azoza الوسام الذهبي
الابراج :
عدد المساهمات : 294 تاريخ الميلاد : 14/12/1983 العمر : 40 نقاط : 548 تاريخ التسجيل : 20/04/2010
بطاقة الشخصية تربوي:
| موضوع: الممارسة المبنية على البراهين في الخدمة الاجتماعية Evidence-Based- Practice In Social Work د. مجيدة محمد الناجم أستاذ مساعد بقسم الدراسات الاجتماعية- كلية الآداب- جامعة الملك سعود الخميس يوليو 15, 2010 9:08 pm | |
|
الممارسة المبنية على البراهين في الخدمة الاجتماعية Evidence-Based- Practice In Social Work ملخص:
يتناول هذا البحث مفهوم حديث في إطار تعليم وممارسة مهنة الخدمة الاجتماعية ألا وهو مفهوم الممارسة المبنية على البراهين .(EBP) evidence-based- practice والذي يشير إلى أهمية توظيف المعرفة العلمية المنهجية في تقصي الحقائق، بالإضافة لتوظيف الخبرات الشخصية ومهارات الممارسة وإشراك العملاء عند إجراء التدخلات المهنية، مع إجراء عملية تقويم مستمرة لما يتم إجراؤه من تدخلات مهنية، وما يتم الاستعانة به من أساليب مهنية، وذلك بهدف تحسين الخدمات المقدمة لعملاء الخدمة الاجتماعية. وتعد الممارسة المبنية على البراهين استراتيجية، إذ أنها تتضمن خطوات ومراحل محددة، وعلى حد علم الباحثة أن هذا المفهوم الحديث في ممارسة الخدمة الاجتماعية لم يحظ بالطرح العلمي في كتابات الخدمة الاجتماعية العربية، لذا فإن هذه المقالة ستسعى للوقوف على ما تشير له الممارسة المبنية على البراهين وتتبع تطورها في المهن ذات الصلة وانتقالها للخدمة الاجتماعية وحدود الاستفادة منها، والدور المتوقع من الاعتماد على الممارسة المبنية على البراهين في زيادة فعالية وكفاءة ممارسات الخدمة الاجتماعية وتحقيقها أهدافها ورضا عملائها والارتقاء بمستوى خدمات الرعاية الاجتماعية بشكل عام.
Evidence-Based- Practice In Social Work
Abstract:
This research deals with the concept in the context of modern education and practice of the profession of social work is the concept of evidence - based - practice (EBP). Which refers to the importance of recruiting scientific knowledge in the fact-finding, methodology, in addition to the recruitment of personal experiences and skills practice and the involvement of clients in a professional interventions, with a continuous process of evaluating what is the vote of professional interventions, and is drawn from professional methods, in order to improve services for social work clients. The practice of evidence-based strategy, as it contains specific steps and stages, and was known to the researcher, this modern concept in the practice of social work has not been frank scientific writings of social work in Arabic, therefore, this article will seek to find out what it refers to evidence-based- practice and tracking the development of relevant professions and transfer of social work and limits use of it, and the role expected to rely on evidence-based- practice to increase the effectiveness and efficiency of social work practices and achieve their goals and satisfaction of their clients and upgrading social welfare services in general.
مقدمة:
تسعى مهنة الخدمة الاجتماعية إلى تطوير أساليبها وتقنياتها في الممارسة من خلال تقديم أفضل التدخلات المهنية التي تتمتع بمستوى عال من الفعالية والكفاءة في آن واحد، وهذا المطلب ليس حديثاً، بل يعد من المتطلبات الرئيسة للمهنة فقد ركزت الكتابات الأولى للمهنة على أهمية السعي الحثيث نحو تبني كل ما من شأنه أن يقدم ممارسة تتمتع بمستوى عال من التقنين، فكان المنهج العلمي هو الوسيلة الرئيسة التي رأى ممارسو الخدمة الاجتماعية أنها ستؤدي للوصول لتدخلات مبنية على شواهد واقعية تم التحقق منها باستخدام المنهج التجريبي أو ما يعرف بالمنهج الأمبيريقي empirical methodفي الكتابات التي نشرت مع بداية ظهور مهنة الخدمة الاجتماعية (البريثن، 2000: 97-98)، إضافة إلى توظيف الخبرات والاستناد على القيم والمبادئ الأخلاقية في تقديم العلاج للعملاء، وفي تحسين خدمات الرعاية الاجتماعية في جميع المجالات وفي جميع المستويات. كما أصبح الحديث عن دمج البحث بالممارسة من القضايا الحاضرة باستمرار عند تناول فعالية ممارسة مهنة الخدمة الاجتماعية، لذا فقد طورت واستعانت مهنة الخدمة الاجتماعية بالعديد من الاستراتيجيات والتقنيات التي تطورت في العلوم ذات الصلة لمحاولة الاستفادة منها وتوظيفها في أدبيات الخدمة الاجتماعية بهدف الإفادة منها في زيادة فعالية ممارسة مهنة الخدمة الاجتماعية، التي كانت إحدى القضايا التي أثيرت في نهاية الستينيات ومع مطلع السبعينيات من القرن الماضي، وما زالت محل جدل حتى الوقت الراهن. وقد صاحب قضية الفعالية الوصول لعدد من الاقتراحات والأساليب الحديثة من أجل تحسين مستوى ممارسة الخدمة الاجتماعية والارتقاء بها. لذا فقد انفتحت المهنة على المهن والتخصصات ذات الصلة لتستعين بما لديها من تقنيات حديثة يمكن أن تؤدي لتقنين الممارسة وتطويرها لتصل لمستوى يرضي القائمين عليها من أكاديميين وممارسين وكذلك من مستفيدي خدماتها على حد سواء (البغدادلي، 1987: 246). وفي مطلع الالفية الحالية ظهر مفهوم الممارسة المبنية على البراهين في الخدمة الاجتماعية evidence- based- practice (EBP) كأحد المفاهيم التي تؤكد على أهمية إعداد ممارسين قادرين على اتخاذ القرارات المناسبة، بناء على مشاهدات واقعية، معتمدة على نتائج البحث التجريبي، مما يقلل التحيز ويؤدي للوصول لممارسة تمتع بفعالية وكفاءة، تؤدي للإتساق في ممارسة مهنة الخدمة الاجتماعية، مع الأخذ في الاعتبار خبرات ومهارات الممارسين عند تقديم خدماتهم المهنية (Gibbs & Gambrill, 2002: 452). وهذا ما تطمح مهنة الخدمة الاجتماعية الوصول له على مر العصور، حيث أنها منذ وقت مبكر وهي تسعى لبناء فكر منظم في الممارسة، يؤدي للوصول لنتائج تتمتع بالمصداقية حول الممارسات والسياسات التي تساعد على تقديم أفضل الخدمات للعملاء (البغدادلي، 1987: 251). ونظراً لما للممارسة المبنية على البراهين من أهمية فستنفرد المقالة الحالية بتناول المبررات التي ساهمت في تبني استراتيجية الممارسة المبنية على البراهين في الخدمة الاجتماعية، وتعريفها، وأهميتها لقضية الفعالية في ممارسة الخدمة الاجتماعية، ومراحلها وخطواتها، ومزاياها وعيوبها.
