ذكرى نائمة....

ذكرى نائمة

ما الذي ذكرها به اليوم و كيف طفت صورته على السطح من اعماق النسيان او التناسي لم تبذل جهدا لتسمية هذا القاع..و استمرت تتسائل في حيرة وقلق..ما الذي يكمن وراء هذه الزيارة المفاجئة و اللامنتظرة..اتراها الرياح التي هبت هذا المساء القت بها على وجه حياتها الانية..ام ربما هي الامطار التي سقطت قبل قليل ايقظت من ارض افكارها بذور مشاعر قديمة..ظنتها لمدة من الزمن ذكرى ذهبت لحال سبيلها و لن تعود.

و في قمة تساؤلاتها و حيرتها المتزايدة لم تكن تعلم و لم ترد ان تعلم ماهي هاته الاسباب.استمرت في التحديق نحو المجهول..مرت لحظات كانها ساعات طوال..و بالرغم منها عادت بها الذاكرة الى ذلك الزمن الذي بدا قريبا و بعيدا في نفس الوقت..و تدفقت الذكريات كانها كانت على موعد مسبق و على اهبة الاستعداد..منتظمة ومؤلمة.

و استرجعت بحزن خفي كل الكلمات التي قالتها و قيلت لها..كانت هذه الكلمات جميلة متناغمة في بادئ الامر و لكنها لم تلبث ان كشرت عن انيابها كما هو حال كل شيئ في هذا العالم..يبدو هادئا جميلا نرتاح له نستانس لوجوده و فجاة يهاجمنا كذئب لبس ثوب حمل وديع..هكذا تحولت الذكريات الهادئة الى سهام جارحة.

استمرت الافكار في ملاحقتها و استمرت هي في الذهول و محاولة التجاهل..شعرت في لحظة ما ان عقلها الصغير غير قادر على استيعاب هذا الكم الهائل من الافكار المتضاربة و الصور و الهواجس..حاولت ان تصرخ لكنها الغت هذه الفكرة في اخر لحظة.

تقلصت المسافة بين الفكرة و الشعور..كانت كانها تعيش هذه الذكريات مرة اخرى.. تسمعه بوضوح تراه كانه امامها.. رات في اعماقها صور الحنين له و ان كان متلفعا بوشاح الحزن و الاسى..تنهدت في شبه ابتسامة كانهاعثرت في قرار هذه الدوامة بشيء مفقود.

اجل لقد تذكرت هاته الصبية البسيطة بساطة الاحلام و البريئة براءة الاطفال.تذكرت فارسها المسافر بلا وداع فكانت ذكراه اقسى من نسيانه و نسيانه اقسى من ذكراه ..انه اللغز الذي حيرها و تركها معلقة بين الامل و الياس ، بين الانتظار و السير قدما..و راحت تتسائل كيف انها احبته يوما و هل استحق حبها ذلك المسافر عبر الزمن ، بل هل احبها اصلا..ماذا كانت بالنسبة له..و هل صحيح ان علاقتهما مجرد نزوة عابرة..

لا لا يمكن هذا..فهي تعلقت به فعلا في يوم من الايام و شاركها احلامها و افكارها..و ساندها زمنا طويلا حين كانت تحارب من اجل البقاء..بل كان وجوده في حياتها في حد ذاته سببا للبقاء.

اذن لماذا اثر الرحيل..هل مازال يفكر فيها "قبل النوم و بعد النوم" كما كان يفعل..تذكر كيف كان يسألها دوما عن حقيقة مشاعرها نحوه و كيف كانت تجيب بلا تردد..تذكر ايضا صورته ..و عيونه..لطالما احبت عيونه و لم تجد حرجا في الافصاح عن هذا الشغف..كانت تعرف كل شيء من عيونه..اذا كان سعيدا او حزينا..غاضبا او هادئا..متعبا او نشيطا.."فنظرة في العيون تفصح عمن تكون".تذكر ابتساماته القليلة كانه يضن بها او يعتبرها دليل ضعف ربما وكثيرا ما عاتبته على وجومه و عبوس وجهه..و لكنها عذرته فطبيعة عمله تستدعي الصرامة و الجد.كثيرا ما رات خلف تلك العيون الجميلة سردابا من الاسرار و هي تعشق الغموض و معرفة الاسرار.

عادت تسائل نفسها لماذا تذكرته الان فقد مضت ثلاث سنوات على اخر مرة راته فيها..ثلاث سنوات تغير كل منهما كثيرا..حاول هو خلالها ان يسال عنها و لكنها كانت تسمعه كلاما جارحا و لا ترد على اتصالاته..و لا على الاميلات الكثيرة التي بعث بها..ثم تندم بعد ذلك..تتمنى لو تستطيع مسامحته كما سامحها كثيرا..لكنها لا تستطيع..اعترفت بينها و بين نفسها انه مازال هناك نفوذ له عليه ومازالت هناك رواسب ذلك الحب القديم في قلبها و ان كان هذا الحب هادئا فلاول مرة تناقضت الصفة و الموصوف.

كان خوفها من عدم حبه لها اعظم من حبها له..لذا كانت كثيرة الجدل معه .كان يعيش في العاصمة تفصله عنها مئات الكيلومترات..لا يلتقيان كثيرا..لهذا كانت الفرصة سانحة للظنون و الشكوك..كانت تتهمه بانه يهملها و لا يفكر فيها ..و هو ايضا لم يكن يحب ان يكون لها اصدقاء ذكور..و كان اخر شجار بينهما القطرة التي افاضت الكاس :

-قلت لك انه مجرد صديق..

-اذن سيكون لي مئات الصديقات من البنات و لا يمكنك الاعتراض..

-لن اسمح لك ان تعرف كل هاته البنات ..

-انت كالامم المتحدة تكيلين بمكيالين..

استمر شجارهما مدة من الزمن قبل ان يقرر هو انهاءه قائلا :

-لن تنجح هذه العلاقة فليذهب كل منا في طريق..

-انا ايضا تعبت من لعبك دور الشرطي في حياتي او الحارس الخاص الذي يملي علي كل تصرفاتي.

ابتسمت و هي تتذكر كل هذا.عادت الى حيرتها التي لم تعرف لها سببا.لم تعرف لماذا قامت هذه الذكرى من السبات الذي دخلته قبل سنوات و لكنها عاهدت نفسها في الاخير على ان تبقى مجرد ذكرى.