يقول رب العزة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً) (الأحزاب : 41)
ويقول: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) (النساء : 103)
ويقول عز وجل (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران : 135)
ونقرأ كذلك قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب: 21)
من المبادئ التى حرص الإسلام على تدعيمها فى نفس كل مسلم أن يحيا دائماً وأبداً ذاكراً لله تعالى، بحيث يشمل هذا الذكر جميع أحواله وكل أوقاته .
ويدلنا على هذا أن الله تعالى حين أمرنا بذكره لم يحدد له عدداً، ولم يحدد له زمناً يقول رب العزة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً) (الأحزاب: 21)
ويقول: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) (النساء : 103)
يقول سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهما فى تعليقه على هذه الآية الأخيرة: أى بالليل والنهار، فى البر والبحر، والسفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية، وعلى كل حال .
ومما يدلل على أهمية حرص الإسلام على اهتمام المسلم بذكر الله تعالى، هذه المفردات المتعلقة بكلمة ذكر والتى وردت فى القرآن الكريم زهاء المائة مرة، كما أنه لا يخلو كتاب من كتب السنة صغيراً كان أو كبيراً من الإشارة إلى هذا الموضوع المهم، وإفراد الأبواب له فى داخل مصنفات المحدثين.
وقد أفاض العلماء فى بيان فوائد الذكر وفضائله، وقد عدَّد الإمام ابن القيم رحمه الله من هذه الفوائد تسعاً وسبعين فائدة، وأودعها فى كتاب له سماه الوابل الصيب من الكلم الطيب فليرجع إليه وإلى غيره من أراد التفصيل..
ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن ذكر الله تعالى الذى يحظى بكل هذه الفضائل لا يقتصر على حركة اللسان، سواء بتلاوة القرآن، أو الدعاء، أو الاستغفار، أو الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم... الخ دون غير، فهذا فهم قاصر، ومعنى غير صحيح .
والحق أن ذكر الله تعالى أعم وأشمل من مجرد حركة اللسان، فهو حالة تعترى الإنسان المسلم تجعله يراقب ربه فى أقواله وأفعاله، وحركاته وسكناته، فلا يُرى متعدياً لحدود الله، أو متكاسلاً عن طاعة الله .
وفى الإشارة إلى مثل هذا المعنى نقرأ قوله تعالى فى صفات المتقين: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران: 135)
وفى هذه الآية الكريمة ما يشير إلى أن ذكر الله تعالى يحمل صاحبه على الخشية من الله تعالى، فإذا زلت القدم، أو تعثرت الخطى بادر المسلم إلى التوبة والاستغفار .
ونقرأ كذلك قوله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب : 21)
وفى هذه الآية الكريمة إشارة إلى ضرورة التأسى برسول الله فى كل شىء، وبينت أن دوافع هذا التأسى هى رجاء المؤمن فى الله وفى ثوابه، وكونه ذاكراً لله دائماً وهناك إشارات أخرى غير هذا،وهى تؤكد أن الذكر ليس حركة لسان فقط، وإنما هو منهاج حياة، يحمل صاحبه على فعل الطاعات، واجتناب المنهيات، وبذلك يكون ثناء المرء على ربه جانباً واحداً من جوانب عدة يشملها معنى الذكر، وقد أشار إلى ذلك أحد العلماء بقوله: "الذكر على سبعة أنحاء فذكر العينين البكاء، وذكر الأذنين الإصغاء، وذكر اللسان الثناء، وذكر اليدين العطاء، وذكر البدن الوفاء، وذكر القلب التسليم والرضاء، وذكر الروح الخوف والرجاء .
وقد أشار القرآن الكريم إلى أن الله تعالى يعامل عباده فى أمر الذكر وفق السنة التى نحن بصددها، وهى أن الجزاء من جنس العمل.
يقول رب العزة (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) (البقرة : 152)
وفى الحديث القدسى الذى أخرجه الشيخان عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال النبى صلى الله عله وسلم: يقول الله تعالى: "أنا عند ظن عبدى بى، وأنا معه إذا ذكرنى، فإن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى، وإن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منهم، وإن تقرب إلى شبراً تقربت إليه ذراعاً وإن تقرب إلى ذراعاً تقربت إليه باعاً - مقدار الذراعين مفتوحين - وإن أتانى يمشى أتيته هرولة" وواضح من سياق الحديث أن ذكر الله تعالى لعبده يفوق ذكر العبد له، وهذا فضل عظيم من الجليل الكريم أن يحظى العبد بذكر الله له، وثناء الله عليه.
يقول يحيى بن معاذ رضى الله عنه: يا غفول يا جهول، لو سمعت صرير الأقلام فى اللوح المحفوظ، وهى تكتب اسمك عند ذكرك لمولاك لمُتَّ شوقاً إلى مولاك.
وفى حديث قدسى آخر أخرجه البخارى أيضاً يقول رب العزة: أنا مع عبدى حيثما ذكرنى، وتحركت بى شفتاه
وإذا صدق العبد فى تحقيقه لمعنى ذكر الله تعالى، واستحق بذلك ذكر الله ومعيته له، فإن العبد سيجد ترجمة واقعية فى حياته لهذا، فإذا بالشدائد تهون، والمحن تنجلى، بما يسرُّ المؤمن ويشرح صدره .
ونقرأ فى هذا على سبيل المثال قول الله تعالى: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (الصافات : 139-144)
ويؤيد ذلك أيضاً ما رواه البخارى ومسلم من حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم، فآواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم.. الخ هذا الحديث الطويل.
إن من يتعرف إلى الله فى الرخاء يعرفه فى الشدة، ومن حفظ الله بإقامة دينه وتطبيق شرعه حفظه الله فى أموره كلها، فيسَّر له أمره، وكان له عوناً وسنداً.
يقول رب العزة: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق: 3) ، ويقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) (الطلاق : 4)
نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا له ذكارين شكارين.
إنه ولى ذلك والقادر عليه