دا الكلام اللى قالوه، وكان كلام غريب جداً! أما رجع وزير المالية بهذا الكلام، كان من الواضح ان مافيش مساعدة حنالها من البنك الدولى، فقلنا نعتمد على أنفسنا، ونعتمد على شركات الصناعة اللى حتعاوننا فى بناء هذا السد. اتصلنا بالشركات الألمانية وبالحكومة الألمانية، وبعدين قالوا إن هم مستعدين يدونا ٥ مليون جنيه كقرض متوسط الأجل، وبعدين اتفقت الشركات الألمانية مع الشركات الفرنسية مع الشركات الإنجليزية - طبعاً اتفقوا على إنهم حيأخدوا هذا المشروع لأنهم حيكسبوا منه؛ لأن المشروع بحوالى بليون دولار، أما حيشتركوا فيه طبعاً حياخدوا حوالى تلت هذا المبلغ أو نص هذا المبلغ فى الحاجات اللى حيدوها لنا، فيه تنشيط لصناعتهم - وبعدين قالوا لنا التلاتة كلهم ٥ مليون على أساس قرض متوسط
فى شهر نوفمبر سافر وزير المالية إلى لندن وقابل وزير المالية الإنجليزى "مستر باتلر"، واتكلم معاه، فقال له: إن هم مستعدين يرفعوا هذا القرض المتوسط الأجل من ٥ مليون لـ ١٥ مليون - يعنى يبقوا التلاتة ٤٥ مليون - يدونا قرض عملة أجنبية علشان نمول السد العالى، والباقى نكمله احنا عملة مصرية، فسافر وزير المالية إلى واشنطن على هذا الأساس
الأمريكان قالوا: إنهم كانوا مقررين لمصر ٤٠ مليون دولار معونة، كانوا مقررينها على الورق، لكن ما ادوناش - دا الكلام دا كان فى ديسمبر - هم كانوا مقررينها من يونيو اللى قبله، لمصر ٤٠ مليون دولار معونة، والمفروض انهم حيدوها لنا، ولكن كنا بنطالب، كان باين انهم مش ناويين أبداً يدونا هذه المعونة، فقالوا: طبعاً احنا نستطيع ان احنا نحول لكم هذه المعونة للسد العالى
الإنجليز رجعوا فى كلامهم، قالوا: إنكم تاخدوا قرض من البنك الدولى، وان احنا نديكم معونة ١٦ مليون دولار؛ فالإنجليز يدونا معونة ١٦ مليون دولار، يعنى ٥ مليون جنيه، والأمريكان يدونا معونة حوالى ٥٦ مليون دولار، يعنى حوالى ٢٠ مليون جنيه
دى المعونة اللى هم عرضوها، ٢٠ مليون جنيه من الأمريكان، و٥ مليون جنيه من الإنجليز، والبنك الدولى قال: إنه مستعد يدينا ٢٠٠ مليون دولار بعد ٥ سنين - بعد البدء فى المشروع بخمس سنين - واحنا بقى فى الـ ٥ سنين الأولى علينا نصرف من مالنا ومن عرقنا ٣٠٠ مليون دولار. احنا حنصرف من جيوبنا ٣٠٠ مليون دولار، الإنجليز حيصرفوا ١٦ مليون دولار كمعونة، والأمريكان حيصرفوا ٥٦ مليون دولار كمعونة؛ دى المرحلة الأولى من بناء السد العالى اللى هى الـ ٥ سنين الأولى، وبدءوا على هذا يشترطوا ويتحكموا
حدثت مباحثات فى ديسمبر فى أمريكا مع الحكومة الأمريكية ومع مندوب الحكومة البريطانية ومع مندوب البنك الدولى، وآخر هذه المباحثات الطويلة المريرة جت اقتراحات من البنك الدولى. هذه الاقتراحات جواب من البنك الدولى بعته لى، بيقول: إنه مستعد يشترك فى تمويل السد العالى بـ ٢٠٠ مليون دولار، يعنى بعد ٥ سنين، وإن الـ ٢٠٠ مليون دولار مش حاخدهم مرة واحدة، حاخدهم على أجزاء زى ما أنا عايز، كل جزء نتفاوض فيه، وبعدين حط فى هذا الجواب شروط يجب ان مصر تتبعها علشان تستطيع انها تاخد هذا القرض من البنك الدولى
