Wessam The Educational Forum وسام المنتدي التربوي
عزيزي الزائر يشرفنا إنضمامك لأسرة المنتدي بالضغط علي كلمة التسجيل وإن كنت عضوا في المنتدي فبادر بالضغط علي كلمة دخول وأكتب أسمك وكلمة السر فنحن في إنتظارك لتنضم إليناDear Guest ,We welcome to you with us & We hope That you will be a Member in our Forum
Wessam The Educational Forum وسام المنتدي التربوي
عزيزي الزائر يشرفنا إنضمامك لأسرة المنتدي بالضغط علي كلمة التسجيل وإن كنت عضوا في المنتدي فبادر بالضغط علي كلمة دخول وأكتب أسمك وكلمة السر فنحن في إنتظارك لتنضم إليناDear Guest ,We welcome to you with us & We hope That you will be a Member in our Forum
Wessam The Educational Forum وسام المنتدي التربوي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


We Present Wessam The Educational Forum بسم الله الرحمن الرحيم نقدم لكم وسام المنتدي التربوي
 
الرئيسيةFace Bookأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 نظرات في العصر الأموي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سامي التلمساني iss.king
الوسام الذهبي
الوسام الذهبي
سامي التلمساني iss.king


الابراج : السمك

عدد المساهمات : 540
تاريخ الميلاد : 17/03/1983
العمر : 41
نقاط : 1372
تاريخ التسجيل : 17/09/2010
رقم الهاتف الجوال : /

بطاقة الشخصية
تربوي:

نظرات في العصر الأموي  Empty
مُساهمةموضوع: نظرات في العصر الأموي    نظرات في العصر الأموي  I_icon_minitimeالثلاثاء أكتوبر 05, 2010 2:36 pm

السلام عليكم وبسم ال

نظرات في العصر الأموي (1 )
كتب: د / أحمد عبد الحميد عبد الحق *

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين ، وبعد ..
فإن العصر الأموي يطلق على الفترة التي حكم فيها بنو أمية العالم الإسلامي ، والتي بدأت بتنازل الحسن لمعاوية ـ رضي الله عنهما ـ عن الخلافة ، وانتهت بمقتل مروان بن محمد أمام جند العباسيين بمصر (بالقرب من كنيسة بقرية بوصير 13 من ذي الحجة 132هـ = 23 من يوليو 750م .
وكانت حدود الدولة الإسلامية حين بدأت تلك الدولة تمتد شرقا إلى مرو ، وشمالا إلى الثغور السورية، ومصر وتونس في الغرب، ثم اتسعت إلىجورجيا من ناحية الشمال ، ومن الشرق حتى الأراضي الصينية ، وجنوباً غطت شبه الجزيرة العربية ، وتوسعتغرباً حتى أسبانيا والبرتغال .
وقدر الجغرافيون مساحتها بـ7460000سبعة ملايين وأربع مائة وستين ألف ميل مربع ، وهي أكبر دولة إسلامية عرفهاالتاريخ على الإطلاق..
وبداية نقول : إن المنافقين المعروفين بالسبئية دبروا للقضاء على الخلافة الإسلامية الراشدة بمقتل عثمان ـ رضي الله عنه ـ وأن مقتله قد أدى إلى حدوث فتنة بين المسلمين انتهت بموقعة الجمل ثم صفين ، وأن الصحابة تداركوا أنفسهم يوم صفين بعد أن راح عشرات آلاف من الأرواح الطاهرة منهم ، وأوكل علي ومعاوية ـ رضي الله عنهما ـ إلى فريق التحكيم مهمة التباحث في الخروج من تلك الأزمة ، ولكن الأشقياء الذين سموا فيما بعد باسم الخوارج لم يرق لهم أن يحل الصفاء على المسلمين ، فخرجوا على عليّ ـ رضي الله عنه ـ وخاض معهم معارك طاحنة انتهت بإضعاف قوته ، وانتهى صراعه معهم بمقتله على أيدي ابن ملجم الخبيث ـ لعنه الله ـ ..
فاجتمع أهل العراق بعد استشهاده على ابنه الحسن ـ رضي الله عنهما ـ لكنهم سرعان ما تآمروا عليه كما تآمروا على أبيه من قبل ، فاضطر إلى أن يراسل معاوية ، ويعرض عليه أن يتنازل له عن الخلافة ؛ حتى يجتمع شمل المسلمين ، وتحقن دماء جنودهم ..
وبذلك التنازل عادت وحدة المسلمين التي كان يحرص المنافقون على القضاء عليها ، وتم ذلك في ربيع الأول سنة 41 هـ ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تنبأ بذلك فقال عن الحسن رضي الله عنه : " أيها الناس إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " رواه البخاري.
وتفاؤلا بهذا الفعل الحميد سمي العام (41 هـ ) بعام الجماعة ، وبدأ بذلك العصر الأموي الذي نحن بصدد الحديث عنه ..
هذا العصر الذي كان لا يختلف كثيرا عن العصر السابق ( الراشدي ) رغم أن الحكم الإسلامي قد تحول فيه من حكم قائم على الانتخاب والشورى إلى حكم قائم على النظام الوراثي ؛ لأن الخلفاء الأمويين التزموا فيه بواجبهم تجاه الإسلام والمسلمين وسائر شعوبهم ، وظلت حركة التوسع الإسلامي قائمة ، وتصدوا بكل حزم لكل من يسعى لنشر المعتقدات الضالة بين المسلمين .
فكان معاوية ـ رضي الله عنه ـ يحرص قدر إمكانه على السير على نهج الخلفاء السابقين ، وقد دخل عليه يوما أبو مريم الأزدي فقال له : حديث سمعته أخبرك به، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من ولاه الله شيئا من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره " فلما سمعه منه جعل رجلا على حوائج الناس .(1).