السياق التاريخي لتطور قضية فعالية الممارسة المهنية وصولاً لإستراتيجية الممارسة المبنية على البراهين في إطار ممارسة الخدمة الاجتماعية:
واجهت مهنة الخدمة الاجتماعية منذ مطلع السبعينيات في القرن الماضي إشكاليات متعددة حول فعالية ممارسة مهنة الخدمة الاجتماعية، مهدت الطريق نحو الوصول لتقنيات وأساليب تساعد على تقنين ممارسة مهنة الخدمة الاجتماعية وزيادة فاعليتها، ولعل أول ما جعل قضية فعالية الممارسة المهنية ترى النور هو المقال الذي نشره فيشر في العام 1973م بعنوان " Is case work effective? A review "حيث كان هذا المقال إحدى البدايات لظهور الشكوك حول فعالية ما يقوم به ممارسو الخدمة الاجتماعية من تدخلات، فقد انتقد فيشر التدخلات المهنية التي يقوم بها ممارسو الخدمة الاجتماعية وأن ليس هناك ما يثبت فاعليتها أصلاً (الدامغ، 1996(أ): 245؛ البريثن، 2000: 100). وفي عام 1981م نشر فيشر مقالاً آخر ذكر فيه أن الدراسات التقويمية التي هدفت لتقويم الممارسات المهنية منذ الثلاثينيات وحتى السبعينيات من القرن العشرين جاءت نتائجها لتؤكد أن أياً من المداخل التقليدية للخدمة الاجتماعية لم تحقق الفعالية المرجوة منها، إن لم تكن أدت إلى تردي حالة العملاء، وقد أكد على ضرورة الحرص على الالتزام بقيم ومبادئ المهنة كما اقترح أن تؤخذ أحاسيس العميل وسلوكه وخبراته في الاعتبار عند إجراء التدخلات المهنية، كما قدم اقتراحاً يتضمن استخدام نموذج انتقائي يتم من خلاله توظيف المهارات السلوكية، وأن تكون البيانات التي يتم جمعها عن العملاء قابلة للقياس، حيث يتم الوصول لمناهج أو طرق محددة لبناء تدخلات مهنية فيها سمة الصدق والثبات. وكان من أهم الدعوات التي دعا لها إمكانية استفادة الأخصائيين الاجتماعيين من التقنيات الموجودة في العلوم الاجتماعية والطبيعية للوصول لدرجة أعلى من الموضوعية والتنظيم والدقة في اختيار المعرفة المناسبة أثناء الممارسة المهنية (الدامغ، 1998: 480؛ البريثن، 1998: 21). وقد تلا تلك الدراسات والمقترحات التي قدمها فيشر دراسات أخرى قام بها عدد من علماء الخدمة الاجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي ركزت على مراجعة التدخلات المهنية التي كانت تتم مع عملاء الخدمة الاجتماعية، والتي كانت تجيء نتائجها بأن أساليب الممارسة تفتقر للعلمية وللتوجيه النظري العلمي، وقد أدت تلك الكتابات العلمية إلى ظهور اهتمام بمحاسبية المهنة accountability، والتي تتضمن مسئولية المهنة تجاه عملائها وقابلية التدخلات المهنية التي يتم إجراؤها للقياس والتقويم (الدامغ، 1996(أ): 246)، وقدرة الأخصائيين الاجتماعيين على تحكيم العقل والمعرفة (الخبرة) فيما يقدمونه من تدخلات (النوحي، 1999: 19). وقد جاء عدد من المقترحات لتجاوز الإشكاليات التي تواجهها المهنة والمتعلقة بكفاءتها ومنها الاتجاه نحو توظيف النظريات السلوكية لما تتمتع به من دقة وعلمية وقابلية للقياس والتقويم، وبالتالي تكون أكثر فعالية من الأساليب التقليدية (النوحي،1999: 23). وقد صاحب ذلك دعوات لدمج التوسع في استخدام التصميمات التجريبية experimental designs وشبة التجريبية designs quasi- experimental للتأكد من ملائمة مداخل وأساليب التدخل المهني مع مشكلات محددة أو طبيعة عملاء هي بدورها محددة. كما ظهرت تصميمات النسق المفرد single- system designs كإحدى التقنيات المنهجية التي تم الاهتمام بها بقصد تقويم الممارسة المهنية والتأكد من فاعليتها (الدامغ، 1996 (أ): 247). فقد ازداد الاهتمام بقضية إيجاد الباحث الممارس، محاولة لسد الفجوة التي استمرت كثيراً بين النظرية والممارسة في الخدمة الاجتماعية ومحدودية استفادة ممارسي الخدمة الاجتماعية مما تعلموه في واقع ممارساتهم المهنية. ومن الاعتماد على نتائج الدراسات والبحوث في التدخلات المهنية (البغدادلي، 1987: 248). ولم يتوقف عمل منظري وممارسي مهنة الخدمة الاجتماعية عند حد الاهتمام بالبحث العلمي، بل سعت المهنة إلى تطوير مهارات الممارسة ومحاولة تقنين وتحديد المهارات الأساسية التي تتطلبها ممارسة مهنة الخدمة الاجتماعية. كما أن الجمعية الوطنية للأخصائيين الاجتماعيين في الولايات المتحدة الأمريكية (NASW)أصدرت الميثاق الأخلاقي لمهنة الخدمة الاجتماعية في عام 1996م. كما سعت جمعيات الخدمة الاجتماعية إلى إصدار تراخيص للممارسة المهنية وربطت الحصول عليها وتجديدها بالالتحاق ببرامج التعليم المستمر continuance educationفي معظم جامعات ومدارس تعليم الخدمة الاجتماعية في الغرب. ولكن ظلت الفجوة بين النظرية والممارسة قائمة، لا سيما وأن الممارسين المهنيين في أغلب الحالات يكونون متلقين للمعرفة غير متقصين لها. وهذا يجعل ممارساتهم تقتصر على ما يتلقونه، ولا يبحثون عن المعرفة بأنفسهم. مما يعني أنهم سيكررون في كل مرة معرفتهم وخبرتهم الشخصية دون مراعاة لما يستجد من مشكلات ومواقف تتطلب أن يتم إجراء تدخل مهني بشأنها، معتمدة على معارف أخرى غير تلك التي تعلموها. فاهتمام مهنة الخدمة الاجتماعية بقضية الفعالية والسعي نحو تنظيم أساليب ممارسة مهنة الخدمة وتقنينها والاعتماد على ما ثبت فاعليته عن طريق البحث العلمي ليست بفكرة حديثة في واقع نمو وتطور مهنة الخدمة الاجتماعية، فهو ما سعت المهنة لتحقيقه من خلال تبني كل ما يستجد في حقل المعرفة الإنسانية وما يتم تطويره من تقنيات تساعد على تقنين الممارسة وصبغها بصفة العلمية،.فهذه الاتجاهات هي ما ساعدت على الاهتمام بمفهوم الممارسة المبنية على البراهين، حيث وجد فيها منظرو وممارسو مهنة الخدمة الاجتماعية أسلوباً يتماشى مع اتجاهات وفلسفة مهنة الخدمة الاجتماعية ويخدم تطلعاتها نحو الارتقاء بممارسة المهنة، بأسلوب يتسم بالحرفية المهنية والعلمية في آن واحد، ويستجيب لتطلعاتها لمواجهة التحديات الحديثة في ظل القضايا المعاصرة التي تحتاج لسرعة التعامل معها ومواجهتها. إضافة إلى أنها تعكس الاتجاه نحو الاعتماد على التقنية التكنولوجية في الوصول للمعرفة، حيث أصبح من اليسير الوصول للمعرفة في ظل انتشار وسائل التقنية الحديثة (Mcdonald, 2002: 134). حتى أصبح مفهوم الممارسة المبنية على البراهين من أكثر المفاهيم تناولاً في أدبيات الخدمة الاجتماعية الغربية في الوقت الحاضر. وقد أفرد له مجلات علمية خاصة تعنى بنشر الدراسات المتعلقة بتوفير القاعدة المعرفية التي تستند عليها ممارسة المهنة وفق استراتيجية الممارسة المبنية على البراهين، هذا بالإضافة إلى المقالات العلمية التي تتناول المفهوم محاولة توضيحه وربطه بقضايا ومجالات الممارسة المتعددة.
