فاعلية برنامج مقترح عن الأماكن التاريخية فى تنمية بعض المفاهيم الأثرية لتلاميذ المرحلة الإعدادية
بحث فردي منشور بمجلة الجمعية التربوية للدراسات الاجتماعية، العدد الحادى عشر، أبريل 2007م
المقدمة:
يعتقد البعض أن دراسة التاريخ تقتصر على التاريخ السياسى والعسكرى فقط ، ولكن التاريخ بمفهومه الواسع هو تاريخ الإنسان على مستوى كافة مجالات نشاطه من ؛ سياسة واقتصاد وفنون وعمارة وأدب، وقد انعكس هذا الاعتقاد وتلك النظرة على طبيعة مناهج التاريخ بصفة عامة ؛ حيث ركزت فى مجملها على الأعمال والمعارك التى خاضها القادة والملوك، من خلال سرد العديد من التفاصيل والتواريخ التى قد تجعل المتعلم يشعر بأن التاريخ ما هو إلا سلسلة من الحروب والكوارث وأعمال القسوة التى لا طائل من ورائها ؛ فى حين لم تهتم مناهج التاريخ الاهتمام الكافى بإلقاء الضوء على الجانب الحضارى الذى يعكس تقدم العمارة والفنون والآداب.
وقد ترتب على اهتمام مناهج التاريخ بالجانب السياسى والحربى على حساب الجانب الحضارى ، مشكلات أخرى؛ حيث اهتم معظم المتعلمين بحفظ تسلسل الأحداث التاريخية ، فى حين يفتقرون إلى المعلومات الكافية عن الجانب الحضارى والمادى الذى تزامن مع تلك الحقب والأحداث التاريخية، فعلى سبيل المثال قد يتعرف المتعلم أبرز الأعمال السياسية والحربية التى قام بها كل من صلاح الدين الأيوبى والناصر قلاوون، والظاهر بيبرس، وقنصوه الغورى، ولكنه لا يعرف إلا القليل عن الآثار المعمارية من مساجد ومدارس دينية وأسبلة وخانات وقلاع ... التى تم بناؤها فى عهد هؤلاء الحكام، وقد يمر المتعلم على هذه الأماكن ويشاهدها باستمرار؛ سواء على الطبيعة أو من خلال الصور ووسائل الإعلام المختلفة، ولكنه لا يلتفت إليها ولا يدرك أهميتها الحضارية، ومدى علاقتها بالأحداث التاريخية التى يقوم بدراستها، وهذا يُعد فصلاً جائرًا بين البعد الزمانى والبعد المكانى اللذين يعتمد عليهما تدريس التاريخ.
من هنا كان السعى نحو إعادة النظر فى طبيعة محتويات مناهج التاريخ ، وطرق تدريسها، لجعل مادة التاريخ مادة حية وشائقة ونابضة بالحركة، وذلك بتضمين الأماكن والمبانى التاريخية فى محتوى مناهج التاريخ باعتبارها مصدرًا مهمًا من مصادر دراسة التاريخ، فدراسة المتعلم للتاريخ فى أماكنه الحقيقية التى شهدت الأحداث ينطوى على فائدة كبيرة؛ فهو بمثابة دراسة لمسرح الأحداث التاريخية على الطبيعة. فزيارة المتعلم للأماكن التاريخية - سواء على الطبيعة أو من خلال مشاهدتها بالوسائط المتعددة التفاعلية عبر شبكة المعلومات الدولية – تجعله كأنه يتجول داخل صفحات التاريخ، فكل مبنى تاريخى له قصة، وحدثت خلف جدرانه، وداخل أروقته الكثير من الأحداث التاريخية، ومن خلال دراسة هذه المبانى سيتعرف المتعلم مكونات المبنى وطرازه المعمارى، ويشاهد الزخارف والنقوش والكتابات التى تزين جدرانه، وهو ما يؤدى إلى وجود رابطة قوية بين المتعلمين وبين الأماكن والمبانى التاريخية ، كما أنهم سيتحررون من قيود قاعات الدراسة ومن الطرق التى تعتمد على التلقين، وكل هذا سيساعد على تحويل الحقائق والمفاهيم التاريخية والأثرية المجردة التى يصعب فهمها إلى حقائق ومفاهيم ملموسة ومرئية.