وكان يأبى أن يظهر بين الناس بأنه مميز عنهم ، فقد خرج عليهم ذات يوم فقاموا تعظيما له ، فقال لهم : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار " (2).
وكان المسلمون معه في راحة وعدل، وصفح وعفو كما قال ابن كثير (3) وكان يقول : يا بني أمية فارقوا قريشا بالحلم، فوالله لقد كنت ألقى الرجل في الجاهلية فيوسعني شتما وأوسعه حلما، فأرجع وهو لي صديق، إن استنجدته أنجدني، وأثور به فيثور معي، وما وضع الحلم عن شريف شرفه، ولا زاده إلا كرما وقال: آفة الحلم الذل ، وقال: لا يبلغ الرجل مبلغ الرأي حتى يغلب حلمه جهله، وصبره شهوته، ولا يبلغ الرجل ذلك إلا بقوة الحلم(4).
وكان ينهى أمراءه عن تتبع الناس والتصنت عليهم وأخذهم بالشبهات ويذكرهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إنك إن تتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم ". (5). واستعمل زياداً على البصرة وخراسان وسجستان، ثم جمع له الهند والبحرين وعمان، وأوصاه أن يشتد على العصاة ، فقدم البصرة في آخر شهر ربيع الآخر - أو غرة جمادى الأولى - سنة خمس، والفسق بالبصرة ظاهر فاشٍ، فخطب فيهم فقال: الحمد لله على إفضاله وإحسانه، ونسأله المزيد من نعمه، اللهم كما رزقتنا نعماً، فألهمنا شكراً على نعمتك علينا.
أما بعد، فإن الجهالة الجهلاء، والضلالة العمياء، والفجر الموقد لأهله النار، الباقي عليهم سعيرها، ما يأتي سفهاؤكم، ويشتمل عليه حلماؤكم، من الأمور العظام، ينبت فيها الصغير، ولا يتحاشى منها الكبير، كأن لم تسمعوا بآي الله، ولم تقرءوا كتاب الله، ولم تسمعوا ما أعد الله من الثواب الكريم لأهل طاعته، والعذاب الأليم لأهل معصيته، في الزمن السرمد الذي لا يزول.
أتكونون كمن طرفت عينه الدنيا، وسدت مسامعه الشهوات، واختار الفانية على الباقية، ولا تذكرون أنكم أحدثتم في الإسلام الحدث الذي لم تسبقوا به؛ من ترككم هذه المواخير المنصوبة، والضعيفة المسلوبة، في النهر المبصر، والعدد غير قليل! ألم تكن منكم نهاةٌ تمنع الغواة عن دلج الليل وغارة النهار! قربتم القرابة، وباعدتم الدين، تعتذرون بغير العذر، وتغطون على المختلس، كل امرئ منكم يذب عن سفيهه، صنيع من لا يخاف عقاباً، ولا يرجو معاداً.
ما أنتم بالحلماء، ولقد اتبعتم السفهاء، ولم يزل بهم ما ترون من قيامكم دونهم، حتى انتهكوا حرم الإسلام، ثم أطرقوا وراءكم كنوساً في مكانس الريب ، حرام عليّ الطعام والشراب حتى أسويها بالأرض هدماً وإحراقاً.
إني رأيت آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله، لينٌ في غير ضعف، وشدة في غير جبرية وعنف، وإني أقسم بالله لآخذن الولي بالولي، والمقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والصحيح منكم بالسقيم، حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول: انج سعد فقد هلك سعيد، أو تستقيم لي قناتكم.
إن كذبة المنبر تبقى مشهورة، فإذا تعلقتم عليّ بكذبة فقد حلت لكم معصيتي، وإذا سمعتموها مني فاغتمزوها في ، واعلموا أن عندي أمثالها من بيت منكم ، فأنا ضامنٌ لما ذهب له، إياي ودلج الليل، فإني لا أوتى بمدلج إلا سفكت دمه، وقد أجلتكم في ذلك بقدر ما يأتي الخبر الكوفة ويرجع إلي ، وإياي ودعوى الجاهلية، فإني لا أجد أحداً ادعى بها إلا قطعت لسانه، وقد أحدثتم أحداثاً لم تكن، وقد أحدثنا لكل ذنب عقوبة، فمن غرق قوماً غرقته، ومن حرق على قوم حرقناه، ومن نقب بيتاً نقبت عن قلبه، ومن نبش قبراً دفنته فيه حياً؛ فكفوا عني أيديكم وألسنتكم أكفف يدي وأذاي، لا يظهر من أحد منكم خلاف ما عليه عامتكم إلا ضربت عنقه.
وقد كانت بيني وبين أقوام إحن، فجعلت ذلك دبر أذني وتحت قدمي، فمن كان منكم محسناً فليزدد إحساناً، ومن كان مسيئاً فلينزع عن إساءته، إني لو علمت أن أحدكم قد قتله السل من بغضي لم أكشف له قناعاً، ولم أهتك له ستراً، حتى يبدي لي صفحته، فإذا فعل لم أناظره؛ فاستأنفوا أموركم، وأعينوا على أنفسكم، فرب مبتئسٍ بقدومنا سيسر، ومسرورٍ بقدومنا سيبتئس.
أيها الناس، إنا أصبحنا لكم ساسةً، وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا، ونذود عنكم بفيء الله الذي خولنا، فلنا عليكم السمع والطاعة فيما أحببنا، ولكم علينا العدل فيما ولينا، فاستوجبوا عدلنا وفيئنا بمناصحتكم ، واعلموا أني مهما قصرت عنه فإني لا أقصر عن ثلاث: لست محتجباً عن طالب حاجة منكم ولو أتاني طارقاً بليل؛ ولا حابساً رزقاً ولا عطاءً عن صاحبه ، ولا مجمراً لكم بعثاً.