مفهوم الممارسة المبنية على البراهين:
كانت بداية ظهور مفهوم الممارسة المبنية على البراهين في الطب وعلى وجه التحديد في منتصف التسعينيات الميلادية حيث وجد الأطباء أنفسهم أمام معضلة متمثلة في نقص الخبرات وتوظيف ما يستجد من معارف وبحوث تجريبية في واقع الممارسة، واعتماد الأطباء على طرق تقليدية في تشخيص حالات المرضى، واتخاذ القرارات بشأنها، فهناك فجوة بين ما يستجد من معارف علمية وبحثية وبين واقع ممارسات الأطباء كما وجد الأطباء كذلك أن للتعليم المستمر والمؤتمرات العلمية تأثيراً ضعيفاً في إثراء خبرات الأطباء وفي تطوير أساليبهم في إجراء تدخلاتهم الإكلينيكية مما قد يكون له تأثير سلبي على رعاية المرضى مستقبلاً، فكان هناك اهتمام واسع نحو إيجاد الطبيب الباحث/الممارس في آن واحد القادر على اتخاذ قرارارته وتوظيف خبراته بالاستناد إلى المعرفة العلمية المنطلقة من مشاهدات واقعية. حيث لم تعد الخبرة وحدها كافية، بل لا بد من تدعيمها بالاستناد على نتائج البحث والتقصي العلمي. فتم الوصول لما يعرف بالطب المبني على البراهين والذي عرف بأنه "تكامل الخبرات الإكلينيكية الفردية مع أفضل البراهين السريرية (الإكلينيكية) المتوفرة من البحث المنظم" (Sackett et al, 1996) . كما تم تعريف الطب المبني على البراهين بأنه "الاستعمال المفهوم والصادق والواضح والحكيم لأفضل البراهين الحالية في صنع القرارات بشأن رعاية المرضى". فهو يعني تطبيق أحدث وأفضل المعلومات لمعالجة مشكلات المرضى، والقيام بعملية التشخيص، والتصور المستقبلي لتطور المرض، والأخطاء والأذى، ومأمونية وسلامة المرضى (خوجة ودشاش، 1425: 3-4). وقد لقي المفهوم قبولاً واسعاً في مجال الطب على الرغم من حداثته النسبية حيث أن تبلوره كمفهوم محدد كان في نهاية التسعينيات الميلادية، إلا أنه أصبح تعقد له المؤتمرات ويدرس كتوجه حديث في تعليم وممارسة الطب حول العالم. وقد انتشر مفهوم الممارسة المبنية على البراهين وانتقل لمهن أخرى منها التمريض، الصيدلة، والطب النفسي، والخدمة الاجتماعية. وما يعنينا في هذه الدراسة هو مفهوم الممارسة المبنية على البراهين في إطار الخدمة الاجتماعية حيث حظي المفهوم باهتمام كبير وملحوظ من قبل علماء وممارسي مهنة الخدمة الاجتماعية. فعلى الرغم من حداثة المفهوم بحد ذاته وإن كان كفكرة تسعى لربط البحث بالممارسة وتقويم فعالية الممارسة المهنية من خلال الاعتماد على المنهجية العلمية من القضايا التي كانت محل اهتمام مستمر من قبل منظري مهنة الخدمة الاجتماعية وممارسيها على حد سواء. فإن مفهوم الممارسة المبنية على البراهين يُعد من الموضوعات التي تلقى عناية من حيث تناولها في المقالات العلمية في الغرب، محاولين توضيح المفهوم ومعايير ومحددات توظيفه في واقع الممارسة المهنية، وربطه بتعليم وممارسة مهنة الخدمة الاجتماعية. وتتم الإشارة له في بعض الكتابات على أنه نموذج modelأو مدخل approach حديث للممارسة (Webb, 2001, McNeece & Thyer, 2004). بينما يشار له في كتابات أخرى بأنه استراتيجية strategy لأنه يتضمن خطوات محددة (Mcdonald, 2003: 124)، في حين هناك كتابات تناولته على أنه اتجاه جديد paradigm يمثل ثورة علمية scientific revolution (Howard et al, 2003 ) ، يجب أن يؤخذ به كأسلوب حديث لتعليم وممارسة الخدمة الاجتماعية، وإن هناك تحفظا – من وجهة نظر الباحثة- على اعتبارها ثورة علمية ، لأن الممارسة المبنية على البراهين وإن كانت تمثل توجهاً واتجاهاً جديد إلا أن كل معطياتها تعتمد في الأصل على ما استطاعت المهنة من الوصول له وبنائه عبر الزمن. ولكن الجديد هو في أسلوب توظيف تلك المعرفة والاستفادة منها في واقع الممارسة، وتأكيد الوصول لدمج البحث بالممارسة وسد الفجوة بين النظرية والممارسة التي أعيت الممارسين المهنيين لفترة من الزمن من جهة، وأحبطت أكاديميي وعلماء الخدمة الاجتماعية من جهة أخرى، حيث أن ما يقومون به من مجهودات علمية وبحثية تظل حبيسة الأدراج لا يستفاد منها، وهذا ما يجعل مفهوم الممارسة المبنية على البراهين مفهوما مرحباً به في أوساط منظري وممارسي الخدمة الاجتماعية بشكل كبير. وقد ساعدت التكنولوجيا الحديثة على انتشاره والاستفادة منه، إذ أنه أصبح من السهولة نشر البحوث العلمية والاستفادة منها على نطاق واسع. وبعد أن استعرضنا المواقف المختلفة التي ظهرت تجاه الممارسة المبنية على البراهين فإنه يمكن اعتبارها استراتيجية، إذ أنها تتضمن خطوات علمية، وتسعى لتوظيف أساليب وتقنيات متعددة للوصول لغاية وهدف محدد، وهذا المفهوم يتناسب مع مفهوم الاستراتيجية أكثر من غيرها من مصطلحات. ويمكن بالتالي تعريفها في إطار ممارسة الخدمة الاجتماعية بأنها "الاستخدام الأفضل لما يتاح من نتائج البحوث والدراسات العلمية التي تتمتع بمصداقية عالية عند إجراء التدخلات المهنية مع كافة عملاء الخدمة الاجتماعية أفراداً كانوا أو أسراً أو جماعات، والاستناد على أفضل النتائج التي تم الوصول لها من خلال تلك الدراسات. دون إغفال لخبرات الأخصائي الاجتماعي والمهارات المهنية بالاستناد على قيم وأخلاقيات المهنة، مع