الأغالبة: نسبة إلى ابراهيم بن الأغلب بن سالم بن عقال التميمي، المستقل بولاية افريقية في عهد هارون الرشيد، ومؤسس دولة بسطت نفوذها على المغرب الأدنى تونس حاليا وكذا الأجزاء الشرقية من الجزائر وغرب ليبيا وذلك منذ سنة 184 هـ حتى سقوطها على يد الفاطميين العبيدين سنة 296 هـ.
من المعروف والمشهور عن هذه الدولة اهتمامها بالجهاد البحري فأنشأت أسطولا ضخما تمكنت بفضله من فتح جزيرة صقلية بقيادة القاضي أسد بن الفرات وذلك في عهد أميرها الثالث زيادة الله بن ابراهيم سنة 212 هـ ...
هذه المعطيات لم تثر فضولي لأني سبق وان قراتها مرار ..غير أن الأمر الذي استوقفني حقا وأثار فضولي هو قضية اجتياح دولة الأغالبة لرومية ـ روما ـ في عهد أميرها الثالث أبو محمد زيادة الله بن ابراهيم سنة 846 م، قرأت ذلك على موسوعة ويكيبيديا ولم يكتف كاتب هذا المقال بهذا بل اشار أن الاغالبة حاصروا رومية ثم قاموا باحتلالها لمدة شهرين فضلوا بعدها العودة إلى القيروان بغنائم كثيرة؟؟؟
وليس في سير الحملات البحرية الاسلامية أمتع ولا أغرب من غزو المسلمين لمدينة رومة، فقد غزا المسلمون مدينة القياصرة مرتين. وليس لدينا سوى لمحات ضئيلة من أخبار هذا الغزوة التي عنيت بالإشارة إليها تواريخ الافرنج فقط.
وقد نحمل صمت الرواية العربية على أن هذه الغزوة لم تكن لحساب حكومة اسلامية منظمة، وإنما قامت بها عصابات قوية من المسلمين، غير أنه يلوح لنا تكرر هذه الحملات على الشواطئ الايطالية وعلى رومة، ومن ضخامتها وانتظامها، ومن تعاهد قادتها مع البابا كما سنرى، ومن خروجها من ثغور صقلية وعودها إليها، أنها كانت على الأقل تعمل بوحي حكومة صقلية، أو بالأحرى حكومة إفريقية التي صقلية تابعة لها .
وكانت(( ملكة العالم )) رومة لا تزال حتى في ذلك العهد التي فقدت فيه منعتها القديمة ، تتمتع بلمحة من هيبتها الذاهبة، وكان القوط والوندال واللومبارد قد غزوها مراراً وأثخنوا في أنحائها الفخمة، ولكنهم احترموا دائماً أحياءها ومعابدها المقدسة، التي كانت تقع في ظاهر الفاتيكان وفي طريق ثغر أوستيا الواقع على مصب تيفري ( التيير ) ، ولكن المعاهد والأساطير الصرانية تبث مثل هذا الروعة في أنفس البحارة المسلمين .
ففي سنة 846 م (231 هـ ) سارت حملة كبيرة من صقلية نحو الشمال بحذاء الشاطئ الايطالي، وبعد أن عاثت في ثغورة وحاصرت جايتا ونهبت فوندى ، رست عند مصب نهر تيفري، وليس في الرواية الاسلامية ما يلقي الضوء على هذه الغزوة، ولكنها وقعت في عهد أبي العباس محمد ابن الاغلب أمير إفريقية ( 226 - 242 م ) ، وكان على صقلية يومئذ الفضل بن جعفر الهمذاني، والظاهر أنها كانت من السرايا البحرية الخاصة، ولكن لاريب أن لأمير صقلية يداً في تنظيمها وتوجيهها ، وكان على كرسي البابوية يومئذ الباب سيرجيوس الثاني، وكانت أسوار رومة لا تشمل كل المدينة القديمة ، بل كان الحي المقدس وكنيستا القديس بطرس والقديس بولس، وطائفة كبيرة من المعابد والقبور القديمة ، خارجاً عن الأسوار ، معرضاً للإعتداء .