فادعوا الله بالصلاح لأئمتكم، فإنهم ساستكم المؤدبون لكم، وكهفكم الذي إليه تأوون، ومتى تصلحوا يصلحوا ، ولا تشربوا قلوبكم بغضهم، فيشتد لذلك غيظكم، ويطول له حزنكم، ولا تدركوا حاجتكم، مع إنه لو استجيب لكم كان شراً لكم. (6).
فخافه الناس في سلطانه خوفاً شديداً، وأمن بعضهم بعضاً، حتى كان الشيء يسقط من الرجل أو المرأة فلا يعرض له أحد حتى يأتيه صاحبه فيأخذه، وتبيت المرأة فلا تغلق عليها بابها، وساس الناس سياسةً لم ير مثلها، وهابه الناس هيبةً لم يهابوها أحداً قبله، وأدر العطاء، وبنى مدينة الرزق. (7).
واستعمل معاوية أيضا عبيد الله بن زياد على خراسان وقال له: إني قد عهدت إليك مثل عهدي إلى عمالي، ثم أوصيك وصية القرابة لخاصتك عندي، لا تبيعن كثيراً بقليل، وخذ لنفسك من نفسك، واكتف فيما بينك وبين عدوك بالوفاء تخف عليك المئونة وعلينا منك، وافتح بابك للناس تكن في العلم منهم أنت وهم سواء، وإذا عزمت على أمر فأخرجه إلى الناس، ولا يكن لأحد فيه مطمع، ولا يرجعن عليك وأنت تستطيع، وإذا لقيت عدوك فغلبوك على ظهر الأرض فلا يغلبوك على بطنها، وإن احتاج أصحابك إلى أن تؤاسيهم بنفسك فآسهم.
اتق الله ولا تؤثرن على تقوى الله شيئاً، فإن في تقواه عوضاً، وق عرضك من أن تدنسه، وإذا أعطيت عهداً فف به، ولا تبيعن كثيراً بقليل، ولا تخرجن منك أمراً حتى تبرمه، فإذا خرج فلا يردن عليك، وإذا لقيت عدوك فكن أكثر من معك، وقاسمهم على كتاب الله، ولا تطمعن أحداً في غير حقه، ولا تؤسن أحداً من حق له، ثم ودعه (8) .
وولى على الحجاز سعيد بن العاص فأحسن فيهم السيرة ، وكان بهم كريما ؛ حتى روي أنه استسقى يوما في بعض طرق المدينة، فأخرج له رجل من دار ماء فشرب، ثم بعد حين رأى ذلك يعرض داره للبيع فسأل عنه لم يبيع داره ؟ فقالوا: عليه دين أربعة آلاف دينار، فبعث إلى غريمه فقال: هي لك علي، وأرسل إلى صاحب الدار فقال: استمتع بدارك (9) .
وكان رجل من القراء الذين يجالسونه قد افتقر وأصابته فاقة شديدة، فقالت له امرأته: إن أميرنا هذا يوصف بكرم، فلو ذكرت له حالك فلعله يسمح لك بشيء ؟ فقال: ويحك ! لا تحلقي وجهي، فألحت عليه في ذلك، فجاء فجلس إليه، فلما انصرف الناس عنه مكث الرجل جالسا في مكانه، فقال له سعيد: أظن جلوسك لحاجة ؟ فسكت الرجل، فقال سعيد لغلمانه: انصرفوا، ثم قال له سعيد: لم يبق غيرك وغيرك، فسكت، فأطفأ المصباح ثم قال له: رحمك الله لست ترى وجهي فاذكر حاجتك، فقال: أصلح الله الأمير أصابتنا فاقة وحاجة فأحببت ذكرها لك فاستحييت، فقال له: إذا أصبحت فالق وكيلي فلانا، فلما أصبح الرجل لقي الوكيل فقال له الوكيل: إن الأمير قد أمر لك بشيء فأت بمن يحمله معك، فقال: ما عندي من يحمله، ثم انصرف الرجل إلى امرأته فلامها وقال: حملتيني على بذل وجهي للأمير، فقد أمر لي بشيء يحتاج إلى من يحمله، وما أراه أمر لي إلا بدقيق أو طعام، ولو كان مالا لما احتاج إلى من يحمله، ولأعطانيه ،فقالت المرأة: فمهما أعطاك فإنه يقوتنا فخذه، فرجع الرجل إلى الوكيل فقال له الوكيل: إني أخبرت الأمير أنه ليس لك أحد يحمله، وقد أرسل بهؤلاء الثلاثة السودان يحملونه معك، فذهب الرجل، فلما وصل إلى منزله إذا على رأس كل واحد منهم عشرة آلاف دراهم ، فقال للغلمان: ضعوا ما معكم وانصرفوا، فقالوا: إن الأمير قد أطلقنا لك، فإنه ما بعث مع خادم هدية إلى أحد إلا كان الخادم الذي يحملها من جملتها. (10) .
وكان سعيد هذا يقول لابنه : يا بني! أخزى الله المعروف إذا لم يكن ابتداءً عن غير مسألة، فأما إذا أتاك تكاد ترى دمه في وجهه، ومخاطراً لا يدري أتعطيه أم تمنعه، فوالله لو خرجت له من جميع مالك ما كافأته. (11) .