مراعاة خصوصية وفردية كل عميل وظروفه، وذلك على مستوى الوحدات الصغرى micro (McNeece & Thyer, 2004: 9). أما على مستوى الوحدات الكبرى macro فهي تساهم في تحسين خدمات الرعاية المقدمة لعملاء الخدمة الاجتماعية أو حتى عند رسم السياسات الاجتماعية التي تهدف إلى تقديم خدمات الرعاية الاجتماعية والارتقاء بها بشكل شامل على المستوى المجتمعي". وللوصول لتلك الممارسة التي تتميز بالفعالية والكفاءة هناك أساليب وخطوات محددة يجب تطبيقها أثناء الممارسة المهنية للوصول لتحقيق المفهوم تبدأ من طرح التساؤلات المهنية والإجابة عنها باستخدام أسلوب البحث والتقصي العلمي، انتهاء بعملية تقويم شاملة لعملية التدخل المهني ككل. والواقع أن مفهوم الممارسة المبنية على البراهين هو مفهوم يؤكد على تنويع المصادر العلمية خصوصاً تلك المتمتعة بدرجة عالية من المصداقية العلمية سواء كانت نتائج دراسات بحوث تجريبية أو حتى مسحية، والبحث عن المعلومات التي تتعلق بطبيعة مشكلة العميل وشخصيته، سواء في الدوريات العلمية أو عن طريق البحث في الانترنت، إضافة إلى الاعتماد على المقاييس العلمية المقننة، والنظريات العلمية التي ثبتت فاعليتها وملاءمتها للتعامل مع مشكلات محددة دون إغفال الواقع والخبرات المهنية للأخصائي الاجتماعي التي اكتسبها من مشاهداته وملاحظاته أثناء الممارسة، وما تمليه قيم وأخلاقيات المهنة، مستخدماً بذلك حساً انتقائياً يمكنه من اختيار الأفضل من بين الخيارات المتاحة له (Gibbs & Gambrill, 2002: 453). فمفهوم الممارسة المبنية على البراهين هو دعوة صريحة لدمج البحث بالممارسة وذلك بالاستعانة بنتائج البحوث بشقيها الكمي quantitativeوالكيفي qualitative، والمنطلقة كمياً من الفلسفة المنطقية الوضعية logical positivism والمتمثلة في الاستناد على نتائج دراسات البحوث التجريبية وشبة التجريبية والمسحية واستخدام المقاييس العلمية والموضوعية، والملاحظة العلمية المقننة (الدامغ، 1996(ب): 111). أما كيفياً فهي تلك المنطلقة من الفلسفة البنائية الاجتماعية social constructionismالتي تتم من خلال الاعتماد على الملاحظات الذاتية وما تسفر عنه المقابلات المتعمقة مع العملاء مع مراعاة السياق الاجتماعي والبيئي الذي تتفاعل فيه المواقف الإشكالية للعملاء وتؤثر عليهم (الدامغ، 1996(ب): 112)، وهذا ما يشار له بخبرات العملاء وظروفهم، إضافة لتوظيف الخبرات المهنية للأخصائي الاجتماعي. وهكذا نجد أن الممارسة المبنية على البراهين هي استراتيجية منهجية علمية تؤكد على حقيقة إيجاد الباحث/ الممارس القادر على تطوير معلوماته واتخاذ قراراته المهنية بأسلوب علمي منهجي متمتعاً بالمهارات المهنية، والالتزام الأخلاقي، مدعماً بالقدرة النقدية التي اكتسبها من خبرات الممارسة، وتمكنه من الانتقاء مما يتاح له الوصول إليه من نتائج ومعلومات ومعارف بما يتناسب مع طبيعة العملاء والمواقف والمشكلات التي يتعامل معها.
أهمية الممارسة المبنية على البراهين في زيادة فعالية الممارسة المهنية:
تأتي أهمية الممارسة المبنية على البراهين من كونها محاولة للوصول لأفضل ممارسة best practice والتي كانت وما زالت ما تطمح المهنة لتحقيقه لعملائها (Mcdonald, 2001: 125). فقد جاءت استراتيجية الممارسة المبنية على البراهين لتساعد على توظيف كل معطيات مهنة الخدمة الاجتماعية في قالب متكامل وتوظيف كل خبرات ومعرفة الأخصائي الاجتماعي ومساعدته على تطوير معارفه بشكل مستمر بحيث تواكب كل ما يستجد وكل ما هو حديث من معرفة تفيد في ممارسة الخدمة الاجتماعية، سواء تلك المتعلقة بالبحوث العلمية أو حتى في السياسات والتشريعات الاجتماعية. فبناء على ذلك، ففي كل مرة يقوم فيها الأخصائي الاجتماعي بإجراء تدخلاته المهنية يجب أن يطرح أسئلة لها إجابات محددة تساعده على اتخاذ القرار الملائم في تقديم المساعدة التي يحتاجها العميل. وأن يتحرك للبحث عن المعرفة فلا يعتمد على ما تعود عليه، بل يسعى لتطوير أساليبه، ومهاراته ومعرفته. فلا يقدم إلا على ما هو جاد وصادق، متجنباً الأخطاء المهنية. فأحد الأفكار التي يستند على أساسها مفهوم الممارسة المبنية على البراهين تؤكد على أن بإمكان الممارسين المهنيين أن يصلوا لحصيلة من تراكم الممارسات المهنية ذات الفعالية العالية التي يمكن أن يتم نشرها ويستفيد منها الآخرون. فالهدف إذن أن يتم توظيف المنهجية العلمية في إجراء التدخلات المهنية مما يؤدي للوصول لنتيجة يمكن تقويمها هي كذلك باستخدام المنهجية العلمية. وهذا الاتجاه بطبيعة الحال هو ما سيؤدي إلى أن تصل الممارسة المهنية في الخدمة الاجتماعية إلى مستوى عال من الحرفية المهنية والأسس العلمية التي هي الغاية التي تنشدها مهنة الخدمة الاجتماعية Shapiro et al, 2005: 5)). وسيؤدي ذلك إلى زيادة فعالية الممارسات المهنية، فعملية البحث المستمر والاستناد على المعرفة العلمية ومن ثم تقويم النتائج سيقلل من احتمالات الأخطاء المهنية، والممارسات المعتمدة على فرضية الخطأ والصواب، إذ أن ما سيتم اتخاذه من قرارات ستكون نابعة من مشاهدات ودلائل واقعية أكدتها المنهجية العلمية.
