هو ماركوس يوليوس فيليبوس «Marcus Julius Philippus»، إمبراطور روماني من أصل عربي. ولد نحو سنة 200-204م، في قرية بالقرب من مدينة بصرى الشام، عُرفت في الفترة الرومانية باسم فيليبوبوليس وتعني مدينة فيليب، وعُرفت فيما بعد باسم شهبا. ينتسب والده إلى عرب منطقة اللجاة السورية، من الذين حملوا أسماء رومانية بعد إصدار الإمبراطور كركلا (198-217م) قراره الشهير بمنح الرعوية الرومانية إلى مواطني الدولة كافة في أقاليم حوض المتوسط من دون استثناء، وهكذا حمل والده اسم بوليوس مارينوس وحمل الابن اسم ماركوس يوليوس فيليبوس.
التحق فيليب، أسوة بشباب عصره الباحثين عن لقمة العيش والشهرة والمجد، في صفوف الجيش الروماني، ويبدو أن صفاته الجسدية والفكرية والشخصية، إضافة إلى مواهبه العسكرية، قد أهّلته للترقي في صفوف القيادة حتى أصبح أحد قادة الحرس الإمبراطوري الذي كان يرأسه قريب الإمبراطور الشاب غورديان الثالث ويدعى تيمِسيثيوس. وفي مستهل شتاء (243-244)، ومتابعة للحروب المتتابعة بين روما والفرس، خاض الإمبراطور غورديان الثالث حرباً ضد الساسانيين، وحقق انتصارات باهرة على جيوش الملك الساساني سابور الأول (241-272) حتى وصل إلى عاصمته طيسفون (المدائن). لكنه فقد خلال المعارك قائد حرسه الإمبراطوري تيمسيثيوس، فعيّن بدلاً منه فيليب العربي، الذي واجه مباشرة، بعد تسلمه منصبه، حركة تمرد عسكري على أبواب عاصمة الساسانيين، التي أفلحت في اغتيال الإمبراطور غورديان، وطالبت بفيليب إمبراطوراً بعد توقيع معاهدة سلام مع سابور الأول.
اتجه فيليب بعد ذلك إلى روما عن طريق أنطاكية، التي سك فيها أول نقود حملت اسمه وخلدت سلامه مع الفرس. وفي طريق عودته عبر أوربا، ولإقناع مجلس شيوخ روما بالموافقة على تعيينه إمبراطوراً، خاض فيليب عدداً من المعارك ضد القبائل الجرمانية وحقق فيها نصراً مؤزراً سنة 246، وكذلك انتصر على قبائل الكابري في داسيا (رومانيا المعاصرة) سنة 247.
كان زواجه سنة 237 بمارثيا اوتاسيلا سيفيرا قد أثمر طفلاً دعاه أيضاً فيليب. ومع أن هذا الطفل لم يكن قد تجاوز بعد العاشرة من عمره عندما وصل فيليب إلى روما عام 248، إلا أن الإمبراطور أصدر أوامر متلاحقة بمنح ابنه لقب قنصل، وبعد ذلك لقب قيصر، وأخيراً لقب أوغست ومساعداً للإمبراطور. وفي 21 نيسان/إبريل 248م، احتفل فيليب بالعيد الألفي لتأسيس روما احتفالاً ترددت أصداؤه في أرجاء الإمبراطورية كافة، وأتبع فيليب ذلك بإصدار عدد من القرارات بهدف تحقيق بعض الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، مما أكسبه عطف الطبقات الفقيرة، وكذلك المضطهدين من السياسيين الذين تعرضوا سابقاً لعقوبات قاسية.
وفي مواجهة الغزوات البربرية على منطقة الدانوب، أرسل فيليب عدداً من الكتائب المسلحة بقيادة غايوس مسيوس دكيوس لمواجهة الموقف، ويبدو أن نجاح هذا القائد في تحقيق انتصارات على البرابرة أغراه بالمطالبة بمنصب الإمبراطور، وعندما حيّته قواته بهذا اللقب توجه إلى إيطاليا، وعلى حدودها الشمالية وفي موقع فيرونا حقق دكيوس، في خريف سنة 249، انتصاراً ساحقاً على قوات فيليب الذي قُتل وابنه، ودخل القائد المنتصر روما منهياً فترة إمبراطورية فيليب العربي التي دامت خمس سنوات.
تذكر بعض مصادر تاريخ حياة فيليب، أخباراً عن تسامحه مع المسيحيين، الذين كانوا يعانون اضطهاد أباطرة روما، وهي أخبار فسرها بعض المؤرخين المسيحيين من القرن الرابع وما بعد، على أنها مؤشر على إيمان فيليب بالمسيحية، في حين ينكر مؤرخون آخرون هذا التفسير ارتكازاً على شواهد أخرى، وإن كانت حوادث التسامح أوضح في تاريخ هذا الإمبراطور.
كما يؤكد كثير من المصادر والمكتشفات الأثرية، أن فيليب عبَّر، خلال فترة حكمه، عن عميق انتمائه ووفائه لوطنه، وذلك عن طريق إبراز عناية فائقة بمسقط رأسه فيليبوبوليس، لدرجة دفعت بعض الآثاريين إلى القول إنه أراد أن يباهي فيها روما عاصمة العالم المعروف وقتئذ، لذلك أحاطها بالأسوار المنيعة المحصنة بالأبراج الدفاعية والمزينة بالبوابات الفخمة المبنية على أشكال أقواس النصر، وخططها على الطريقة الشبكية حيث يخترق المدينة شارعان رئيسان متعامدان مرصوفان بالحجارة البركانية المنحوتة، ويؤديان إلى ساحة عامة (فوروم)؛ تزينها الأقواس الحجرية السوداء، وتنتشر على أطراف الشوارع مجموعة من المباني العامة والخاصة كالمعابد المهيبة والقصور الفخمة المزينة بأجمل لوحات الفسيفساء والحمامات والملاعب والمسارح على الطراز الروماني، وتصلها المياه النظيفة، وتطرح مياهها المالحة عن طريق قنوات مغطاة كأفضل ما يكون تخطيط المدن في ذلك العصر.
ولعل من أجمل ما تبقى من هذه الأوابد، المبنى الجنائزي لأسرة الإمبراطور «فيليبون» المزين بالأعمدة الإيونية والمشاهد ذات النقوش الجميلة.