وخطب يوما فقال: من رزقه الله رزقا حسنا فليكن أسعد الناس به، إنما يتركه لأحد رجلين، إما مصلح فيسعد بما جمعت له وتخيب أنت .. (12)
وكان أمراء معاوية حريصون على أن يستمعوا لنصح الصالحين ، قال الحسن البصري: دخل عبيد الله بن زياد على معقل بن يسار يعوده في مرضه الذي مات فيه، فقال له معقل: إني محدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو لم أكن على حالتي هذه لم أحدثك به، سمعته يقول: " من استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصيحة لم يجد رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة مائة عام "(13) .
وكانت الفتوح الإسلامية في عهده قائمة، وكان يغزو الروم في كل سنة مرتين، مرة في الصيف ومرة في الشتاء ، وقد اعتاد غزوهم منذ أن كان أميرا في خلافة عمر رضي الله عنه ، ولم تتوقف إلا في أوقات الخلاف بينه وبين علي ـ رضي الله عنهما ـ أي قبل أن يلي الخلافة ، وفي هذه الفترة حاول ملك الروم أن يستغل هذا الصراع وجهز جيوشه لغزو الشام ، فكتب معاوية إليه: والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك يا لعين لأصطلحن أنا وابن عمي عليك ولأخرجنك من جميع بلادك، ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت ، فعند ذلك خاف ملك الروم وانكف، وبعث يطلب الهدنة (14) .
وقد بعث سنة تسع وأربعين يزيد ابنه غازيا فزحف حتى بلغ القسطنطينية ، ومعه جماعات من سادات الصحابة ، منهم ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وأبو أيوب الأنصاري ـ رضي الله عنهم ـ خرج كل هؤلاء طمعا في الظفر بالفضل الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : " أول جيش يغزون مدينة قيصر مغفور لهم " صحيح البخاري . (15).
وأرسل في سنة 50 عقبة بن نافع الفهري ففتح بلاد إفريقية، واختط القيروان - وكانت غيضة تأوي إليها السباع والوحوش والحيات العظام، فدعا الله تعالى فلم يبق فيها شيء من ذلك ، حتى إن السباع صارت تخرج منها تحمل أولادها، والحيات يخرجن من أجحارهن هوارب ، فأسلم خلق كثير من البربر لما رءوا ذلك (16) .
وأرسل سنة ثلاث وخمسين جنادة بن أبي أمية الأزدي ففتح جزيرة ردوس في البحر المتوسط ، فنزلها المسلمون وزرعوا أرضها ، واتخذوا بها أموالاً ومواشي يرعونها حولها، واتخذوا لهم ناطورٌ يحذرهم ما في البحر ممن يريدهم بكيد، وكان معاوية يدر لهم الأرزاق والعطاء ، وصار هؤلاء فيما بعد من أشد الناس على الروم، وكان يعترضونهم في البحر فيقطعون الطريق على سفنهم(17).
وأمر عبيد الله بن زياد بعد أن ولاه خراسان بغزو الترك ، فكان هو أول من قطع إليهم جبال بخارى ، ففتح كثيرا بلاد سمرقند وبخارى .
وهكذا مضى أيام خلافته بين العدل بين الرعية وبين الجهاد والغزو في سبيل الله ، وقد سئل في أول خلافته عمن يستحق منصب الخلافة بعده فقال : يكون بين جماعة، إما كريم قريش سعيد بن العاص، وإما فتى قريش حياء ودهاء وسخاء عبد الله بن عامر، وإما الحسن بن علي رجل سيد كريم، وإما القارئ لكتاب الله الفقيه في دين الله الشديد في حدود الله مروان بن الحكم، وإما الرجل الفقيه عبد الله بن عمر، وإما عبد الله بن الزبير.
لكنه على ما يبدو ـ وبعد وفاة الحسن ـ رأى أن الظروف غير مهيأة لأن يختار المسلمون بأنفسهم رجلا مناسبا بعد تغلغل الفكري الشيعي والخوارجي في قلوب كثير من الناس ، وبعد أن غلبت العصبية ، فاجتهد في أن يوصي ليزيد ابنه من بعده ، ويؤيد ذلك أنه قال لعبد الله بن عمر: إني خفت أن أذر الرعية من بعدي كالغنم المطيرة ليس لها راع (18) .. فقال له عبد الله : إذا بايعه الناس كلهم بايعته ، ولو كان عبدا مجدع الأطراف...
ووافق أكثر الصحابة وأبناؤهم معاوية على رأيه وبايعوا له على إمرة يزيد بعده ، فقال له معاوية : ماذا أنت فاعل إن وليت ؟ قال: كنت والله عاملا فيهم عمل عمر بن الخطاب ، فقال معاوية: سبحان الله يا بني والله لقد جهدت على سيرة عثمان بن عفان فما أطقتها ، فكيف بك وسيرة عمر ؟.
فلما حضره الموت - وذلك في سنة ستين - وكان يزيد غائباً، دعا بالضحاك بن قيس الفهري - وكان صاحب شرطته - ومسلم بن عقبة المري، فأوصى إليهما فقال: بلغا يزيد وصيتي، انظر أهل الحجاز فإنهم أصلك، فأكرم من قدم عليك منهم، وتعاهد من غاب، وانظر أهل العراق، فإن سألوك أن تعزل عنهم كل يوم عاملاً فافعل، فإن عزل عامل أحب إلي من أن تشهر عليك مائة ألف سيف، وانظر أهل الشام فليكونوا بطانتك وعيبتك، فإن نابك شيء من عدوك فانتصر بهم، فإذا أصبتهم فاردد أهل الشام إلى بلادهم، فإنهم إن أقاموا بغير بلادهم أخذوا بغير أخلاقهم، ... ثم أغمي عليه، ثم أفاق، فقال: لمن حضره من أهله: اتقوا الله عز وجل، فإن الله سبحانه يقي من اتقاه، ولا واقي لمن لا يتقي الله؛ ثم قضى(19).