خطوات استراتيجية الممارسة المبنية على البراهين:
تستند الممارسة المبنية على البراهين على نتائج البحوث العلمية وإلى قاعدة علمية ومعرفية واسعة خصوصاً مع توفر قواعد البحث التي أتاحها انتشار التقنية الحديثة، والتوسع في الدراسات والبحوث التي تتناول مجالات مختلفة من حياة وسلوكيات الأفراد. فمن الأفكار التي تقوم عليها الممارسة المبنية على البراهين أن في كل مرحلة من مراحل الممارسة لا بد من الاعتماد على حقائق موضوعية ودلائل واقعية مستمدة من أفضل البحوث العلمية، فعمليات الممارسة التقليدية (الدراسة، التشخيص، العلاج) إضافة للتشخيص المستقبلي. لا يمكن الوصول لقرارات بشأنها وفق استراتيجية الممارسة المبنية على البراهين دون وجود دلائل وبراهين واقعية تؤكد حقيقة ما، فهي عملية تبدأ مع المرحلة الأولى من عمليات الممارسة المهنية، وتتضمن عمليات وخطوات محددة. تعنى بتمحيص الحقائق والوصول لمعلومات مؤكدة (McNeece & Thyer, 2004: 9). فالحقيقة التي يجب التأكيد عليها هنا أن استخدام استراتيجية الممارسة المبنية على البراهين لا يعني التخلي عن خطوات وعمليات الممارسة المتعارف عليها، بل يشير إلى استنادها على استخدام المعرفة العلمية والدلائل الواقعية بدءا من مرحلة الدراسة، وصولاً لتقويم عملية التدخل المهني. فالخطوات التي تبنى عليها استراتيجية الممارسة المبنية على البراهين تتسق مع مراحل عمليات الممارسة، وهذا ما سنتعرف عليه في الفقرات التالية من هذا البحث.
فقد حددت عمليات الممارسة المبنية على البراهين بخمس خطوات وهي :
1. طرح أسئلة يمكن الإجابة عليها، بحيث تكون واضحة ومحددة وعلمية لها إجابات متاحة في محركات البحث الألكتروني وفي البحوث والمجلات العلمية. المناسبة للتعامل مع المشكلة. 2. البحث عن أفضل البراهين، التي تجيب عن الأسئلة المطروحة. 3. استخدام النقد العلمي للاختيار بين البراهين المتاحة والتي تسنى الوصول لها. 4. تطبيق النتائج التي تم الوصول لها والمستندة على براهين واقعية في اتخاذ القرار بشأن التدخل المناسب مع العميل. 5. تقويم العملية ونتائج التدخل المهني باستخدام المنهجية العلمية.
وسنحاول فيما يلي تناول كل خطوة من الخطوات السابقة بالتوضيح، وكيفية تطبيقها في واقع الممارسة المهنية.
أولاً: طرح أسئلة يمكن الإجابة عنها، بحيث تكون واضحة ومحددة وعلمية ولها إجابات محددة:
جرت العادة على أن عمليات الممارسة المهنية تبدأ بعملية دراسة متفحصة لوضع العميل من أجل التعرف على مشكلته وعلى الخصائص المرتبطة به من أجل أن تتوفر معلومات كافية يمكن من خلالها الوصول لتشخيص منطقي وعملي لمشكلة العميل بما يؤدي إلى الوصول لتدخلات مهنية تتلاءم مع طبيعة المشكلة. وعادة ما تثار لدى الأخصائي العديد من التساؤلات التي يحاول أن يجد إجابة لها، فأول خطوة عند تطبيق استراتيجية الممارسة المبينة على البراهين هي أن يقوم الأخصائي بصياغة أسئلة واضحة ومحددة ودقيقة وشاملة يمكن الإجابة عنها بحيث تشمل أسئلة عن حالة العميل، وخصائصه، والأعراض المصاحبة لمشكلته، وأسئلة حول تقدير وتشخيص المشكلة، وأفضل التدخلات الملائمة مع طبيعة المشكلة، المخاطر المترتبة على التدخل المهني (المأمونية)، وأسئلة حول مستقبل العميل ووضع مشكلته (التشخيص المستقبلي)، والتي يمكن الإجابة عنيها من خلال نتائج البحوث والدراسات (Shapiro, 2005: 8, Bennett & Bennett, 2000: 173 ). وتتنوع المصادر التي يمكن أن يستند عليها الأخصائي الاجتماعي في الإجابة عن تساؤلاته. فهنا يجب التركيز في صياغة التساؤلات والمقصود به هنا أن تكون التساؤلات بحثية يمكن الإجابة عنها باستخدام البحث علمي، أي أن تكون تتمتع بخصائص التساؤلات المستخدمة في البحوث العلمية التي لا بد من الوصول لنتائج بشأنها عن طريق اتباع خطوات علمية محددة. وبالطبع فإنه كلما كانت الأسئلة محددة بدقة كلما أدى ذلك إلى اختصار الوقت والجهد وجعل النتائج المتحصل عليها واقعية ومنطقية. ويجب أن يراعى في هذه التساؤلات أن تجيب عن كل ما يتعلق بخصائص العميل ووضع مشكلته مع مراعاة ظروفه وبيئته. ووصف وضع العميل وخصائص مشكلته، كما تساعد على الوصول للنتائج المتوقعة. ويكون من السهل الإجابة عنها عن طريق البحث باستخدام محركات البحث الالكترونية، وفي المجلات العلمية (Gibbs & Gambrill, 2002: 454-455).