البنك الدولى قال: يقدم البنك الدولى ٢٠٠ مليون دولار إذا طلبها التمويل بالعملات الأجنبية، تمويل البنك - دفع الفلوس دى - يتوقف على الاتفاق على شروط القرض، وشروط القرض دى نتفاوض عليها من وقت لآخر، وطبعاً يا نتفق يا ما نتفقش، وبعدين قال: إن هذا القرض يتوقف على الشروط الآتية
يجب أن يطمئن البنك اطمئنان كامل إن العملات الأجنبية المطلوبة، اللى حتيجى من المنحة الإنجليزية والمنحة الأمريكية، ما تتقطعش، يعنى البنك ربط نفسه بالمنحة الإنجليزية والمنحة الأمريكية، قال: اديكم ٢٠٠ مليون دولار على شرط ان الإنجليز والأمريكان يكونوا راضيين عنكم ويدوكم المنحة
وبعدين الشرط التانى: يجب أن يتفاهم البنك - البنك الدولى - مع الحكومة المصرية، ويتفق معها من وقت لآخر.. يتفق على إيه؟ يتفق حول برنامج الاستثمار.. برنامجنا الخاص بالاستثمار والتصنيع لازم هو يتفق معانا ويوافق عليه؛ وصاية من البنك الدولى على الحكومة المصرية! تانى حاجة.. حول الحاجة إلى ضبط المصروفات العامة للدولة مع الموارد المالية التى يمكن تعبئتها.. لازم أنا أتفق معاه ازاى أظبط مصروفات الدولة، ولازم البنك الدولى يوافق على هذا الكلام
وبعدين لا تتحمل الحكومة المصرية أى دين خارجى.. ما نستلفش من حد أبداً ولا مليم، وكذا اتفاقات دفع.. ما نعملش اتفاق دفع زى اتفاق الأسلحة مع روسيا، ما نعملوش إلا بعد موافقة طبعاً البنك
كذا اتفاقات دفع تزيد عن الكميات المتفق عليها بين الحكومة المصرية والبنك بين وقت وآخر؛ حتى يكون البنك على بينة دائماً من أحوال مصر، وتتفاهم مصر مع البنك مقدماً قبل الاتفاق على أى التزام
وبعدين قال: إن تنظيم المشروع وتنفيذ المشروع وإدارة المشروع، وإدارة كل مرحلة من مراحل المشروع تخضع للاتفاق بين الحكومة المصرية والبنك
كل الشروط دى، وبعدين الآخر كتب فى آخر الجواب إيه؟ قال: وأخيراً يجب أن تعلمون أن اتفاقات البنك للمساعدة فى إقامة المشروع خاضعة - بلا شك - لإعادة النظر فيها إذا جدت ظروف استثنائية تستلزم ذلك
دا الجواب اللى بعته لى البنك بعد مفاوضات ديسمبر
الحكومة الأمريكية بعتت مذكرة، والحكومة البريطانية بعتت مذكرة، والبنك بعت الجواب دا. الحكومة الأمريكية تحيلنى على مذكرة الحكومة البريطانية وجواب البنك، وجواب البنك يحيلنى على مذكرة الحكومة البريطانية ومذكرة الحكومة الأمريكية، مذكرة الحكومة الإنجليزية تحيل على دى... يعنى العملية بقت عقدة، وظهر ان فيه هناك فخ بيعمل لنا للسيطرة على استقلالنا الاقتصادى
هذا الكلام رفض رفض بات، وقلنا: ان احنا مش ممكن نبيع نفسنا بـ ٧٠ مليون دولار معونة
اتكلمنا مع الأمريكان، وقلنا لهم: هل فيه شروط زى دى على المعونات اللى بتعطى لإسرائيل؟ الـ ٤٠ مليون اللى اعتمدوا لمصر كمعونة تعطى لنا علشان نصرفها ما أخدناهاش، ودلوقت بتقولوا نديها لكم تبعاً لشروط البنك الدولى، والبنك الدولى عايز يبعت مدير يقعد مطرحى فى مصر، وحنقدر نمشى ازاى بهذا الكلام؟ هذا الكلام يتنافى مع سيادتنا، يتنافى مع استقلالنا، يتنافى مع مبادئنا