فقد تطرق بنا الحديث ـ أيها القراء الكرماء والكريمات ـ في الحلقة السابقة عن الظروف التي نشأت فيها الدولة الأموية ، ورأينا كيف استطاع معاوية ـ رضي الله عنه ـ أن يحافظ على وحدة المسلمين ، وأنه بذل ما في وسعه ليبقي للدولة الإسلامية كيانها ، وأنه اضطر تحت ضغط المتغيرات التي أصابت العالم الإسلامي وغلبة العصبية إلى أن يعهد لابنه يزيد بالخلافة من بعده ، وأنه أوصاه قبيل موته قائلا : انظر أهل الحجاز فإنهم أصلك، فأكرم من قدم عليك منهم، وتعاهد من غاب، وانظر أهل العراق، فإن سألوك أن تعزل عنهم كل يوم عاملاً فافعل، فإن عزل عامل أحب إلي من أن تشهر عليك مائة ألف سيف، وانظر أهل الشام فليكونوا بطانتك وعيبتك، فإن نابك شيء من عدوك فانتصر بهم، فإذا أصبتهم فاردد أهل الشام إلى بلادهم، فإنهم إن أقاموا بغير بلادهم أخذوا بغير أخلاقهم، ... ثم أغمي عليه ثم أفاق، فقال: لمن حضره من أهله: اتقوا الله عز وجل، فإن الله سبحانه يقي من اتقاه، ولا واقي لمن لا يتقي الله؛ (1) ..
وصعدت روحه إلى السماء بعد أن ترك ليزيد تركة ما أثقلها ، إذ ما إن ولي الخلافة حتى ظهرت بوادر الاعتراض على إماراته ، فقد أرسل إلى المدينة ليأخذ البيعة من أهلها ، فبايعه أهلها إلا عبد الله بن الزبير والحسين ، حيث أبيا وخرجا من ليلتهما إلى مكة، وفي الطريق لقيهما ابن عباس وابن عمر ـ رضي الله عنهم جميعا ـ فسألاهما، ما وراءكما؟ قالا: موت معاوية والبيعة ليزيد (2)؛ وأحس ابن عمر أنهما خرجا من المدينة فرارا من مبايعته فقال لهما : اتقيا الله ولا تفرقا جماعة المسلمين (3) . لكنهما لم يستمعا لنصحه ، وذهبا إلى مكة ليحتميا بالحرم من الطلب.
وفي مكة أعلن الحسين وعبد الله بن الزبير امتناعهما عن البيعة فترفق بهما والي مكة عمرو بن سعيد ، ولان في معاملتهما ، ولم يشتد عليهما في طلب البيعة ، ومكثا فترة على تلك الحالة حتى كتب أهل الكوفة إلى الحسين ، يصفون الأمراء بغير ما فيهم ، ويدعون الحسين للخروج إليهم لتغيير هذا المنكر ، وجاء في أحد كتبهم : بسم الله الرحمن الرحيم. لحسين بن علي من سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة. سلامٌ عليك، فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمة ( يقصدون معاوية رضي الله عنه ) فابتزها أمرها، وغصبها فيئها، وتأمر عليها بغير رضاً منها، ثم قتل خيارها، واستبقى شرارها، وجعل مال الله دولةً بين جبابرتها وأغنيائها، فبعداً له كما بعدت ثمود! إنه ليس علينا إمام، فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق ، والنعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجتمع معه في جمعة، ولا نخرج معه إلى عيد، ولو قد بلغنا أنك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء الله؛ والسلام ورحمة الله عليك (4) .
وكانت تلك الرسالة بمثابة الشرارة التي أشعلت النار في جسد الأمة الإسلامية ، ولا أكون مبالغا إذ قلت : إن أثر نيرانها ما زال مشتعلا في فتنة السنة والشيعة كلما خبا وجد من ينفخ فيه ليزداد اشتعالا ..
وحركت تلك الرسالة ثائرة الحسين رضي الله عنه ؛ إذ كيف يرى ظلما كالذي وصف في تلك الرسالة ولا يهب لتغييره ، ولم يعطه شيعة العراق فرصة لتبين الأمر ، وإنما انهالت عليه رسائلهم ، رسالة تلو رسالة ، حتى كتبوا إليه مغرين أو قل : مغررين : أما بعد فقد اخضرت الجنان ، وأينعت الثمار ، ولطمت الجمام ، فإذا شئت فأقدم على جند لك مجندة ، والسلام عليك (5) .
وأؤكد هنا أن الحسين لم يثر طمعا في الخلافة ، ولا إيمانا منه بأنها حكرا على آل البيت كما يردد جهلة المتشيعة ، وإنما الرجل رحمه الله ورضي عنه كان شديد الغيرة لدين الله عز وجل ، فلم يصبر على ما سمع من أخبار تذكر أن حرمات الدين تنتهك ، وفي نفس الوقت لم يتريث حتى يتأكد من مصدر تلك الكتب التي كانت تأتي إليه بذلك ، بل لم يعط لنفسه الفرصة أو قل : لم يعطوه الفرصة ليستمع لنصح من نصحه حتى من أقرب المقربين له ..