مشكلة البحث:
مشكلة البحث تتمثل فى عدم تضمين الأماكن التاريخية- على الرغم من أهميتها - بصورة مناسبة فى محتوى مناهج التاريخ، مما أدى إلى وجود صعوبات فى اكتساب التلاميذ للعديد من المفاهيم الأثرية المرتبطة بمكونات ومحتويات تلك الأماكن التاريخية ؛ لذلك فإن البحث يهدف العمل على علاج تلك المشكلة من خلال وضع تصورا عاما لبرنامج مقترح عن الأماكن التاريخية التى يمكن تضمينها فى محتوى مناهج الدراسات الاجتماعية بالمرحلة الإعدادية، وبناء وحدة دراسية من هذا التصور بهدف تنمية بعض المفاهيم الأثرية المتضمنة فى هذه الوحدة لدى التلاميذ.
ولدراسة هذه المشكلة يحاول البحث الإجابة عن الأسئلة التالية:
1. ما التصور لبرنامج مقترح عن الأماكن التاريخية لتنمية بعض المفاهيم الأثرية لتلاميذ المرحلة الإعدادية ؟
2. كيف يمكن بناء وحدة من هذا البرنامج المقترح عن العمارة الإسلامية لتلاميذ الصف الثانى الإعدادى؟
3. ما فاعلية تدريس الوحدة فى تنمية بعض المفاهيم الأثرية لدى تلاميذ الصف الثانى الإعدادى؟
أهمية البحث:
تتمثل أهمية البحث فيما يلى:
1. يقدم برنامجا مقترحا عن الأماكن التاريخية التى يمكن دراستها ضمن محتوى مناهج الدراسات الاجتماعية بالمرحلة الإعدادية.
2. يقدم وحدة دراسية عن العمارة الإسلامية، يمكن الإفادة منها فى تطوير محتوى مناهج التاريخ.
3. يقدم دليلا للمعلم يتضمن بعض طرق التدريس التى يمكن إتباعها، كما يتضمن نشاطات تدريسية مناسبة لتنمية المفاهيم الأثرية.
4. يقدم اختبارا لقياس نمو المفاهيم الأثرية لدى تلاميذ الصف الثانى الإعدادى، يمكن الإفادة منه فى تقويم التلاميذ بالمرحلة الإعدادية.
حدود البحث:
التزم البحث بالحدود التالية:
1. وضع إطارا عاما لبرنامج مقترح عن الأماكن التاريخية التى يمكن دراستها ضمن محتوى مناهج الدراسات الاجتماعية بالمرحلة الإعدادية.
2. بناء وحدة عن العمارة الإسلامية وتجربتها ميدانيا على تلاميذ الصف الثانى الإعدادى.
3. تنمية بعض المفاهيم الأثرية المرتبطة بالعمارة الإسلامية.
4. عينة من تلميذات الصف الثانى الإعدادى من مدرسة (طنطا الإعدادية الحديثة للبنات)
منهج البحث:
استخدم البحث المنهج الوصفى فى وضع البرنامج المقترح، وفى بناء الوحدة المقترحة، واختبار المفاهيم الأثرية، كما استخدم المنهج التجريبى فى تطبيق الوحدة المقترحة، وتطبيق اختبار المفاهيم على عينة البحث.
إجراءات البحث:
أولاً: وضع الإطار العام للبرنامج المقترح عن الأماكن التاريخية المرتبطة بمناهج الدراسات الاجتماعية بالمرحلة الإعدادية.
وقد اشتمل على ما يلى:
1- الأهداف العامة للبرنامج المقترح.
