المبحث الأول: تساؤلات عن أسباب الثورة على عثمان
،
أظهر بعض الناس نقمتهم على أمير المؤمنين عثمان بن عفان و ولاته ، ثم انتهى بهم الأمر إلى الثورة عليه و قتله ( سنة:35 ه) ، فلماذا أقدموا على ذلك ، فهل خصّ عثمان أقاربه بالإمارة دون غيرهم ، أم ولى من أقاربه من لا يصلح للإمارة ، أم كان هو شخصيا ضعيفا عاجزا عن إدارة شؤون الدولة ، أم كانت رعيته تعاني من الظلم الاقتصادي و السياسي ؟ . هذه التساؤلات هي التي أجيب عنها فيما يأتي من هذا البحث إن شاء الله .
أولا : هل خصّ عثمان أقاربه بالإمارة ؟
عندما تولى عثمان – رضي الله عنه – الخلافة ، ترك ولاته في مناصبهم فترة من الزمن بوصية من عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - ، ثم غيّر بعضهم حسب اجتهاده و ما تقتضيه المصلحة و ظروف الأمصار ، و سار في رعيته باللين و الحلم ،و العدل و التواضع لكنها –أي رعيته – وجدت في إسناده الإمارة لأقاربه مدخلا للطعن فيه و الإنكار عليه ، فقال الناقمون عليه إنه اتخذ بطانة سوء من أقاربه ،و قسّم بينهم الولايات ، من بينهم من لا يصلح للولاية ، حتى ظهر منهم الفسوق و العصيان و الخيانة ، و مع ذلك لم يسمع لمن عاتبه عن ذلك الفعل و لم يرجع عنه .
فهل ارتكب عثمان معصية في تعيين أقاربه ولاة ؟ . و هل خصّ أقاربه بالإمارة دون غيرهم من الناس ؟ . و هل أرخى لهم العنان ، فلم يحاسبهم ،و لم يوقفهم عند حدودهم إن هم تعدوها ؟ . فبخصوص التساؤل الأول فالجواب عنه من وجهين ، الأول أن تعيين عثمان أقاربه ولاة ليس بحرام ، على ما اعتقد ، فقد بحثت في القرآن الكريم و السنة النبوية ، فلم أعثر على أي نص يحُرّم على الحاكم إسناد الإمارة لأقاربه .
و الوجه الثاني هو أن عثمان –رضي الله عنه – لم ينفرد عن الخلفاء الراشدين بتعيين أقاربه ولاة له ، فقد أسند علي بن أبي طالب – رضي الله عنه- الإمارة لأقاربه ، و لأناس مطعون فيهم ، فمن أقاربه الذين ولاهم : عبد الله بن عباس على البصرة ،و عبيد الله بن العباس على البحرين و اليمن ،و قثم بن العباس على الطائف و مكة .و ولى من المطعون فيهم : محمد بن أبي حذيفة على مصر ، الأشتر النخعي على مصر و الجزيرة ،و محمد بن أبي بكر على مصر ، و هؤلاء الثلاثة هم من رؤوس الفتنة المتألبين على عثمان .
فإذا كان عثمان يُلام على تعيين أقاربه ولاة ، فعلي هو الآخر يلام على ذلك ، خاصة و أنه ولى حتى رؤوس الفتنة . لكن حقيقة الأمر أن ما فعلاه يدل على أن إسناد الإمارة للأقارب ليس حراما ، إذ لو كان حراما ما اقتربا منه ،.و يدل أيضا على أنهما كانا مجتهدين فيما قاما به ، توخيا للمصلحة حسب الظروف المحيطة بهما ؛ فمن أصاب فله أجران و من أخطأ فله أجر واحد .
و أما بالنسبة للتساؤل الثاني ، فأشير أولا إلى أنه روى أن عثمان –رضي الله عنه – لم يكن يعزل أحدا من ولاته إلا إذا شكته رعيته ، أو استعفاه أحد ولاته بأن يعفيه من منصبه ، أو ساءت علاقته مع أعوانه المقربين منه .
و ثانيا أن تعيين عثمان بعض أقاربه من بني أمية ، لم يكن جديدا على المسلمين ، عفقد كان بنو أمية من أكثر القبائل العربية توليا للمناصب منذ زمن رسول الله –ليه الصلاة و السلام – فإنه استعمل منهم ، عتاب بن أسيد ،و خالد بن العاص ،و أبان