قلنا لهم: إذا كنتم عايزين تدونا مساعدة، ادونا مساعدة على طول نصرفها زى ما نصرفها، وقارنا بين موقفنا وموقف العرب بإسرائيل، وقلنا: إنكم بتقولوا انتم أصدقاء العرب، إيه المساعدات اللى انتم بتدوها لإسرائيل؟! المساعدات اللى بتديها أمريكا لإسرائيل، واللى أنا ذكرتها وأذكرها لكم.. الهبة السنوية من الحكومة الأمريكية لإسرائيل منذ قيامها حتى الآن من ٣٠ إلى ٥٠ مليون دولار.. إسرائيل كل سنة بتأخد من أمريكا ما بين ٣٠ و٥٠ مليون دولار. المساعدة الفنية اللى بتاخدها إسرائيل من أمريكا تبلغ سنوياً من ٦ إلى ١٤ مليون دولار. المواد الغذائية الفائضة التى تهديها أمريكا لإسرائيل كل سنة ٧ مليون دولار. رءوس الأموال الأمريكية الموظفة فى إسرائيل ومشاريع إسرائيل ٢١٤ مليون دولار. اللى اتباع من سندات قرض الدولار الإسرائيلى فى أمريكا حتى الآن ٢٣٤ مليون دولار. فى ١٢/٧ سنة ٥٥ أعطى بنك أمريكا قرض لإسرائيل قدره ٣٠ مليون دولار. ما جمع من جباية اليهود فى أمريكا لإسرائيل حتى الآن - ودا معفى من الضرائب بقانون أمريكى - ٣ آلاف مليون دولار. ما أعطى لإسرائيل من أمريكا من قروض رسمية ١٦٤ مليون دولار. ما أرسل من تبرعات وهدايا للمؤسسات الإسرائيلية ١١٧ مليون دولار. مجموع التعويضات الألمانية - التعويضات اللى بتدفعها ألمانيا الغربية النهارده، واللى وافقت على انها تدفعها سنة ٥٣ بواسطة ضغط أمريكا - ٣ آلاف و٥٠٠ مليون دولار، تدفع كل سنة جزء منها بضائع وسفن ومصانع
برغم هذا عجز ميزانية إسرائيل التجارى فى العام ٢٣٠ مليون دولار، هذا العجز بيسدد كله من المساعدات الأمريكية، تبرعات يهود أمريكا فى الستة شهور الأولى من ١٩٥٦ بلغت ٦٥ مليون.. فى الست شهور الأولانيين من السنة دى ٦٥ مليون دولار، يقابلها ٥٨ مليون دولار جمعت خلال سنة ٥٥ كلها
دى المساعدات اللى بيدوها لإسرائيل، فاللى عايز يساعد بيدى، دا يعنى موضوع بيرجع إلى الرغبة.. اللى عايز يعاون واحد بيدى له، وطبعاً إسرائيل - زى ما نعرف - ربيبة أمريكا؛ فهى بتاخد معونات؛ لأن إسرائيل بدون هذه المعونة لا تستطيع أن تعيش. دا بالإضافة إلى طبعاً حيدوهم معونة حاجات ما قلتهاش؛ يدوهم معونة علشان يوطنوا اللاجئين - مش اللاجئين العرب؛ اللاجئين الصهيونيين اللى جايين من شمال إفريقيا، واللى جايين من بلاد أوروبا - ٥٠ مليون دولار بناء على اتفاقية بين أمريكا وبين إسرائيل
اتكلمنا مع ممثلين أمريكا، وقلنا لهم: فى فترة ٥ سنين سيصرف على السد العالى ٣٧٠ مليون دولار، ٣٠٠ مليون مصر حتدفعهم و٧٠ مليون انتم حتدفعوهم، وبعد كده المشروع اللى حيتكلف بليون دولار - ألف مليون دولار - البنك الدولى حيدفع منه ٢٠٠، وانتم دفعتم منه ٢٧٠، واحنا حندفع حوالى ٧٣٠ مليون دولار، ازاى أنا اللى حادفع ٧٣٠ مليون دولار أسلمك الخزنة بتاعتى، وأسلمك الحساب بتاعى، وما اعملش حاجة إلا بأوامرك؟! ما اعملش اتفاق دفع إلا أما آخد إذن من البنك الدولى، ما اعملش قرض إلا أما آخد إذن من البنك الدولى، ما أقدرش أقرر مشاريع داخلية إلا أما آخد إذن من البنك الدولى، ما أقدرش أقرر خطة تنمية إلا أما آخد إذن من البنك الدولى.. ازاى بس؟! مين يقبل هذا الكلام؟