2- قائمة بأهم الأماكن التاريخية المرتبطة بمحتوى مناهج الدراسات الاجتماعية بالمرحلة الإعدادية، وأهم طرق واستراتيجيات التدريس، والوسائل والمواد والنشاطات التعليمية، وأدوات التقويم التى تساعد على تنمية وتقويم المفاهيم الأثرية.
3- قائمة ببعض المفاهيم الأثرية المرتبطة بالأماكن التاريخية التى ورد ذكرها بالبرنامج المقترح.
ثانيًا: بناء الوحدة المقترحة
وقع الاختيار على بناء وحدة مقترحة تشتمل على بعض الأماكن والمبانى التاريخية التى تضمنت فى البرنامج المقترح، والتى ترتبط بمحتوى منهج الدراسات الاجتماعية بالصف الثانى الإعدادى، لتكون بمثابة نموذجا يمكن الاسترشاد به عند تضمين الأماكن التاريخية فى محتوى مناهج الدراسات الاجتماعية فى المستقبل.
وهذه الوحدة بعنوان (نماذج من الآثار والعمارة الإسلامية فى مصر) وقد اشتملت الوحدة على خمسة موضوعات دراسية، وتم مراعاة أن تعكس الموضوعات طبيعة العمارة الإسلامية.
قائمة المفاهيم الأثرية:
اشتملت الوحدة المقترحة على بعض المفاهيم الأثرية المرتبطة بالعمارة الإسلامية، وقد تم تعريف تلك المفاهيم بالرجوع إلى بعض المصادر التاريخية المتخصصة.
ثالثًا: إعداد دليل المعلم
تم إعداد دليل للمعلم لكى يسترشد به فى تدريس تلك الموضوعات، ويتضمن الدليل مقدمة عن أهمية استخدام الأماكن والمبانى التاريخية فى مناهج التاريخ، ودورها فى تنمية المفاهيم، والأهداف العامة للوحدة المقترحة، ومصادر التعلم المناسبة، وطرق وإجراءات التدريس، والنشاطات المصاحبة لكل موضوع، وأساليب التقويم المناسبة، ويشتمل الدليل على درسين نموذجيين يمكن للمعلم للاسترشاد بهما عند تدريس بقية موضوعات الوحدة.
رابعًا: إعداد اختبار المفاهيم الأثرية
يهدف هذا الاختبار إلى قياس مدى اكتساب التلاميذ – عينة البحث – للمفاهيم الأثرية المرتبطة بالعمارة الإسلامية بعد دراستهم لموضوعات الوحدة المقترحة، وقد روعى عند بناء الاختبار تضمين جميع المفاهيم الأثرية التى وردت فى موضوعات الوحدة ، وعددها (32) مفهوما فى أسئلة الاختبار.
خامسًا: تطبيق الاختبار وتدريس الوحدة
بلغت عينة البحث (39) تلميذة من تلميذات الصف الثانى الإعدادى فصل (2/7) بمدرسة طنطا الإعدادية الحديثة للبنات.
تم تطبيق اختبار المفاهيم الأثرية على تلميذات العينة قبل تدريس الوحدة المقترحة، وذلك فى منتصف شهر مارس 2007م، وتلى ذلك تدريس دروس الوحدة المقترحة .
نتائج البحث وتفسيرها
بعد الانتهاء من تدريس موضوعات الوحدة تم تطبيق اختبار المفاهيم تطبيقا بعديا للتحقق من فرض البحث، حيث تم حساب متوسطى الدرجات، والانحراف المعيارى، وقيمة (ت) التى بلغت (30) وهى دالة عند مستوى (01,) مما يشير إلى وجود فرق دال إحصائيا بنسبة عالية بين المتوسطين لصالح الأداء البعدى على اختبار المفاهيم الأثرية، وبذلك يتم قبول فرض البحث.
