ياله من مصطلح له وقعه الرنان ، وياله من حلم رواد خيال البشرية دهوراً وألهب همة العلماء والادباء .
ففي العام 1895 قدم الروائي الإنجليزي المعروف هاربرت جورج ويلز روايته الشهيرة آلة الزمن ليسرد وقائع قصة خيالية رائعة بمعني الكلمة استطاع بطلها ابتكار آلة جهنمية تمكنه من السفر عبر الزمن نحو الماضي أو نحو المستقبل ،
وبعد هذا التاريخ بعشر سنوات وتحديداً في العام 1905 وضع العالم الداهية ألبرت أينشتين نظريته النسبية الخاصة ليفتح بها فتحاً جديداً ويقلب موازيين العلوم الفيزيائية والرياضية رأساً علي عقب ،
حطم كل الثوابت وانطلق يحلق بعقله الجبار في سماوات مفتوحة علماً ودراية ، فلم يُقر بأن نبوءة ويلز ممكنة وحسب بل أضاف عليها أنه يمكن السفر في الزمان والمكان في آن واحد . كما أنه أثبت أن بجانب الأبعاد الثلاثة المعروفة – الطول والعرض والارتفاع – هناك بعد رابع وهو الزمن ، فإذا حاولنا وصف جسم ما فلابد من تحديد طوله وعرضه وارتفاعه أو سُمكه ثم زمن تواجده . وأنه بالمثل كما يمكننا التحرك خلال الأبعاد الثلاثة يمكننا ايضاً التحرك خلال البعد الرابع وهو الزمن .
وبعد هذه الثورة الجريئة عاد أينشتين وقدم نظريته النسبية العامة في العام 1915 والتي كانت وسابقتها تثبت بالأدلة العلمية والمعادلات الرياضية إمكانية السفر عبر الزمان والمكان ، لكن حائط السببية كان يقف في وجه هذه الفكرة المجنونة ، فلو سافر شخصاً ما بآلة الزمن إلي الماضي ليغير أمراً ما فإن هذا سيتسبب في تغيير مجري التاريخ ككل وهذا ولا شك عبث غير منطقي .
لكن الحقيقة أن عقل أينشتين كان يمضي في طريق آخر بعيداً كل البُعد عن هذه السخافات والشطحات الفلسفية العقيمة ، فهو لم يقدم نظريته لكي يأتي مخبولاً فيصنع آلة خيالية يغيير بواسطتها تاريخ العالم ، بل أن نظره كان معلقاً علي الفضاء وسبر غموض هذا الكون الفسيح بالسفر إلي مجراته البعيدة ونجومه وكواكبه ..
ولكن كيف ؟
إنه ولا شك أمر مستحيل في ظل النظريات العقيمة وتلك الآلات المتخلفة التي أفرزتها أذهان البشر . ولنا أن نتخيل أن الرحلة إلي أقرب نجم للأرض بعد الشمس تستغرق مليون سنة ، لكن المسافات الكونية تحسب بالسنوات الضوئية بمعني أنه لو هناك مركبة فضائية تسافر بسرعة الضوء – وهذا بالطبع غير موجود – فسوف تستغرق هذه المركبة ملايين السنوات الضوئية للوصول إلي طرف المجرة ، فما بالنا بالكون الشاسع الذي يحتوي على ملايين المجرات . هذا إلي جانب أن السفر بتلك السرعة المهولة – وأعني سرعة الضوء – له آثار بالغة الخطورة ، فقد تحدث أينشتين بأننا لو تخيلنا رواد فضاء في مركبة تطوي سديم الكون بسرعة الضوء ، واستغرقت رحلتهم مدة عام ، فإنهم سوف يعودوا إلي الأرض ليجدوها قد مضي عليها حوالي 25 عام وهذا ما يعنيه مصطلح تمديد الزمن ، حيث أن الزمن يبطئ من إيقاعه في حالة السرعات العالية . وهذا ما يعنيه اختراق حاجز الزمن .
إنه كلام علمي أثبته العلماء بالتجارب وليس سفسطة
لكننا حقيقة - وهذا ما أثبتته التجارب أيضاً اعتماداً علي النظرية - يمكن أن نصل هذا المدى في الكون دون الحاجة إلي تلك المركبة الخرافية ودون الحاجة إلي ذلك الزمن السرمدي
وبعيداً عن المصطلحات العلمية والبراهين ، فإن السؤال عن السفر عبر الزمان والمكان مقصود به طوى تلك المسافات المهولة في الفضاء عن طريق كسر حاجز الزمن سواء عن طريق الثقوب السوداء أو عن طريق الأنفاق الزمنية الدودية أو ما إلي ذلك من النظريات التي تطالعنا ولا يتسع المجال بالطبع للحديث عنها .
والخلاصة أن العلماء بنظرياتهم وتجاربهم وإثباتاتهم التي تثير الدهشة قد وضعوا تصوراً مقبولاً لفهم كيفية الانتقال الآني أي انتقال جسم من مكان ما في الكون إلي مكان آخر في التو ليطوي الزمان والمكان معاً . ونص تشبيههم أننا لو تخيلنا ورقة وضع علي أحد أطرافها نقطة حبر ، ثم حاولنا نقل هذه النقطة إلي الطرف الآخر البعيد ، فإن أسهل طريقة هو ثني الورقة ليتلاقي طرفها الحامل لنقطة الحبر مع الطرف الآخر ، قبل أن تعود الورقة للانبساط مرة أخرى ، ولو تخيلنا أن الكون هو تلك الورقة فإن ثنيها هو انبعاج يحدث للزمن .
حقاً الأمر مربك ومحير ويحتاج إلي شرح بالتفصيل لكنه سيدفع بنا إلي إسهاب وإطناب لا يتسع لهما المجال هنا ، فقط نعود إلي السؤال التاريخي ، هل يمكن حقاً ابتكار آلة تشق حاجز الزمن وتحمل رائدها إلي غياهب الماضى أو إلي غموض المستقبل رغم قانون السببية والذي يمكن تجاوزه بأن هذا المسافر الزمنى سوف يصل إلي قلب الأحداث مشاهداً ليس أكثر ولا يمكنه التفاعل أو تغير موضع حجر ؟؟ هل يحمل المستقبل لأصحابه ولمن شاء لهم الله العمر المديد مفاجآت من نوع ما خلف الواقع أو فوق قدرات الخيال البشري ؟؟
أم ستبقي آلة الزمن إلي الأبد حلم مستحيل يرواد خيال البشرية كحجر الفلاسفة أو إكسير الحياة ؟؟