وعزم بالفعل على المطالبة لنفسه بالخلافة فبعث ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب إلى الكوفة ؛ ليكشف له حقيقة هذا الأمر والاتفاق، فتسامع أهل الكوفة بقدومه ( مسلم بن عقيل ) فجاءوا إليه فبايعوه على إمرة الحسين، وحلفوا له لينصرنه بأنفسهم وأموالهم، فاجتمع على بيعته من أهلها اثنا عشر ألفا، ثم تكاثروا حتى بلغوا ثمانية عشر ألفا، وعندها كتب مسلم إلى الحسين ليقدم عليها ، وأخبره بأنه قد مهد له البيعة والأمور.
وكان أميرا على الكوفة وقتها النعمان بن بشير الصحابي الجليل ، وهو رجل معروف بالتقوى والورع ، ولذلك لم يتعرض لأحد ممن اجتمع على مسلم بسوء ، ولكنه لما علم أنهم يريدون نقض البيعة ليزيد خطب فيهم ونهاهم عن الاختلاف والفتنة، وأمرهم بالائتلاف والسنة، وقال: إني لا أقاتل من لا يقاتلني، ولا أثب على من لا يثب علي، ولا آخذكم بالظنة، ولكن والله الذي لا إله إلا هو لئن فارقتم إمامكم ونكثتم بيعته لأقاتلنكم ما دام في يدي من سيفي قائمته (6).
والنعمان ما قال هذا الكلام إلا لعلمه أنه لا يجوز الخروج على الحاكم ما دام لا يبدر منه ما يخالف شرع الله ، وهو واحد من الأمراء شاهد على عدل يزيد ومن قبله معاوية ..
وحاول واحد من جلسائه وهو (عبد الله بن مسلم بن شعبة الحضرمي ) أن ينصحه بالشدة مع من ينوون الفتنة ، وقال له : إن هذا الأمر لا يصلح إلا بالغشمة (الشدة ) وإن الذي سلكته أيها الأمير مسلك المستضعفين ، فقال له النعمان: لأن أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إلي من أن أكون من الأقوياء الأعزين في معصية الله (7).
ووصل خبر مسلم بن عقيل إلى يزيد فاضطر إلى أن يعزل النعمان بن بشير عن الكوفة ويعين عليهم رجلا أشد قسوة ، وكان هذا أول شؤم حل عليهم نتيجة خلعهم لطاعة أميرهم ، وحرمت الكوفة إلى الأبد من أمير في ورع وتقوى النعمان رضي الله عنه.
ودخل عبيد الله بن زياد إلى الكوفة وهي في ظروف غير طبيعية ، ولذلك كان لابد أن تكون ولايته متأثرة بتلك الظروف ، وكان عليه أن ينحي اللين الذي كان سببا في عزل النعمان جانبا ، ويأخذ أهلها بالشدة لتستقر له الأمور ، فصعد إلى قصر الإمارة وأمر مناديا فنادى: الصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس خرج إليهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن أمير المؤمنين قد ولاني أمركم وثغركم وفيأكم، وأمرني بأنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم، والإحسان إلى سامعكم ومطيعكم، والشدة على مريبكم وعاصيكم، وإنما أنا ممتثل فيكم أمره ومنفذ عهده.(8) .
وكانت المفاجأة أن من التفوا حول مسلم بن عقيل بمجرد أن رءوا الجد من عبيد الله بن زياد تسللوا عنه حتى بقي وحيدا ، بل أرشدوا إلى البيت الذي اختبأ فيه ليلقى حتفه ..
وكان الخطأ الذي وقع فيه مسلم أنه لم يتأن قليلا حتى يعايش هؤلاء ويعرف مدى صلابتهم واستعدادهم للثبات معه وقت الشدة ، وإنما أسرع بالكتابة إلى الحسين تحت ضغط من زعماء المتشيعة ليدعوه للمجيء إلى الكوفة ، وعجل الحسين هو الآخر المسير بمجرد أن جاءته رسالة مسلم التي تصف اجتماعهم عليه ، ولو تمهل مسلم قليلا حتى جاء عبيد الله بن زياد إلى الكوفة ورأى انصراف الناس عنه ما خرج الحسين من مكة ولا حدث شيء من مأساة مقتله ، ولكن كان أمر الله قدرا مقدورا ..
وقد حاول بعض أقارب الحسين إثنائه عن الرحيل إلى الكوفة ، وحذروه من إغواء شيعة الكوفة ، وذكروه بما فعلوه بأبيه ثم أخيه الحسن من قبل ، ومن هؤلاء عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الذي كتب إليه يقول: أما بعد، فإني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي، فإني مشفقٌ عليك من الوجه الذي توجه له أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك، إن هلكت اليوم طفئ نور الأرض، فإنك علم المهتدين؛ ورجاء المؤمنين؛ فلا تعجل بالسير فإني في أثر الكتاب؛ والسلام.
ثم ذهب عبد الله من فوره إلى عمرو بن سعيد بن العاص والي الحجاز فكلمه، وقال: اكتب إلى الحسين كتاباً تجعل له فيه الأمان، وتمنيه فيه البر والصلة، وتوثق له في كتابك، وتسأله الرجوع لعله يطمئن إلى ذلك فيرجع؛ فقال عمرو ابن سعيد: اكتب ما شئت وأتني به حتى أختمه، فكتب عبد الله بن جعفر الكتاب، بسم الله الرحمن الرحيم، من عمرو بن سعيد إلى الحسين بن علي، أما بعد، فإني أسأل الله أن يصرفك عما يوبقك، وأن يهديك لما يرشدك؛ بلغني أنك قد توجهت إلى العراق، وإني أعيذك بالله من الشقاق، فإني أخاف عليك فيه الهلاك، وقد بعثت إليك عبد الله بن جعفر ويحيى بن سعيد، فأقبل إلي معهما، فإن لك عندي الأمان والصلة والبر وحسن الجوار لك، الله علي بذلك شهيدٌ وكفيلٌ، ومراعٍ ووكيلٌ؛ والسلام عليك (9).