ويعزو الباحث هذا الفرق إلى فاعلية الوحدة بما اشتملت عليه من موضوعات تناولت بالتفصيل بعض المبانى التاريخية التى تعبر عن العمارة الإسلامية، والتى تم تزويدها بدليل مصور يتضمن العديد من الصور التى توضح تفاصيل مكونات العمارة الإسلامية ، بالإضافة إلى استخدام اسطوانات CDs التى تضمنت العديد من الصور التى توضح المفاهيم الأثرية المرتبطة بالعمارة الإسلامية، وهذه الصور يصاحبها شرح مبسط عن طبيعة المبنى وطرازه المعمارى، وكذلك استخدام بعض شرائط الفيديو التى عرضت بعض الأفلام التسجيلية والوثائقية عن بعض نماذج من العمارة الإسلامية، هذا بالإضافة إلى قيام التلميذات بتنفيذ النشاطات التعليمية التى ذكرت فى كل موضوع، خاصة القيام بزيارة لبعض نماذج من العمارة الإسلامية التى توجد فى البيئة المحلية (سبيل على بك الكبير، مسجد السيد البدوى) وكذلك اشتمال الوحدة على أساليب تقويم ركزت على تقويم المفاهيم الأثرية التى وردت فى موضوعات الوحدة.
توصيات البحث:
فى ضوء طبيعة العينة، وما أسفرت عنه نتائج البحث؛ فإنه يوصى بما يلى:
1. تضمين محتوى مناهج التاريخ فى كافة المراحل والصفوف الدراسية بالأماكن والمبانى التاريخية التى تمثل مختلف العصور التاريخية، بحيث يخصص لها وحدة مستقلة تتناسب مع درجة أهميتها التاريخية والحضارية والتربوية.
2. مراعاة اعتماد طرق التدريس على استخدام الوسائل والمواد التعليمية التى تعتمد على الوسائط المتعددة الحديثة، وذلك أثناء عرض الصور والخرائط والأفلام التسجيلية والوثائقية الخاصة بالأماكن والمبانى التاريخية، والعمل على تزويد المتعلم باسطوانات CDs مسجل عليها صور لأهم الأماكن والمبانى التاريخية، وكذلك استخدام المواقع التاريخية والأثرية الموجودة على شبكة المعلومات الدولية؛ لأن تلك الوسائل والمصادر تساعد على تنمية فهم المتعلم للمعلومات والمفاهيم والحقائق المختلفة.
3. العمل على تخطيط وتنفيذ نشاطات تعليمية تركز على عمل زيارات ميدانية للأماكن والمبانى التاريخية التى تتواجد بالقرب من بيئة المتعلم؛ لأنه لا شيء يفوق أن تأخذ المتعلم لمشاهدة الأماكن والمبانى التاريخية على الطبيعة.
4. تدريب معلمى التاريخ على مهارات استخدام الأماكن والمبانى التاريخية أثناء قيامهم بعملية التدريس وذلك على المستويين التخطيطى والتنفيذى، وذلك بهدف تنمية مهارات التفكير التاريخى، وتنمية الحس الجمالى، والوعى والأثرى لدى المتعلم.
5. إيجاد نوع من التنسيق والتعاون بين كل من رجال التربية الذين يتولون مسئولية تخطيط وبناء مناهج التاريخ، والمتخصصين فى علم التاريخ، والمتخصصين فى العمارة والفنون والهندسة، بالإضافة إلى الجهات المسئولة عن تصميم المواقع الحكومية على الشبكة الدولية للمعلومات، وذلك بهدف تسجيل ووضع جميع الأماكن والمبانى التاريخية فى كافة أنحاء مصر على موقع مخصص لذلك يليق بعظمة تاريخ مصر، بحيث يمكن للمتعلم والمعلم وجميع المهتمين بدارسة وتدريس التاريخ زيارته والاستفادة من مادته العلمية، وفى ذات الوقت يكون واجهة حضارية لمصر.
6. تطبيق مبدأ التقويم الشامل عند تقويم المتعلم بحيث لا يقتصر تقويمه على الاختبارات التحريرية فقط، وبالتالى يمكن تشجيعه على تنفيذ النشاطات التعليمية المختلفة المرتبطة بدراسة الأماكن والمبانى التاريخية، كإجراء البحوث القصيرة، وكتابة التقارير، وجمع والتقاط الصور التاريخية.