أصغر مخترع يكسر عزلة الصم والبكم لم يكن سلطان الغامدي ابن الـ15 ربيعا يعرف الفيلسوف الذي قال حكمة «من رحم المعاناة تولد الأفكار..»، لكنه كان يبحث عن حل لمعاناة 720 ألف شخص ترتسم فوق وجوههم علامة كبيرة من الحزن ويشكلون نسبة 4 % من سكان السعودية.
لطالما شعر بالقهر للمعاناة التي يمر بها والده يوميا، ولطالما بكى على ما يعانيه أصحاب القصص المؤلمة، فأراد أن يضع حدا للقصص التي يرويها الأب كل مساء، وسرعان ما تبدلت دموعه لضحكات، ضحك مرتين الأولى عندما دعاه والده للجلوس مع من سيحول له الحلم لحقيقة، والثانية عندما أبلغه الأب أن شركة البرمجيات جهزت له عقد الاختراع، فور الانتهاء من معرض ابتكار.
بالأمس زارت الابتسامة الأولى وجه سلطان سعيد محمد الغامدي الطالب في الصف الثاني المتوسط بمدرسة أم القرى الأهلية بمدينة الرياض، بعد أن أخبره والده أنه سيجلس وجها لوجه مع مدير شركات كبرى متخصصة في البرمجيات ليوقع عقدا لتحويل فكرة اختراعه بإنشاء «لوحة مفاتيح» تحقق التواصل المباشر مع الصم والبكم دون الحاجة إلى تعلم لغة الإشارة.
وأغمض سلطان عينيه قليلا وهو يجلس داخل أحد أركان معرض «ابتكار 2010» المقام حاليا برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بجدة، وتخيل الوضع بعد أعوام قليلة عندما تصبح هناك لغة حوار مشتركة مع هذه الفئة الغالية تدفعهم إلى الاندماج مع المجتمع.
معاناة الأصم
سلطان الذي يعتبر نفسه أصغر مخترع سعودي، 15 سنة، يعتبر أن القصة لم تبدأ فجأة، لكنها كانت محصلة أعوام من الترقب والقلق والحزن: «كنت أجلس يوميا لأسمع حكايات والدي الذي يعمل في فرع خدمة العملاء بشركة المياه الوطنية وهو يسرد لنا معاناة أصم زاره لإنهاء أحد أموره الحياتية، لكنه لم يفلح في التواصل مع الموجودين في المكتب، لم يكن يدري أنه يصدمني كل يوم بمعاناة جديدة مع الصم والبكم الذين لا يستطيع التعامل معهم، حتى وصل الأمر بالنسبة لي إلى حد الانفجار، لكنه من النوع الإيجابي فقد بدأت البحث عن فكرة تنهي هذه الآلام لدى قطاع عريض من الصم والبكم الذين يشكلون نسبة كبيرة من المعاقين في السعودية، خطرت على بالي فكرة، قلت لوالدي لماذا لا يتواصلون معكم من خلال لوحة المفاتيح في الكمبيوتر؟ لكنه صدمني من جديد عندما أبلغني: ألا تدري أن أغلب الصم والبكم لا يعرفون الكتابة والقراءة أصلا؟ ازدادت حيرتي لكنها لم تستمر كثيرا، فقد فكرت في استبدال الحروف الموجودة في لوحة المفاتيح إلى صور لليد، فمثلا نرفع صباح السبابة واحده مع حرف الألف، ونرفع أصبعين مع حرف الباء، وثلاثة مع «ج» وهكذا، وتكليف الفكرة لا يتطلب إلى تكلف تقني، إنما برمجة فلاشية متأثرة بعكسية الحروف للصور، وتعريف كل حرف بصورة حركة تقابله في المعنى شرح أكثر تفصيلا».
انبهار وعقد
أنهى سلطان فكرته التي عرضها على والده، فأبهرته، ليطلب منه مرافقته على وجه السرعة إلى مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للإبداع والموهبة «موهبة»: «هناك سجلت اختراعي وبدأت فكرتي تخرج إلى النور بعد أن وقفوا بجانبي وساعدوني بشتى الطرق، ولم يتوقف الأمر على ذلك، بل عرضنا الاختراع على إحدى شركات البرمحة، حيث إن الأمر يحتاج إلى برنامج لعرض صور حركات إشارة الصم والبكم بوسيلة كتابة الكلمة بالأحرف العادية ومنها ذلك البرنامج الذي يعكس الحروف إلى صور إشارية لحركات يد لغة الصم والبكم ومنها يفهم المتلقي كتابة الشخص الصحيح دون أن يكون «الشخص الصحيح» عالما بلغة الإشارة، وبهذه الفكرة تستطيع بالممارسة نشر وتعلم لغة الإشارة للعالم من دون أي دراسة منهجية؛ فالمعروف أن الدراسة المنهجية لا تنجح كنجاح التعليم غير المباشر من دون أمر التعلم، ومنها أيضا تختفي حواجز اللغة بين الأصحاء والبكم والأصم، ونستطيع أيضا أن نعكس البرنامج ويكتب بالصور لحركات اليد وتعكس حروف للشخص الآخر».
سخرية وضحكات
يضحك سلطان عندما يتذكر «سخرية» بعض زملائه عندما عرض عليهم الاختراع، لكنه يشعر الآن بالتفاعل بعد أن أخبره والده أن شركة البرمجيات جهزت عقودها وتنتظره بعد نهاية معرض ابتكار لتوقيع عقد إنشاء البرنامج الذي سيكسر عزلة هذه الفئة الغالية ويسهم في رسم ابتسامة عريضة على وجهها.
يحلم سلطان أن يكون «عالم كيمياء»، ويأمل أن يسير شقيقه «علي» ذو الثمانية أشهر، وشقيقاته الصغيرات ربا وريما وريوف على نفس دربه يعشقون أيضا الابتكارات، فهو يدرك ومعه كثير من الموهوبين أن المستقبل لن يعترف إلا بالأقوياء الذين ينتزعون حقهم في الحياة بأفكارهم قبل أموالهم .