ثم أتى به عمرو بن سعيد فقال له: اختمه، وابعث به مع أخيك يحيى بن سعيد، فإنه أحرى أن تطمئن نفسه إليه، ويعلم أنه الجد منك، ففعل؛ فلحقه يحيى وعبد الله بن جعفر، ثم انصرفا بعد أن أقرأه يحيى الكتاب، فقالا: اقرأناه الكتاب، وجهدناه، وكان مما اعتذر به إلينا أن قال: إني رأيت رؤيا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرت فيها بأمر أنا ماضٍ له، علي كان أو لي؛ فقالا له: فما تلك الرؤيا؟ قال: ما حدثت أحداً بها، وما أنا محدث بها حتى ألقى ربي.
ووصل على مقربة من الكوفة في "كربلاء " وهناك انفض عنه عامة من خرج معه إلا بقية من أهل بيته ، ويبدو أن هذا الفعل جعله يعزم على الانصراف راجعا ، وخاصة بعد أن ترجاه كثير من الناصحين ومن قادة الجيش الذي بعثه إليه ابن زياد ، وكان كل واحد منهم يتمنى ألا يبتلى بدمه ، لكن آل عقيل بن أبي طالب لما علموا بمقتل مسلم أصروا على الثأر لمقتل مسلم ، فدخل في مواجهة غير متكافئة انتهت بمقتله وكثير من آل بيته..
ومثل مقتله فاجعة كبيرة للمسلمين بقي أثرها إلى الآن ، وأكبر من تلك الفاجعة أن مقتله كسر حاجز الهيبة الذي كان لدى المسلمين من مس آل بيت رسول الله بسوء ، وصارت دماؤهم الزكية مستباحة فيما بعد لا يحس الناس بحرمتها .
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد ، وإنما أدى مقتله إلى وقوع الشحناء بين الأسرة الأموية الحاكمة وبين عامة الشعب ، إذ لم يغفروا لها ولوغها في دم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحملوها وحدها وزر مقتله .
فانتفضت المدينة غضبا للمأساة التي حلت به ، وثار عبد الله بن الزبير بمكة ، وحلت النكبات على يزيد بالشام ، فبعث إلى أهل المدينة النعمان بن بشير ينهاهم عما صنعوا ، ويحذرهم غب ذلك ، ويأمرهم بالرجوع إلى السمع والطاعة ولزوم الجماعة، فسار إليهم وفعل ما أمره يزيد ، وخوفهم الفتنة وقال لهم: إن الفتنة وخيمة، وقال: لا طاقة لكم بأهل الشام، فقال له عبد الله بن مطيع: ما يحملك يا نعمان على تفريق جماعتنا وفساد ما أصلح الله من أمرنا ؟ (10)
وأغضبت مقولة عبد الله بن مطيع النعمان ، فهو لم يبغ إلا وحدة جماعتهم وإصلاح أمرهم ، ورد على عبد الله معاتبا بقوله : أما والله لكأني وقد تركت تلك الأمور التي تدعو إليها، وقامت الرجال على الركب التي تضرب مفارق القوم وجباههم بالسيوف، ودارت رحا الموت بين الفريقين، وكأني بك قد ضربت جنب بغلتك إلي وخلفت هؤلاء المساكين - يعني الأنصار - يقتلون في سككهم ومساجدهم، وعلى أبواب دورهم .(11). فلم يأبه بكلامه وعصاه باقي الناس فلم يسمعوا منه فانصرف عنهم ، يقول الراوي لتلك الواقعة : وكان الأمر والله كما قال سواء (12 ) .
كما نصحهم عبد الله بن عمر بمثل ما نصحهم به النعمان ، إذ دخل على عبد الله بن مطيع فقال : إنما جئتك لأحدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه : " من نزع يدا من طاعة فإنه يأتي يوم القيامة لا حجة له، ومن مات مفارق الجماعة فإنه يموت موتة جاهلية "(13 ).
فلما رآهم مصرين على خلع طاعة يزيد جمع بنيه وأهله ثم تشهد وقال: أما بعد فإنا بايعنا هذا الرجل ( أي يزيد ) على بيع الله ورسوله، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة ، يقال هذه غدرة فلان، وإن من أعظم الغدر إلا أن يكون الإشراك بالله أن يبايع رجل رجلا على بيع الله ورسوله ثم ينكث بيعته " (14) .
وكذلك محمد بن الحنفية الذي قال لهم : ما رأيت منه ما تذكرون ( مما عابوه على يزيد ) ، وقد حضرته وأقمت عنده فرأيته مواظبا على الصلاة ، متحريا للخير ، يسأل عن الفقه ملازما للسنة، قالوا: فإن ذلك كان منه تصنعا لك ، فقال : وما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر إلي الخشوع ؟ أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر ؟ فلئن كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه، وإن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا ، فقالوا: إنه عندنا لحق وإن لم يكن رأيناه.
فقال لهم : أبى الله ذلك على أهل الشهادة، فقال: "إلا من شهد بالحق وهم يعلمون" [ الزخرف: 86 ] ولست من أمركم في شيء ، فقالوا: فلعلك تكره أن يتولى الأمر غيرك فنحن نوليك أمرنا ، فقال: ما أستحل القتال على ما تريدونني عليه تابعا ولا متبوعا.