ثانياً: البحث عن أفضل البراهين التي تجيب عن التساؤلات: في واقع الأمر إن الأخصائيين الاجتماعيين عادة ما يلجأون للاستناد على خبراتهم المهنية، وعلى ما تعودوا عليه، في الإجابة عن التساؤلات المتعلقة بعملائهم وبمشكلاتهم، دون استخدام أسلوب منهجي علمي يؤكد أو ينفي ما يتوصلون له من نتائج، وهنا تلعب الصدفة دوراً كبيراً في صدق النتائج والإجابات المتحصل عليها. ففي حال لم يتم الاعتماد على المنهج العلمي والبحث عن الدلائل اليقينة التي هناك شبه اتفاق عليها. فإن كل ما يمكن الوصول له عرضة للقدح والرفض، ووفقاً لاستراتيجية الممارسة المبنية على البراهين فإن الخبرة المهنية وحدها غير كافية، بل لا بد من التوسع في البحث عن الدلائل والحقائق الموضوعية، فهنا على الأخصائي الاجتماعي قبل أن يصل لقرار بشأن مشكلة العميل أن يكون لديه قاعدة علمية ومعرفية مؤكدة، وبالتالي فإن ما تسفر عنه نتائج الدراسات والبحوث هو المحك الرئيس الذي يجب الاعتماد عليه، في الإجابة عن التساؤلات المتعلقة باتخاذ القرارات بشأن العميل ومشكلته. فليست كل الدراسات والبحوث المتوفرة هي أيضاً كافية ويمكن الأخذ بنتائجها، فهناك أيضاً محكات ومعايير لاختيار دراسات دون غيرها وهي محكات متعلقة بقوة المنهجية العلمية التي تم الاعتماد عليها في تلك الدراسات حيث أنه كلما كانت الدراسات تستخدم أساليب وطرقاً منهجية محمكة كلما كان هناك ثقة أكبر في النتائج المتحصل عليها من خلالها. ويأتي في المرتبة الأولى من حيث البحوث والدراسات التي يجب النظر لها والاعتماد عليها، نتائج الدراسات التجريبية المستندة على تقنية تحليل التحاليل الإحصائية meta- analyses، وبالأخص تلك التي تتمتع بتصميمات محكمة روعي فيها كل متطلبات التصميمات البحثية التجربيية من حيث العشوائية randomوالضبط control، فالتصميمات التجريبية تعتمد على وجود مجموعة تجريبية وأخرى ضابطة، مما يمكّن أن يؤدي إلى إعزاء التغيير إلى المتغير المستقل. فكلما كان هناك نتائج تؤكد حقيقة ما مستندة على دراسات تجريبية تم التأكد من نتائجها باستخدام تقنية تحليل التحاليل الإحصائية كلما أدى ذلك إلى تنحية عامل الصدفة والأخذ بيقين وقوة النتائج المتحصل عليها مما يعني قوة البرهان أو الدليل المستند عليه (McNeece, & Thyer, 2004:10). وبالأخص في العلوم الاجتماعية إذ أن الدراسات التجريبية عادة ما تكون قاصرة على مجموعات صغيرة مما يجعل مسألة التعميم محل شك، كما أن هناك ما يعرف بمخاطر الصدق الداخلي والصدق الخارجي التي ترتبط بالتصميمات التجريبية المختلفة مما يضعف من الاعتماد على نتائج تلك الدراسات والقطع بيقينها، لذا فإن استخدام تقنية تحليل التحاليل الإحصائية يُمكّن من تعميم النتائج واستبعاد كل احتمالات الخطأ والصدفة في النتائج المتحصل عليها. مع مراعاة حقيقة مؤداها أن صدق وقوة نتيجة تقنية التحاليل الإحصائية تعتمد كثيراً على صدق وقوة منهجية الدراسات التي تضمنتها. وتأتي في المرتبة الثانية الدراسات التجريبية التي روعي فيها كل شروط التصميمات التجريبية من حيث العشوائية ووجود المجوعات الضابطة، فكلما كان التصميم محكماً كلما أدى ذلك للوصول إلى نتائج يمكن الاستناد لها (McNeece, & Thyer, 2004:11). أما في المرتبة الثالثة فتأتي الدراسات شبة التجريبية، إذ أن احتمالات الصدفة فيها تكون أكبر وذلك لإخلالها بشرط أو أكثر من شروط التصميمات التجريبية، ومع ذلك فهي تُعد تصميمات مفيدة من الناحية العملية (رجب، 2003: 265). فتوفر عدد من الدراسات شبه التجريبية حول موضوع ما، خصوصاً إذا ما كان هناك شبه اتفاق في النتائج، يعطي مزيداً من اليقين والتأكيد على صدق النتائج المتحصل عليها، مما يساعد في الاعتماد عليها (McNeece, & Thyer, 2004:11). لتأتي في المرتبة الرابعة الدراسات قبل التجريبية pre- experimental designs وهي تصميمات ضعيفة لأنه لا يراعى فيها مبدأ العشوائية، كما أن الباحث في معظم الأحيان يكون غير قادر على التحكم في المتغير التجريبي، مما يجعل هذه الدراسات محفوفة بمخاطر الصدق الداخلي والصدق الخارجي (رجب، 2003: 266). ولكن تكرار الدراسات حول موضوع ما يؤدي لتلافي بعض عوامل القدح ويجعل من الممكن الاعتماد على نتائجها. وتأتي في المرتبة الخامسة الدراسات المسحية التي تساعد على الوصول لنتائج حول خصائص العملاء، وحول الأعراض المرتبطة بمشكلة ما، وبالطبع الاستناد على تلك النتائج التي تم الوصول لها، له قيمته العلمية وبالأخص أثناء عملية التشخيص، وعملية التشخيص المستقبلي، إذ أن توفر الدراسات المسحية المكررة عبر مراحل زمنية تساعد على توضيح حقائق مرتبطة بإحدى المشكلات التي تتعامل معها مهنة الخدمة الاجتماعية سيجعل هناك مصداقية في تحديد الأعراض والخصائص المرتبطة بمشكلة ما، وبتأثيرها على العملاء، وبالتالي فإن الاستناد على نتائج مثل تلك الدراسات سيجعل عملية التشخيص التي يقوم بها الأخصائي الاجتماعي -والتي تتضمن ضمناً اتخاذ قرار بشأن وضع العميل والتدخل المناسب له- لها دليل وبرهان علمي واقعي ومثبت علمياً (الناجم، 2007: 53). ثم تأتي في المرتبة السادسة الدراسات الكيفية والتي منها دراسة الحالة، وإن كانت تشكل دراسات علمية يمكن الاعتماد على نتائجها لتمثل دليلاً وبرهاناً علمياً يمكن الاستناد عليه في اتخاذ القرارات المهنية، ولكن يظل هناك تحفظات على نتائجها حيث أن الذاتية تلعب دورها في نتائج تلك الدراسات. لذا كان من الأهمية أن يتم الأخذ بنتائجها إلى جانب نتائج معتمدة من مصادر أخرى تدعمها وتؤكدها (McNeece, & Thyer, 2004:10). وهنا نصل إلى أن الدراسات والبحوث بمناهجها المختلفة، تمثل المصدر الرئيس للبراهين التي يُعتمد عليها في الممارسات المهنية. وتظل المعضلة كيف يمكن توفير الدراسات والبحوث للممارسين المهنيين؟ لتأتي الإجابة بأن البحوث المقدمة في المؤتمرات العلمية أو تلك المنشورة في الدوريات العلمية تمثل أحد أفضل المصادر التي يجب الاعتماد على الدراسات المنشورة فيها، وبالأخص تلك المجلات التي تتمتع بسمعة علمية عالية. كما أن محركات البحث الألكتروني تساعد في الوصول لكم هائل من المعلومات والدراسات البحثية. لذا كان من الأهمية أن يكون لدى الممارسين المهنيين إلمام واسع باستخدام تقنية الحاسب الآلي وكيفية البحث عن طريق شبكة المعلومات الالكترونية (الانترنت). وفي الغرب هناك مواقع توفر معلومات وبحوثاً تفيد المتخصصين في الخدمة الاجتماعية، أيضاً هناك العديد من المجلات العلمية التي توفر بحوثاً يمكن الاطلاع عليها والاستفادة من نتائجها في المجالات المختلفة لممارسة الخدمة الاجتماعية. فالهدف الحقيقي لاستراتيجية الممارسة المبنية على البراهين أن يكون الممارس المهني قادراً على البحث عن المعرفة المتعلقة بالحالة التي يتعامل معها. وبالمشكلة التي يسعى لإجراء تدخل مهني لها.