قلت لهم: ان احنا لنا تجربة فى هذا.. تجربة، وان احنا استغلينا، وان احنا احتللنا على هذا الأساس، وإن النتيجة جا "كرومر" قعد لنا هنا فى مصر. ورفضنا هذا رفض كامل، وقلنا: ان احنا لن نقبل هذه الطريقة
**********
فى هذا الوقت.. فى هذه الأيام حضر السفير الروسى، وقال: إن روسيا مستعدة انها تشترك فى تمويل السد العالى - دا بعد ديسمبر - فأنا قلت له ان احنا بنتكلم دلوقت مع البنك الدولى، ونؤجل الكلام فى التفاصيل
ابتدينا نتكلم مع البنك الدولى، عرفوا ان هناك عرض روسى، عرفوا اعتراضاتنا، وصل إلى مصر فى فبراير سنة ١٩٥٦ - فبراير الماضى - مدير البنك الدولى، وبعت جواب قال: إنه عايز نبعت له دعوة علشان ييجى يتكلم معانا، وهو حيسهل كل هذه الأمور. وبدأت المفاوضات فى شهر فبراير مع مدير البنك الدولى، وحينما قابلت مدير البنك الدولى، قلت له بصراحة.. قلت له احنا عندنا عقد من القروض والفوايد، وما نقدرش نفصل هذا عن السياسة، وان احنا احتلينا بسبب الفوايد وبسبب القروض وما نقدرش ننسى، هذا التاريخ عالق بذهننا وعالق بدمنا، لا يمكن أبداً ان احنا نقبل أى مادة تمس بسيادتنا
وبعدين قلت له يعنى أنا مش شايف كمان.. يعنى مافيش ثقة، مش شايف حتى أما تشرفوا على ميزانيتنا انكم حتصلحوها؛ لأن فيه بلد جنبنا فى الشمال انتم مشرفين على ميزانيتها لأنها عاملة اتفاقيات معاكم، واقتصادها منهار، وطالبة دلوقت تدوها قرض ما انتوش راضيين، فإذا كنتم انتم فعلاً يعنى الإشراف بتاعكم بيصلح؛ كنتم صلحتم البلد اللى انتم واخدين فيها هذه المشاريع وبتدوها القروض. وان احنا نثق فى نفسنا، وإن تقرير البنك الدولى للاقتصاد المصرى بيقول: إن الاقتصاد المصرى سليم، ومصر تستطيع انها تتحمل نصيبها فى هذه النفقات
وقلت له كان مفروض ان احنا نبتدى فى يونيه الحالى.. نبتدى فى يونيه الحالى أول مرحلة من مراحل المشروع - والكلام دا كان فى فبراير - قلت له على هذا الأساس ما نقدرش أبداً نقرر البدء فى المشروع قبل ما نعرف إيه الاتفاق النهائى اللى حييجى بينا وبينكم
بعد مفاوضات طويلة قال: إن هو ما يقدرش يوقع اتفاق نهائى فى الوقت الحالى؛ لأن هناك مسائل قانونية، ولغاية ما نحل اتفاق الميه بين السودان ومصر.. وبعد ما نحل اتفاق الميه بين السودان ومصر بيبقوا يوقعوا الاتفاق، وان احنا نقدر نبتدى من النهارده فى المشروع معتمدين على السبعين مليون دولار اللى جايين لنا من أمريكا وإنجلترا
وبعدين هل إنجلترا وأمريكا حتدينا معونات تانى غير الـ ٧٠ مليون دولار؟! هم المفروض كانوا قايلين حيدونا ٤٠ مليون دولار كل سنة، دلوقت بيقولوا ٥ سنين حيدونا ٧٠ مليون دولار، فقالوا: إنهم ما يضمنوش انهم يقولوا لنا على المستقبل يقدروا يدونا أكتر من السبعين مليون دولار أو لأ!