ولما لم تجد تلك النصائح معهم شيئا ، وأصروا على خلع طاعة يزيد ، اضطر إلى أن يفعل بهم كما فعل بأهل الكوفة فأرسل إليهم رجلا يسمى مسلم بن عقبة المزني ، وقال له : ادع القوم ثلاثا فإن رجعوا إلى الطاعة فاقبل منهم ، وكف عنهم ، وإلا فاستعن بالله وقاتلهم ، وانتهى الأمر بوقعة الحرة التي سالت فيها الدماء الزكية دون مراعاة لجوار رسول الله ، وكانت فاجعتها لا تقل عن مأساة مقتل الحسين رضي الله عنه .
وهكذا قُدر ليزيد أن تشهد فترة خلافته فاجعتين من أشد فواجع التاريخ ، مقتل الحسين رضي الله ، واستباحة المدينة ، ولم يعمر بعدها كثيرا فلحق بربه ، وقد حُمّل أمام المسلمين مسئولية الأمرين معا ..
واستخلف ابنه معاوية الثاني قبيل موته ، وكان في العشرين من عمره ، ولكن معاوية الثاني الذي عايش الأحداث السابقة ، ورأى أن أباه تحمل تبعاتها على غير رضا منه آثر أن يخلع نفسه ، ويلقي عن كاهله عبء التركة فنادى في الناس بعد أيام من وفاة أبيه قائلا : " الصلاة جامعة " ، فلما اجتمع الناس إليه قال : يا أيها الناس ! إني قد وليت أمركم وأنا ضعيف عنه، فإن أحببتم تركتها لرجل قوي كما تركها الصديق لعمر، وإن شئتم تركتها شورى في ستة منكم كما تركها عمر بن الخطاب، وليس فيكم من هو صالح لذلك، وقد تركت لكم أمركم فولوا عليكم من يصلح لكم (15).
وحدث بسبب تنازله عن الخلافة دون عهد لأحد ما كان يتخوف منه جده معاوية ـ رضي الله عنه ـ إذ نادى عبد الله بن الزبير لنفسه أميرا على الحجاز ، وبويع مروان بن الحكم أميرا على الشام ، وتنازع العراق عدة أمراء ، وظلوا على تلكم الحالة حتى اجتمع أهل الحجاز واليمن والعراق وخراسان على عبد الله بن الزبير ، وبقيت الشام ومصر في يد مروان بن الحكم ، فعين ابنه عبد العزيز على مصر وأوصاه بأكابرها خيرا ، وبقي هو بالشام ..
وكان مروان ـ رغم ما أشيع عنه ـ معروفا بالصلاح والفقه ، فقد جاء عن سالم أبي النضر أنه قال: شهد مروان جنازة فلما صلى عليها انصرف، فقال أبو هريرة: أصاب قيراطا وحرم قيراطا، فأخبر بذلك مروان فأقبل يجري حتى بدت ركبتاه، فقعد حتى أذن له (16).
وقال عنه معاوية : القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، الشديد في حدود الله، مروان بن الحكم . (17). وقال عنه أحمد بن حنبل : يقال كان عند مروان قضاء، وكان يتتبع قضايا عمر بن الخطاب ، وقال ابن وهب: سمعت مالكا يقول وذكر مروان يوما فقال : قال مروان: قرأت كتاب الله منذ أربعين سنة ،ثم أصبحت فيما أنا فيه، من إهراق الدماء وهذا الشأن (18).
ونعود لحديثنا فأقول : إن الأمر انتهى باجتماع المسلمين على عبد الملك بن مروان بعد مقتل عبد الله بن الزبير ، وكان عبد الله قد ظل يُنادى بأمير المؤمنين تسع سنوات تقريبا ، وقد قام خلالها بتجديد بينان الكعبة ؛ لأنها قد أصابها شرر فاحترقت كسوتها وتصدع بعض جوانبها ..وكان قد بلغه أن رسول الله قال : « يا عائشة ، لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية لهدمت البيت حتى أدخل فيه ما أخرجوا منه في الحجر ، فإنهم عجزوا عن نفقته ، وجعلت لها بابين ، بابا شرقيا ، وبابا غربيا ، وألصقته بالأرض ، ولوضعته على أساس إبراهيم »(19) فوسعها وأدخل فيها الحجر ...
وقد امتد بأمه أسماء بنت الصديق العمر حتى شهدت وفاته فجاء إليها الحجاج معزيا وقال : يا أسماء إنني وعبد الله تسابقنا إلى تلك الخشبة ( التي صلب عليها ) فسبقني إليها ، ورحل بعدها أخوه عروة بن الزبير إلى دمشق فدخل على عبد الملك قبل أن يعلم بنبأ مقتل عبد الله فرحب به ، وأثناء الحديث قال له عبد الملك : كيف حال أبي بكر ( أي عبد الله ) فقال له عروة : إن أبا بكر قد بان ، فقال له : وما فعل ؟ قال : قتل يرحمه الله ! فخر عبد الملك ساجدا ، ثم قال له عروة : فهب جثته لأمه ، قال : أفعل ، وكتب إلى الحجاج يأمره بأن ينزله من على خشبته ويدفعه إلى أمه لدفنه .
ولما تمت البيعة لعبد الملك بالخلافة كتب إليه عبد الله بن عمر بن الخطاب يقول : بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله بن عمر إلى عبد الملك أمير المؤمنين ! سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد فإنك راع وكل راع مسئول عن رعيته " الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا" [ النساء: 86 ] لا أحد والسلام .(20).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://wessam.gid3an.com/
 
نظرات في العصر الأموي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مظاهر التعريب في العصر الأموي
» تاريخ القاهره من العصر الفرعونى...... الى ........العصر الحديث
» بطل العصر ولكن إلى أين
» العصر الحجرى
» العصر الرقمي والتعليم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
Wessam The Educational Forum وسام المنتدي التربوي :: التاريخ الإسلامي The Islamic History-
انتقل الى: