلية خاصة الأغذية التي قد تكون انتهت مدة صلاحيتها، أو وجود بعض المواد غير المرغوبة فيها .
8- عدم القدرة على التصرف السليم عند التعرض للغازات السامة التي يطلقها الجيش الإسرائيلي على المتظاهرين الفلسطينيين، وذلك بسبب قلة الوعي العلمي لديهم (السلطة الوطنية الفلسطينية، 2006م).
9- الندوات التي ينظمها الدفاع المدني الفلسطيني بمشاركة المختصين في مجالات الفيزياء والتكنولوجيا لتوعية المواطنين بمخاطر التعرض للقذائف المشعة والغازات السامة التي تستعملها إسرائيل ضد الفلسطينيين .
وعلى هذا الأساس أمكن تحديد مشكلة الدراسة الحالية في السؤال الرئيس التالي:
- ما البرنامج المقترح للتربية العلمية في المؤسسات الإعلامية والثقافية الفلسطينية؟
وقد تفرع منه الأسئلة التالية:
1- ما التقديرات التقويمية لدور خطباء المساجد من وجهه نظرهم في التربية العلمية للمواطنين؟
2- ما التقديرات التقويمية لدور مراكز التثقيف الصحي في وزارة الصحة الفلسطينية من وجهه نظر العاملين فيها في التربية العلمية للمواطنين؟
3- ما التقديرات التقويمية لدور دوائر الأعلام والتربية البيئية من وجهه نظر العاملين بها في التربية العلمية للمواطنين؟
4- ما البرنامج المقترح للتربية العلمية في المؤسسات الدينية والمساجد للمواطنين الفلسطينيين؟.
أهمية الدراسة :
تكمن أهمية الدراسة الحالية فيما يلي:
1- تبحث الدراسة في مجال مهم من مجالات التربية العلمية وهو دور المؤسسات التربوية لللانظامية في التربية العلمية للمواطنين .
2- تقدم الدراسة تصورا مقترحا لبرنامج في التربية العلمية للمؤسسات التربوية اللانظامية في مجالات الصحة والبيئة والربط بين العلم والإيمان .
3- تساعد الدراسة في رسم سياسات واضحة للإعلام الفلسطيني في مجال نشر الوعي العلمي والثقافة العلمية للمواطنين .
مصطلحات الدراسة:
ورد في الدراسة عدة مصطلحات يمكن تعريفها إجرائيا كما يلي:
البرنامج المقترح :
يعرفه الباحث إجرائيا في هذه الدراسة بأنه مجموعة الأنشطة التي تنظمها المؤسسات التربوية والإعلامية ذات العلاقة لتحقيق أهداف واضحة للتربية العلمية تتعلق بالبيئة والصحة والثقافة العلمية، خلال فترة زمنية محددة أو في ظروف معينة.
التربية العلمية :
يقصد بالتربية العلمية في هذه الدراسة: إعداد الفرد للحياة في المجتمع ليكون قادرا علي توظيف العلم معرفة واتجاهات وسلوكا في حياته اليومية، وذلك من خلال برامج التربية النظامية واللانظامية التي توفرها المؤسسات المجتمعية ذات العلاقة.
التقديرات النوعية:
يقصد بها المجموع العام والنسبة المئوية التي يحصل عليها المبحوث في كل من استبانات الدراسة على جميع أسئلة هذه الاستبانات.
المؤسسات الإعلامية الفلسطينية :
يقصد بها في هذه الدراسة تلك المؤسسات الإعلامية والنظامية التي يتصل عملها مباشرة بالجماهير الفلسطينية فيما يتعلق بأمور التوعية العلمية سواء كانت صحية أو بيئية وغيرها، وتمثل هذه المؤسسات في هذه الدراسة في المساجد وسلطة البيئة وقسم التثقيف والتربية البيئية، ووزارة الصحة – قسم التثقيف الصحي.
منهج الدراسة:
استخدم الباحث المنهج الوصفي التحليلي الذي يستند إلى وصف الظاهرة وتحليلها في إعداد أدوات الدراسة مثل الاستبانات بأنواعها وتطبيقها على العينة وجمع البيانات وتحليلها إحصائياً.
حدود الدراسة:
جرت الدراسة وفق الحدود التالية:
1- تقتصر التقديرات التقويمية على العاملين في مراكز الإعلام والتوعية في وزارات البيئة والصحة والأوقاف.
2- يقتصر البرنامج المقترح على التوعية العلمية لخطباء المساجد في محافظات غزة.
3- تمت دراسة أدوار المؤسسات المحددة في البحث في شهر سبتمبر من العام 2006.
الإطار النظري والدراسات السابقة:
أولا: الإطار النظري:
تشير أدبيات البحث العلمي والدراسات المستقبلية إلى أن الغد القريب سيصبح عصر المعلومات الغزيرة، وعصر المستحدثات التكنولوجية والهندسة الوراثية، وهندسة الجينات، والجينوم والبيولوجيا الجزئية، كما ستتفاقم مشكلات البيئة نتيجة تدخل الإنسان، وستتزايد مشكلات إنتاج الغذاء نتيجة التزايد السكاني، كما ستتزايد بعض الأمراض الصحية والنفسية والاجتماعية المرتبطة بهذا التزايد من جانب،ووجود أمية القراءة والكتابة من جانب آخر،ونقص الوعي العلمي لدي كثير من الشباب، ويستلزم ذلك إعداد أفراد ذوي سمات خاصة،يستطيعون التكيف مع التغيرات العلمية والتكنولوجية الحادثة والتي ستحدث مستقبلا،كما يستلزم ذلك احتياجنا إلي تصور جديد للتربية العلمية باعتبارها ركيزة هامة من ركائز التربية بوجه عام،ومواجهتها للتطورات العلمية التي ستحدث مستقبلا (محمد علي نصر، رؤية مستقبلية، 2000م).
ويري (محمد صابر سليم) أن العلم حقق إنجازات هائلة في مختلف المجالات، خاصة في مجال التقنيات البيولوجية (Biotechnology)، والهندسة وغيرها من الميادين، لذا فإنه من الطبيعي أن تتغير نظرتنا نحو تدريس العلوم، وتبسيط ونشر العلم،بحيث نعمل على تربية الشباب والمواطنين لكي يكونوا قادرين على التعايش مع العصر الحديث، وعلى تحمل المسئولية في تطوير مجتمعهم وتقدمه وليكونوا أيضا قادرين على مواجهة المشكلات الفردية والاجتماعية بالأسلوب والطريقة التي تناسب الاختراعات الجديدة التي لا بد من استخدامها وتفهمها وتوفير وسائل الأمان في تناولها لكي تصبح أدوات نافعة تفيده وتخدمه ولا تدمره (محمد صابر سليم، 1998م).
ومن ناحية أخري يري "نصر" أن التربية العلمية تلعب دورا مهما في التنوير العلمي لأفراد المجتمع من خلال نشر الثقافة العلمية على شكل معلومات علمية وظيفية تتناول بعض مشكلات المجتمع وكيفية مقاومتها والتغلب عليها، ومنها مشكلات تلوث البيئة، نقص الوعي فيما يتعلق بالنظافة والصحة، نقص المياه والاستهلاك الأمثل لها، نقص الوعي الديني والعلمي فيما يتعلق ببعض الأمراض كالإيدز والإدمان والتدخين، وعدم ترشيد استخدام الطاقة وغيرها من المشكلات ويمكن استخدام وسائل متعددة لتحقيق هذا التنوير لدى أفراد المجتمع من خلال عدة قنوات مثل:
- وسائل الإعلام المختلفة: المسموعة والمرئية والمقروءة.
- الندوات والمحاضرات العامة.
- الأنشطة المختلفة للجمعيات والنوادي .
- إصدار كتيبات علمية مبسطة تتناول موضوعات علمية مختلفة في مجال الثقافة العلمية .
ويمثل تبسيط العلوم للجماهير أحد أهم وسائل نشر الثقافة العلمية بشكل واضح يدفع أبناء الأمة للإقبال على الثقافة العلمية واستيعابها.
وفي الاتجاه نفسه يري (ديلاكوت) أن الجهات الرسمية العاملة في ميادين العلوم والتكنولوجيا مطالبة بنشر المعلومات العلمية للجماهير لأسباب عديدة منها:
- تحقيق الاعتراف بأهمية العلم في المنجزات التكنولوجية والصناعية في الوقت الحاضر.
- تسهيل حصول جميع فئات الناس على المعارف العلمية.
- عدم تمثيل فكرة التقدم وحدها، بل بما يرافقها من مخاطر متصلة بها.
- تنبيه الرأي العام والحكومة إلى حقيقة أن الأبحاث العلمية والاكتشافات متطلبات لا يستغني عنها للتقدم البشري كله.
- إثارة الاهتمام بالمهن العلمية بين النشء أملا لهذه المهن مستقبلا.
من ناحية أخري يري (سوندر) أن هناك حاجة ضرورية لمعرفة الجماهير لبعض أسس العلم والتكنولوجيا في الوقت الراهن،خاصة فيما يتعلق بالتغيرات في البيئة العلمية والوقود الصناعي والطاقة، وذلك في اعتقاده بسبب تزايد مشكلات البيئة وما يتصل بها من سلوك المواطنين، وكذلك تزايد القلق من نفاذ الوقود مستقبلا، وتزايد الطلب على الطاقة في الوقت الحالي والمستقبل، وهذه المجالات تعتبر من أركان الحضارة العلمية والتكنولوجية المعاصرة، لذا فإن الثقافة العلمية للمواطنين في هذه المجالات تعتبر في غاية الأهمية.
كما يسهم في تطوير مصادر الطاقة من خلال الأبحاث المتطورة في مجالات البترول والطاقة النووية والطاقة الشمسية وغيرها وهذه المجالات تستدعي توفير الثقافة العلمية للمواطن الذي يتعامل معها يوميا، بطريقة تكفل له حسن استغلالها وتوفير أسباب الاستخدام الأمثل والآمن لها لتوفير احتياجاته، وإبعاد الخطر الذي قد يلحق به في حالة الجهل بها (ماكس بيرنز، 1999م).
كما يرى (الديب وعميرة)، أن شباب العالم العربي بحاجة إلى تربية علمية لكي تتمكن مجتمعاتنا من اللحاق بالركب العلمي وتستغل مصادر البلاد بكفاءة وإخلاص لكي يواجه العالم العربي التحديات المختلفة التي تواجهه في مرحلة مهمة من تطوره، وهي النهضة الشاملة في جميع أركانه.
وفي الاتجاه نفسه يرى (الزعانين) وجود بعض التعارضات بين التقدم العلمي من جهة، والمعتقدات الاجتماعية في المجتمع الفلسطيني وغيره من المجتمعات النامية من جهة أخرى، وتنشأ هذه التعارضات لعدم إلمام أفراد المجتمع بالمبادئ الأساسية لتطور العلم والتكنولوجيا وأثرهما على المجتمع، كما أن جهل الأفراد بالعلوم الطبيعية البحتة وتطبيقاتها التكنولوجية تجعلهم يرفضون ما هو جديد في ميدان العلم والتكنولوجيا، خصوصا إذا كانت هذه المستجدات تتعارض مع المعتقدات الشائعة الخاطئة في المجتمع، ويكاد لا يخلو أي مجتمع من مثل هذه المعتقدات، والمجتمع الفلسطيني حاله كحال المجتمعات النامية الأخرى، يوجد فيه هذا التعارض، خصوصا وأن نسبة كبيرة من أفراده لم ينالوا حقهم من التعليم، والأمثلة على هذا التعارض كثيرة نذكر منها ما يلي:
عند ظهور تكنولوجية معينة جديدة لجهاز ما أو طريقة ما، فإنه في البداية يلاحظ عزوف الناس عنها، ففي بداية ظهور الأطعمة المجمدة كاللحوم والأسماك والدواجن، رفض الكثير من أفراد المجتمع تناولها لاعتقادهم أنها تفقد قيمتها الغذائية، أو يصيبها التسمم.