ظهر الفخ اللى فى العملية؛ ظهر ان احنا ناخد السبعين مليون دولار ونبتدى نبنى المشروع، واحنا طبعاً متحمسين عايزين نبنى السد العالى، وكل يوم بنقوم ونقول: السد العالى وبناء السد العالى - وفعلاً احنا كنا ابتدينا فى عمل طرق، وابتدينا فى إنشاء محطات هناك وبناء بيوت للعمال، وبعد ما نمضى المشروع - بعد ما نبتدى فى البناء ونصرف فلوس، حنبتدى نصرف الـ ٣٠٠ مليون دولار وناخد الـ ٧٠ مليون دولار المعونة الأمريكية، نيجى نطلب من البنك الدولى انه يوقع معانا الاتفاق النهائى علشان يدينا الـ ٢٠٠ مليون دولار، سيفرض البنك الدولى شروطه، وحنكون قدام حاجة من الاتنين؛ يا إما نرفض هذه الشروط، يقول: ارفضوا مااديكوش.. مافيش.. يا تقبلوا شروطى.. مافيش، وبعدين نيجى ونقف فى وسط المشروع ونبقى صرفنا ٣٠٠ مليون دولار هباء، نبقى رميناها فى البحر، أو نضطر ان احنا نخضع ونستسلم ونقبل شروط البنك الدولى انه يبعت واحد يقعد مطرح وزير المالية، ويبعت واحد يقعد مطرح وزير التجارة، ويبعت واحد يقعد مطرحى، واحنا نبقى قاعدين فى هذه البلد ما نعملش حاجة إلا بعد ما ناخد منهم التعليمات وناخد منهم الأوامر
دا الفخ اللى ظهر، وبعدين قررنا، وأبلغنا مدير البنك الدولى ان احنا قررنا ألا نبدأ فى السد إلا بعد توقيع اتفاقية المياه مع السودان الشقيق، وبعد توقيع الاتفاق النهائى مع البنك الدولى، ونعرف شروطه إيه، وأوله إيه ونهايته إيه، وان احنا ادينا أوامر بإيقاف العمل فى هذا المشروع من شهر فبراير فى الحاجات اللى ماشية هناك؛ حتى لا ندخل فى مغامرة يتحكم فينا الاستعمار بسببها، ويحاول أن يستغلنا اقتصادياً ويسيطر علينا اقتصادياً بعد أن فشل فى أن يستغلنا سياسياً ويسيطر علينا سياسياً
وبلغنا هذا الكلام لمدير البنك الدولى، ومدير البنك الدولى قال: طيب أنا مستعد أغير الشروط، وأبعت لكم جواب مافيهش الكلام اللى أنتم بتشتكوا منه. قلت له هل تضمن لى إن الجواب اللى حتبعته مافيهش هذا الكلام هو الاتفاق النهائى، واللا هذا الجواب اللى أنا حابتدى على أساسه المشروع شىء والاتفاق النهائى شىء آخر؟ فلم يضمن أن يكون الاتفاق النهائى مماثل للجواب
قلت له طيب نكتب الاتفاق دلوقت ونمضى عليه دلوقت ونؤجله، نقول ينفذ بعد توقيع اتفاقية المياه مع السودان، بس نكون عارفين قبل ما نبتدى إيه شروطكم. فرفض، وقال: لأ ما نقدرش نمضى اتفاق إلا بعد ما تتفقوا مع السودان وتحلوا مشاكلكم القانونية، وانتم تقدروا تبتدوا دلوقت فى المشروع بفلوسكم - بالسبعين مليون دولار - وبعدين فى نص السكة نبتدى نتفاوض علشان نعقد لكم القرض
طبعاً كانت هناك خدعة.. كان هناك خديعة كبيرة جداً.. العملية توريط علشان نتذل لهم، ونقع تانى تحت رحمتهم، يتحكموا فينا. قدامنا حلين: يا نبنى السد ونسيبه ككوبرى، وما نرضاش نقبل شروطهم، يا نقبل شروطهم علشان نكمل السد، فى نفس الوقت تكون فلوسنا - الـ ٣٠٠ مليون دولار - استنزفت وراحت فى الهوا بدون أن نأخذ منها أى نتيجة
قررنا ألا نبدأ فى السد إلا بعد أن نعلم كل العلم كيف سيمول السد، بعد ما نتفق مع البنك الدولى اتفاق نهائى، وبعد ما نتفق على اتفاقية الميه، وبعد ما نمول مواردنا، وقبل ما نبتدى فى الطريق نعرف ازاى حننتهى. وفى فبراير الماضى أوقفنا هذا العمل كله، ومدير البنك الدولى بعت لنا جواب.. طبعاً هذا الجواب ليس له قيمة، وأنا من هذا الوقت باعتبر ان هذا الجواب مالوش قيمة؛ لأنه جواب بيقول: ان أنا حاشترك معاكم بـ ٢٠٠ مليون دولار بعد حل الميه مع السودان، الفلوس تاخدها على أقساط بمفاوضات بين البنك وبينكم. لكن طبعاً هذا الجواب مافيش بنك يصرفه.. ليس له أى قيمة، والأيام اللى فاتت دى أثبتت طبعاً انه مالوش أى قيمة وليس له أى اعتبار. رغم هذا قررنا ان احنا نوقف وما نبتديش لغاية ما نعرف الطريق السليم، وبعدين الجواب اللى بعته لنا البنك الدولى ماكانش فيه أى حاجة تمس سيادتنا، أو سيطرة على ماليتنا، أو كلام من دا فقبلنا هذا الجواب