فانقض البحارة المسلمون على ذلك الحي وجردوا الهياكل والأصنام من حللها النفيسة ، وانتزعوا هيكلاً فضياً من قبر القديس بولس، وضربوا الحصار على مدينة القياصرة، فارتاع البابا واهتز الشعب الروماني فرقاً ورعباً ، وبادر الإمبراطور لويس الثاني ملك الافرنج واللومبارد بإرسال حملة من جنده لمقاتلة الغزاة، وجهزت ثغور نابولي ( نابل ) وأمالفي وجايتا حملة بحرية لمطاردتهم، وقدمت ذلك الحين سفن مسلمة أخرى لتشد أزر الحملة، على أن الذي أنقذ المدينة الخالدة من الوقوع في أيدي المسلمين هو خلاف الزعماء المسلمين أنفسهم، فرفعوا الحصار بعد أن قاتلوا جند الإمبراطور وسفن الثغور الايطالية قتالاً رائعاً غرق فيه بعض سفنهم، وعادوا الى الجنوب مثقلين بالغنائم والأسرى ( سنة 850 م ) .
فكشفت هذه الجرأة للبابوية والنصرانية ضعف المدينة الخالدة وما تتعرض إليه من المخاطر، ونشط خلف سيرجيوس، ليون الرابع الى تحصينها، وأدخل الحي المقدس وكنيستي بطرس وبولس في حمى الاسوار، وحصن هذه الضاحية التي مازالت تسمى (المدينة الليونية ) تخليداً لاسمه، وأغلق مصب نهر تيفري بسلسلة ضخمة من الحديد تحول دون تقدم الهاجمين .
وتوالت حملات السرايا المسلمة بعدئذ على الثغور الايطالية وكانت حملات ناهبة ، ولكن فكرة غزو المدينة الخالدة لبثت تجول في أذهان المسلمين أعواماً أخرى، ففي سنة 870 م - 256 هـ ، نشط أمراء البحر المسلمون في ثغور إفريقية والأندلس الى تجهيز حملة كبيرة ، ولم نجد في الرواية الاسلامية مايلقي الضوء أيضاً على أخبار هذه الحملة ، ولكن هنالك ما يدل على أن حكزمتي إفريقية وصقلية هما اللتان أشرفتا على إعدادها ومدها بالمؤازة المادية، وكان أمير إفريقية يومئذ محمد بن أحمد بن الأغلب ، ( 250-261 هـ ) وعلى صقلية محمد بن خفاجة ، وكان ابن الاغلب قد افتتح ماطا قبل ذلك بعام ، وظهر ابن خفاجة أمير صقلية بحملاته البحرية في مياه قلورية ، واجتمعت الوحدات المختلفة في بعض ثغور سردانية، ثم قصدت الى الشاطئ الايطالي فأثخنت فيه كعادتها ، ورست عند مصب نهر تيفري على قيد 16 ميلاً من رومة ، وكان البابا ليون قد عقد محالفة دفاعية مع مجمع الثغور الامبراطورية أعني نابولي وأمالفي وجايتا، فبادر أسطولها في الحال بالزحف على سفن المسلمين، تحت إمرة قائد شجاع فتى يدعى قيصريوس، فخف المسلمون الى لقائه ، ونشبت بين الفريقين معركة بحرية كبرى في مياه أوستيا ثغر رومة، ولكن عاصفة هبت عندئذ فارتد الاسطول الفرنجي الى الشاطئ، واصطدمت سفن المسلمين ببعضها البعض فغرق عدد منها .
بيد أن هذه الخسارة الجزئية لم ترد المسلمين عن عزمهم، فلبثوا يهددون بالحصار حتى اضطر البابا يوحنا الثامن خلف البابا ليون أن يفاوضهم في الجلاء ، على أن يدفع لهم جزية سنوية قدرها 25 ألف مثقال من الفضة .
للأمير الكبير شكيب أرسلان رحمه الله تعالى كتاب بعنوان:
تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وجزر البحر المتوسط
وهذه نسخة للكتاب
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]ذكر في كتابه نقلا عن مصادر أوربية بعض هذه المعلومات و عن خبر اجتياح المسلمين لروما بكلام جميل فراجعه غير مأمور
المراجع :
1- راجع أخبار هذه الغزوة في Famin : Iavasions des sarrazins en italy .
2 - Gilbbon : ibid, Ch Lll . ففيها تفاصيل مفيدة عن غزوات المسلمين في المياه الايطالية .
3- Finlay : ibid .
4- وراجع أيضاً ابن خلدون ( ج 4 ص 100 - 205 ) .
النقل من كتاب / مواقف حاسمة في تاريخ الاسلام ، تأليف محمد عبدالله عنان ، الطبعة الخامسة الناشر حسين عنان1997 م .
أرجو أن أكون قد وفقت في إلقاء مزيداً من الضوء على تلك الحوادث العجيبة في ذلك التاريخ الغامض .