كذلك لجوء بعض أفراد المجتمع الفلسطيني لأساليب الطب الشعبية البعيدة كل البعد عن القواعد والمبادئ العلمية، ولازالت بعض هذه الأساليب متبعة حتى الآن علي الرغم من التقدم الهائل في مجال الطب والعقاقير.
في ضوء ما تقدم يري الباحث ضرورة التربية العلمية للمواطنين من خلال برامج التربية النظامية و اللانظامية للأسباب التالية:
1- جسر الهوة بين الحقائق والمفاهيم والنظريات العلمية من جهة، والمعتقدات الاجتماعية حول العلم من جهة أخري:
لا شك أن زيادة التفكير الخرافي في أي مجتمع، ناجم عن غياب التفكير العلمي، وهذا النمط من التفكير لا يمتلكه الفرد ما لم يتعرف إلي حقائق ومفاهيم ونظريات علمية، وللمساهمة في تنمية التفكير العلمي لدي أفراد المجتمع، فإنه من الضروري نشر المعرفة العلمية علي مستوي الجماهير وتوفيرها للأفراد بما يكفل لهم التعامل معها واستيعابها، وبالتالي تنمية أساليب التفكير العلمي لديها، وخلق الاتجاهات الإيجابية عندهم نحو العلم والتكنولوجيا، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في الحد من الاعتماد علي التفكير الخرافي.
2- تفاعل العلم مع مختلف أركان الحضارة المعاصرة:
تعتمد الحضارة المعاصرة بشكل أساسي على العلم والتكنولوجيا، وأصبح امتلاك العلم والتكنولوجيا سببا مهما للتعايش والتفاعل مع هذه الحضارة، كذلك لا يمكن لأي مجتمع في الوقت الحاضر التفاعل مع الحضارة العالمية، ما لم يكن قادرا على التفاعل مع العلوم والتكنولوجيا وما يسفر عنهما من تجديدات واختراعات تؤثر في العلاقات الدولية ومقومات الاقتصاد الوطني والعالمي.
3- مواءمة الطبيعة الاقتحامية للعلوم والتكنولوجيا:
لا يغيب عن بال أحد أن التطور الهائل في وسائل الاتصالات والمواصلات، ساهم بشكل كبير في حركة تبادل المعلومات العلمية وسرعة انتشارها عبر شبكات الإنترنت العالمية، كذلك سرعة انتشار المخترعات التكنولوجية بحيث أصبحت تظهر في كل من الدول المتقدمة والدول النامية على حد سواء،وفي هذا السياق يري (نصر) أن الطبيعة الاقتحامية للتكنولوجيا تتزايد، حيث من المتوقع أن تظهر المزيد من النظم التكنولوجية المتطورة خلال القرن الحادي والعشرين نتيجة اهتمام بعض الدول المتقدمة بإجراء البحوث والدراسات في مجال اختراع الأجهزة التكنولوجية وما يصاحبها من إنتاج برامج تعليمية.
ولا شك أن هذه التوقعات تحتاج إلي توفر الحد الأدنى من العلم والتكنولوجيا لأفراد المجتمع الذين يجدون أنفسهم أمام هذه التغيرات وعليهم استيعابها والتعايش معها دون حدوث أي خلل.
4- مساعدة المواطنين على التكيف مع التغيرات العلمية والتكنولوجية واستيعابها:
في هذا المجال يرى (LINDER, S. the role of science policy) أن هناك حالة من عدم التوازن بين التطور العلمي والتكنولوجي، وبين سعة المجتمع للسيطرة على التطور واستيعابه والتكيف معه، وقد تسببت هذه الحالة في ظهور مجموعات ومنظمات في الغرب تحارب التطورات العلمية والتكنولوجية، خاصة تلك التي تتعلق باستنزاف موارد البيئة الطبيعية والصناعات الثقيلة التي تلوث البيئة، والمخترعات التكنولوجية التي يسبب استخدامها مشكلات صحية كالسرطان وغيره من الأمراض الخطيرة.