ثالثاً: استخدام النقد العلمي للاختيار بين البراهين المتاحة والتي تسنى الوصول لها: سيجد الأخصائي الاجتماعي، أمامه كماً من المعرفة المتاحة، وهنا تأتي مرحلة مهمة، تعكس إلى حد كبير معرفة الأخصائي الاجتماعي وحسه العلمي النقدي القادر على التمييز بين ما يمكن الاستفادة منه وما ليس كذلك. فليست كل المعرفة المتوفرة يمكن أن تساعد في عمليات الممارسة وفي اتخاذ القرارات السليمة، بل قد تكون مضللة، وتؤدي لارتكاب أخطاء مهنية، فهنا تظهر المعرفة المنهجية والعلمية، إضافة للخبرة المهنية، والمهارة في التحليل والتركيب ومن ثم الانتقاء وتوظيف ما يؤدي إلى الوصول لممارسة يقينية ذات أساس علمي ومعرفي واقعي وصادق. مبني على حقائق ومشاهدات واقعية. فواقع الأمر أن الأخصائي الاجتماعي يتعامل مع سلوكيات ومع أفراد لهم خصائص متفردة ومتغيرة في آن واحد، لذا فإن الدقة في الاختيار مهمة، بحيث تكون ما يختاره من أدلة هي التي فعلاً يجب أن يعتمد عليها ويستعين بها وتتناسب مع طبيعة مشكلة العميل ووضعه القائم (Briggs & Rzepnicki, 2004: 3-5). فعليه أن يعتمد على المعرفة التي تجيب عن تساؤلاته، بشكل محدد، وتساعده في الوصول لأفضل ممارسة ممكنة (Gibbs & Gambril, 2002: 454). فتوفر المعرفة يجعل هناك حيرة في الاختيار بينها وبين ما يمثل البرهان الحقيقي الذي يمكن الاستناد عليه، ولكن وجود الخبرة المهنية تساعد كثيراً في الاختيار والانتقاء، فحس النقد العلمي هو ما سيقود الممارس نحو اختيار الأفضل، ويعرف التقييم النقدي بأنه "طريقة لتقدير وتفسير البرهان عن طريق الاختبار المنهجي لصلاحيته ونتائجه ومدى علاقته بمجال العمل" (خوجة ودشاش، 1425: 12). وهناك محكات ومعايير لا بد من وضعها في الاعتبار أثناء المراجعة النقدية لاختيار أفضل برهان، وتتمثل في: 1. صلة الدراسة بالموضوع، ودرجة ارتباطها الفعلي، فليست كل الدراسات تتلاءم مع خصائص العملاء بالأخص في العلوم الإنسانية لأن الاختلافات واردة حيث أن لكل حالة فرديتها الخاصة، فيجب التأكد أن هناك تشابهاً بين خصائص العملاء وطبيعة المشكلات التي أجريت عليها الدراسات، ومع خصائص العملاء الذين سيقدم لهم التدخل المهني، وهنا يفضل الاعتماد على الدراسات المطبقة في الثقافات المشابهة لأن للبيئة تأثيراً كبيراً على وضع العميل ومشكلته. 2. تحديد ما إذا كانت نتائج الدراسة موجهة، نحو العميل، أو نحو المشكلة، فهناك اختلافات بين الدراسات فقد تكون الدراسة مفيدة مع طبيعة العميل ولكنها لا تتناسب مع المشكلة، وهنا لابد من اختيار الدراسات التي فعلاً تتطابق مع طبيعة العملاء ومشكلاتهم. 3. مصدر الدراسة، ومن قام بإعدادها، ومكانته وسمعته العلمية، فليست كل الدراسات يمكن الاعتماد عليها، وأيضاً ليست كل مصادر النشر يمكن الثقة بها، فعلى الممارس أن يعتمد فقط على الدراسات المنشورة في مجلات ذات سمعة علمية طيبة، أو المنشورة في مواقع إلكترونية موثوق بها. والمعدة من قبل باحثين ومهنيين ذوي سمعة بحثية جيدة، لأن بعض النتائج قد تكون غير واقعية أو فيها أخطاء تجعل من السهل القدح بها ورفضها. 4. التكامل العلمي والمنهجي، وترابط الموضوع، فيجب الاختيار بين الدراسات التي تتمتع ببناء منهجي جيد، والابتعاد عن تلك التي تظهر فيها أخطاء منهجية واضحة، لأن مثل تلك الدراسات ستكون نتائجها محل تشكيك. 5. تأثير الدراسة على الممارسة (ثمن تطبيقها على الممارسة)، فبعض الدراسات سيكون لها تأثير سلبي، وقد تؤدي لحدوث تجاوزات مهنية، بالأخص عند الاستعانة بدراسات طبقت في مجتمعات ذات ثقافات أخرى، فيجب الحرص على أن تكون النتائج إيجابية على الممارسة ولا يترتب عليها أي تجاوز مهني أو أخلاقي أو قيمي.
رابعاً: تطبيق النتائج التي تم الوصول لها والمستندة على براهين واقعية في اتخاذ القرار بشأن التدخل المناسب مع العميل: تتضمن الخطوة الرابعة من خطوات الممارسة المهنية وفق استراتيجية الممارسة المبنية على البراهين التأكد من أن ما تم الوصول من أدلة يتسق مع طبيعة العميل وطبيعة مشكلته، وفعلاً تمثل وضعه. وبالتالي يمكن تشخيص مشكلته وفق أدلة واقعية، بحيث يكون التشخيص علمياً ومبنياً على دليل قاطع إلى حد كبير. وهذا بدوره يساعد على اختيار التدخلات المناسبة التي لا يترتب على تقديمها للعميل أي تجاوزات مهنية أو أخلاقية، بحيث يمكن الانتقاء من التدخلات الموصوفة في الدراسات التي مثلت الأدلة التي يستند عليها الممارس تلك التي تتناسب فعلاً مع طبيعة العميل مع الأخذ في الاعتبار قيمه واختياراته (العميل)، إذ أن إحدى القيم الأخلاقية التي تعتمد عليها ممارسة الخدمة الاجتماعية تتضمن أن يكون العميل هو نفسه راضياً ومتقبلاً لما يقدم له من علاج ومساعدة مهنية. تؤكد الممارسة المبنية على البراهين على أهمية أن يقدم الأخصائي الاجتماعي تدخلات ثبت فعاليتها من خلال الاستناد على المنهجية العلمية، بحيث تكون صادقة، ولا يترتب عليها مجازفات تضر بالعميل وبالمهنة على حد سواء. فالأخصائي الاجتماعي حين يقدم على اتخاذ قرارات بشأن التدخل المناسب للعميل بناءً على دراسات مطبقة على حالات سابقة فسيكون لديه معلومات يمكن أن يمد بها العميل حول النتائج المتوقعة لعملية التدخل، والتشخيص المستقبلي لما سيكون عليه وضع العميل بعد عملية التدخل، وكذلك النتائج المترتبة على عدم إجراء التدخل المهني (الناجم، 2007: 167). وهذا سيحقق شفافية في الممارسة المهنية، وستزيد من وعي العملاء وثقافتهم، بحيث يكونون مشاركين في عملية المساعدة غير متلقين لمساعدات مهنية عرضة للخطأ والصواب، فأمامهم حقائق اطلعوا عليها، وبالتالي لن يكون هناك مجال للتشكيك فيما يقدم للعملاء من تدخلات مهنية. فالخيارات ستكون متاحة أمام الأخصائي الاجتماعي والعملاء على حد سواء، وهذا سيجعل عملية التدخل المهني عملية مشتركة. إضافة إلى أن الاعتماد على النتائج المحققة سيؤدي إلى الارتقاء بممارسة مهنة الخدمة الاجتماعية. وهذه الخطوة تتفاعل فيها الخبرة المهنية للأخصائي الاجتماعي مع النتائج التي أسفر عنها البحث عن البراهين واختيار الأفضل منها، فبحسه المهني وخبراته يمكنه تطبيق النتائج التي توصل لها باستخدام مهاراته المهنية. فالتطبيق لا يمكن أن يتم دون وجود خبرة الممارسة التي تعد مطلبا يعتد به في إطار الممارسة المبينة على البراهين.
خامساً: تقويم العملية لنتائج التدخل المهني (المخرجات): تتمثل الخطوة الخامسة من خطوات الممارسة المبنية على البراهين في تقويم عملية الممارسة التي اعتمدت على البراهين من أول خطواتها وصولاً لنتائج التدخل المهني. وعملية التقويم عملية لها أهميتها حيث أنها تساعد على التأكد من أن ما تم تقديمه مناسب فعلاً وبالتالي يمكن الاستفادة منه والأخذ به كدليل علمي في ممارسات أخرى، وتختلف طرق التقويم ولكن تظل الطرق التقويمية المبنية على أسس منهجية وعلمية هي الطرق التقويمية التي يمكن الاعتماد عليها والاطمئنان لنتائجها. ومن أبرز التقنيات المنهجية التي يؤخذ بها لتقويم عمليات الممارسة المبنية على البراهين استخدام تصميمات النسق المفرد single system designs حيث تمثل أحد التصميمات شبه التجريبية التي تهدف لتقويم فعالية الممارسة المهنية والتأكد من جدواها (Gibbs & Gambril, 2002: 454). التي ظهرت كإحدى المحاولات الجادة من أجل الوصول لممارسة تتمتع بفعالية من جهة، ولدمج البحث بالممارسة من جهة أخرى، كما تم ذكره في مطلع المقالة الحالية. فكانت من ضمن الاستراتيجيات التي ظهرت لتؤكد على تقنين الممارسة، وتقديم التدخلات المهنية التي ثبت فعلاً فاعليتها، كما أنها تؤكد على أهمية إيجاد الباحث الممارس، فكانت أحد الأساليب العلمية التي تم اعتمادها لسد الفجوة بين البحث والممارسة، من خلال إيجاد الباحث/الممارس القادر على استخدام المنهجية العلمية أثناء تطبيق ممارسته المهنية مع العملاء. وتعرف تصميمات النسق المفرد بأنها "تكرار جمع البيانات والمعلومات عبر الوقت عن نسق مفرد سواء كان هذا النسق فرداً أو أسرة أو مجموعة من الأفراد أو منظمة أو حتى مجتمع صغير" (الدامغ، 1996(أ)). حيث تتضمن طريقة عملية منظمة لجمع المعلومات وعرض البيانات، يتم استخدامها من قبل الأخصائي الاجتماعي، بهدف تقويم عائد التدخل المهني، معتمدة على تنظيم عملية التدخل المهني وتحديد أهدافها بدقة بحيث تكون أهدافاً قابلة للقياس. وتتضمن عملية تحديد الخط القاعدي baseline ومن ثم يتم إجراء التدخل المهني ويتم بعد ذلك إجراء القياس بشكل دوري للتأكد من أن التدخل المهني فعّال ويؤدي لإحداث تغييرات إيجابية في وضع النسق (العميل) (الدامغ، 1996 (أ): 247-248). وهناك تصميمات متعددة تختلف من حيث قوتها ومناسبتها لطبيعة التدخلات، ولكل منها مزاياها وعيوبها (الدامغ، 1996: 252). وتأتي أهمية الأخذ بتقنية تصميمات النسق المفرد في إطار الممارسة المبنية على البراهين على اعتبار أنها ستساعد على التحقق من أن التدخل المهني الذي تم تصميمه بناءً على ما أسفرت عنه نتائج البحث وبناءً على أدلة وبراهين علمية بالفعل فعّال أو أنه غير ذلك، وبالتالي يتم إيقاف التدخل المهني الحالي، وتقديم تدخل آخر بعد استمرار البحث عن أدلة وبراهين صادقة، تؤدي إلى الوصول لممارسة فعّالة، تحقق ما يتطلع الأخصائي الاجتماعي للوصول له. كما أن الاعتماد على تصميمات النسق المفرد في تقويم فعالية التدخل المهني المبني على براهين لها أهميتها في توثيق الممارسات المهنية المقدمة، فأسلوبها المعتمد على توضيح مسار التدخل المهني من خلال الرسوم البيانية توفر بيانات وحقائق عن تدخل ما، إضافة إلى أنه يمكن نشر نتائجها ليستفيد منها ممارسون آخرون، ونصل من كل ذلك إلى أن تصميمات النسق المفرد تعد إحدى التقنيات المنهجية التي تعتمد عليها الممارسة المبنية على البراهين في تقويم الممارسات المهنية.
مزايا وعيوب الممارسة المبنية على البراهين: تظل الممارسة المبنية على البراهين أسلوباً حديثاً لممارسة مهنة الخدمة الاجتماعية وبالتالي تفاوتت الآراء حول قبولها أو رفضها كاستراتيجية لممارسة مهنة الخدمة الاجتماعية، ويمكن بالتالي تحديد مزاياها التي تؤيدها في النقاط التالية: 1. أنها أسلوب سيساعد على تقنين الممارسة وزيادة فاعليتها. 2. أنها الحل لتضييق الفجوة بين البحث والممارسة والطريقة المثلى لإيجاد الباحث/ الممارس. 3. تجعل الأخصائيين الاجتماعيين على صلة بكل ما يستجد في حقل الخدمة الاجتماعية والعلوم ذات الصلة من دراسات وبحوث. 4. تساعد على تطوير معرفة الأخصائيين الاجتماعيين باستخدام الحاسب الآلي وطر | |
|