ولكن كانت هناك مذكرة الحكومة البريطانية ومذكرة الحكومة الأمريكية؛ اللى كانوا بعتوها مع الجواب الأولانى، وبيقولوا فيها برضه بعض حاجات تمس سيادتنا، وتبين أن هناك نية إلى سيطرة اقتصادية وتحكم اقتصادى
ففى فبراير السفير الأمريكى والسفير الإنجليزى فى مصر بلغوا ان احنا غير موافقين على هذه المذكرات، وانكم إذا كنتم عايزين تقدموا هذه المعونة قدموها ولكن بمذكرة تشيلوا منها كل كلام يبين انكم حتسيطروا على سياستنا أو على سيادتنا أو على اقتصادنا، وأى كلام يمثل السيطرة على استقلال مصر، والكلام دا. راحت المذكرتين للحكومة الأمريكية والحكومة البريطانية من فبراير، وطبعاً ما رجعش أى رد عن المذكرتين حتى الآن
فى مارس.. قبل مارس فى ٢٩ فبراير، كان الكلام اللى قبل كده بيقولوا إنهم.. بريطانيا عايزة تتوسط بينا وبين إخوانا السودانيين فى سبيل الوصول إلى تفاهم، فجا "سلوين لويد" فى ٢٩ فبراير وتقابلنا عندى فى البيت، وابتدا يتكلم إنه عايز.. بيعرض انه يعاون على حل المشاكل الخاصة بالمياه بينا وبين السودان. فأنا قلت له والله إن تصرفاتكم تدل على انكم ما انتوش بتحلوا المسائل ولكن بتعقدوا المسائل، تصرفاتكم فى السودان وتصرفات جرائدكم ومحطة إذاعتكم كلها متجهة إلى إثارة السودانيين ضد السد العالى، وهذه وقائع ملموسة. جميع المقالات اللى فى جرايدكم، محطة إذاعة لندن، محطة إذاعة الشرق الأدنى - اللى هى بتاعة الإنجليز - كلهم بيقولوا تعليقات الغرض منها بث روح الخوف والرفض فى إخوانا السودانيين. بعدين قلت له والأنكى من هذا سفارتكم فى الخرطوم بتلم المقالات دى كلها وطبعتها فى كتاب ووزعتها فى الخرطوم، وبتقول للسودانيين: إن السد العالى ضد مصالحكم، وإن السد العالى ضدكم، وانكم كذا وكذا وكذا، ودا يفهمنى انكم عايزين تخلقوا عداء بين مصر والسودان، دا كلام مع "سلوين لويد"
فمنين هذه الوقائع الملموسة بتحصل، ومنين انت دلوقت جاى بتقول إنك عايز تقوم بدور وسيط بين مصر والسودان، أو تساعد على حل المشاكل المعلقة بالسودان؟ كان الواضح - يا إخوانى - ان الإنجليز بكل قوة، وبكل ما يستطيعوا من قوة بيحاولوا يبثوا روح الكراهية فى إخوانا السودانيين؛ لأن الإنجليز طبعاً يهمهم ان احنا نقع مع السودان، وإذا وقعت مصر مع السودان سيستطيعوا هم انهم ينفذوا لحماية أى منهم ضد الآخر
الكلام دا حصل فى فبراير.. فى نفس الوقت وقف "لورد كليرن" - كلنا نعرف "اللورد كليرن" - فى مجلس اللوردات البريطانى وقعد يشتم فى مصر ويقول: مصر ازاى نديها المساعدة؟ مصر ازاى نعاونها؟ مصر اللى ما بتسمعش كلامنا، مصر اللى النهارده بتنادى بحرية، وبتتزعم الدعوة التحريرية، وبتحاربنا فى كذا، ازاى نديها الـ ٥ مليون جنيه؟! فيجب ان احنا ما نديش مصر الـ ٥ مليون جنيه.. ويجب ان احنا ما نديش مصر ٥ مليون جنيه ونقطع عنها هذه المعونة... وكلام فى منتهى البذاءة.. كلام من "لورد كليرن".. طبعاً كلكم عارفين مين هو "اللورد كليرن"، وبدأ فى مجلس العموم كلام بهذا الشكل
**********